دستور تحت الوصايات المتعددة.. لا يعول عليه!

2019.11.11 | 19:50 دمشق

aldstwr_bdwn_kymawy.jpg
+A
حجم الخط
-A

مع انطلاق اجتماعات اللجنة الدستورية المصغرة مطلع شهر نوفمبر تشرين الثاني، تسود الضبابية والغموض مستقبل هذه اللجنة المصغرة وكذلك مهمتها، في ظل تجارب سابقة خبر فيها السوريون "مهارات" ممثلي النظام في التسويف والتأجيل، وتعليق أعمال أي لجنة سياسية سواء كانت منبثقة عن مسار جنيف أو مسار أستانة.

اللجنة المؤلفة من 45 عضواً، في قوائم متساوية من النظام والمعارضة والمجتمع المدني، تتمحور مهمتها من حيث المبدأ، في مناقشة دستور عام 2012، واقتراح تعديلات له، أو صياغة دستور جديد وفق مقترحات تطرح للتصويت من قبل اللجنة الموسعة، ليتم تمريرها بعد موافقة 113 من أعضائها على كل مادة، بحسب الإجراءات البروتوكولية التي تم التوافق عليها مع المبعوث الأممي إلى سوريا "غير بيدرسون".

بوادر التسويف الذي يحرص النظام وممثلوه على صبغ عمل أي لجنة تتعلق بمستقبل سوريا، بدت مع وجود اختلاف في الأجندات المقترحة؛ إذ يطلب النظام بتخصيص أسبوع للعمل وثلاثة أسابيع للمشاورة، في حين تطلب المعارضة ثلاثة أسابيع عمل وأسبوعاً للمشاورة.

يشهد التاريخ أنه تجارب الشعوب، ولا سيما تلك الواقعة تحت الوصاية الخارجية (سواء كانت معلنة ومباشرة أو غير مباشرة) لا يكتب لها النجاح من دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح دولة الوصاية، فعندما كتب دستور عام 1928 تم تعطيله من قبل الاستعمار الفرنسي لأنه يتعارض مع وجوده، وتم تعديله بما يشرعن الاحتلال ويضمن استدامته ويحفظ مصالحه ويحمي ممارسته.

يشهد التاريخ أنه تجارب الشعوب، ولا سيما تلك الواقعة تحت الوصاية الخارجية (سواء كانت معلنة ومباشرة أو غير مباشرة) لا يكتب لها النجاح من دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح دولة الوصاية

ومنذ ولادة الدولة السورية في عشرينيات القرن الماضي وحتى عام 2012، تمت كتابة نحو 16 دستوراً، خلال حقب سياسية مختلفة، وتبدلات دولية كثيرة، أكثر الدساتير السورية التي لا تزال محافظة على "رمزية" وحضور في ذاكرة القانونيين والسوريين عموماً هو دستور عام 1950 الذي حمل اسم "دستور الاستقلال"، ويعد أول دستور مدني من نوعه تحظى به سوريا، وجاء في مادته الثالثة: "دين رئيس الجمهورية الإسلام، والفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع".

قلص دستور 1950 من صلاحيات رئيس الجمهورية، وزاد من صلاحيات البرلمان بمنعه التنازل عن صلاحياته التشريعية للحكومة ولو مؤقتاً، وعزز من سلطة القضاء باستحداث المحكمة الدستورية العليا. وكفل حرية الرأي والصحافة، ومنع الاعتقال التعسفي والتوقيف دون محاكمة. تم تعطيل "دستور 1950" أكثر من مرة بسبب تجدد الانقلابات العسكرية، ثم عطل مع قيام الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958 حتى عام 1961 مع سنة الانفصال؛ ليعاد إحياؤه، وبقي معمولاً به حتى عام 1963، العام الذي سيطر فيه حزب البعث على السلطة، أصدر حزب البعث على مدار 7 سنوات 3 دساتير مؤقتة؛ إلى أن وصل حافظ الأسد إلى السلطة عبر انقلاب عسكري عام 1970. وبعد ترتيب أوراقه، عين الأسد "الأب" لجنة لصياغة دستور دائم للبلاد عام 1973، وكانت المادة الثالثة (دين الدولة) إضافة إلى آلية انتقال السلطة، ودور حزب البعث، من أبرز النقاط التي أثارت موجة احتجاجات حينها، رغم إقراره بـ "استفتاء شعبي" في العام ذاته.

نجد الأمم المتحدة ومبعوثيها الدوليين مقرين بشكل مسبق و"شبه إذعاني" لمطلب النظام مناقشة تفاصيل ومواد دستور عام 2012، ومطالبة بقية الأطراف (المعارضة والمجتمع المدني) بالاطلاع عليه ومحاولة إقناعهم أن دستور عام 2012 يمكن البناء عليه

مشكلة السوريين المجتمعين في جنيف لبحث ملامح الحل الدستوري في سوريا، أن النظام استبق كل المحاولات لكتابة دستور شامل وحديث يتوافق السوريون على قبوله، مع إقراره دستور عام 2012 في وقت مبكر من عمر الثورة السورية، عندما كانت انتفاضة الشعب السوري لا تنظر بعد إلى مآلات الحراك في مواجهة آلة القمع التي بدأت تتغول حينها، لذلك نجد الأمم المتحدة ومبعوثيها الدوليين مقرين بشكل مسبق و"شبه إذعاني" لمطلب النظام مناقشة تفاصيل ومواد دستور عام 2012، ومطالبة بقية الأطراف (المعارضة والمجتمع المدني) بالاطلاع عليه ومحاولة إقناعهم أن دستور عام 2012 يمكن البناء عليه أو اعتباره مسودة دستور جديد، مع تعديل عدد من المواد تتعلق بدين رئيس الجمهورية وصلاحياته وصلاحيات السلطة التشريعية، مع فصل السلطات الثلاث عن بعضها.

المشكلة القانونية الأهم في اللجنة التي تم "التطبيل" والترويج لنجاح الأمم المتحدة في تكوينها بشق الأنفس أنها غير مؤهلة (في معظم أعضائها) وليست مخولة من قبل الشعب صاحب السيادة، ولا تضم نخباً قانونية أو سياسية، لتبقى المشكلة الأساسية ليست في الدستور وإنما بتطبيقه وتنفيذ ما جاء فيه، على أن تعدد الجهات الوصائية في الملف السوري حالياً قد تكون العقبة الأكبر في مواجهة صياغة دستور جديد تراعي مصالح الجهات التي فرضت عليهم الاجتماع في جنيف، ويعقد في الوقت نفسه مهمة رسم ملامح مستقبل سوريا قريباً، ما لم تكن اجتماعات اللجنة الدستورية الحالية مجرد واجهة لتمرير ما قد تم التوافق عليه وكتابته بعيداً عن عدسات الكاميرات ومتابعة وسائل الإعلام!