داعش والاستخبارات الأمريكية والإسلام

2018.11.15 | 00:11 دمشق

+A
حجم الخط
-A

عندما تحدث أزمة ما في أي دولة في العالم يتنادى صناع القرار إلى إيجاد حلول لهذه الأزمة دون النظر إلى التكاليف الباهظة المادية والمعنوية التي يمكن أن يدفعها المواطنون في هذه الدولة، فالغاية تبرر الوسيلة لدى الأنظمة ولاسيما الشمولية منها من دول العالم الثالث، فالحكم أهم بكثير من أرواح البشر حتى ولو كانت بالملايين وأهم من البلد حتى لو تم تدميرها عن بكرة أبيها المهم أن يبقى القائد الأوحد الرمز المفدى على كرسيه، وإن غُمس بدماء شعبه الذي يقوده الى التخلف والجهل والإفقار.

كل هذا ليس بالغريب ولا بالمستبعد على الحاكم الدكتاتور المستبد لكن أن يقوم هذا الحاكم باستخدام الدين بوجه آخر مناقض للدور الذي استخدمه في زمن السلم  وسيلة رئيسة لتثبيت حكمه فهذا لم يحدث على مرّ التاريخ إلا في الثورة الجزائرية والآن في الثورة السورية، والتي استخدم فيها بشار الأسد ومشغلوه التنظيمات المتطرفة المدعية انتماءها للإسلام والإسلام منها براء، فهذه التنظيمات سياسية بامتياز، نظرًا لممارساتها اليومية وعلاقاتها المتشعبة مع كثير من الأطراف والتي تحكمها لغة المصالح وهذه التنظيمات تم تأسيسها لأهداف لا علاقة للدين بها، فالدين مطية يستخدمه مشغلو مثل هذه التنظيمات لتحقيق أهداف سياسية من أهمها :  إلصاق تهمة الإرهاب بالشعب المنتفض الذي ينتمي "غالبيته" للإسلام لمحاولة تشويه ثورته، ووأد أي ثورة تخرج ضد الحاكم كما حدث في الثورة السورية.

ولهذين السببين عمل الأسد وأجهزته الأمنية وداعموه من أنظمة عربية ودولية على إعطاء دور كبير لِما يسمى التنظيمات الإسلامية كُلا حسب دوره، إذ قام الأسد  بإطلاق سراح سجناء صيدنايا المدجّنين سلفًا في هذا السجن المختبر لصناعة الإرهاب، كما أطلق المالكي في العراق مجموعة كبيرة من السجناء الإسلاميين من سجونه وبخاصة سجن أبو غريب، ليشكل هؤلاء مجموعة من التنظيمات والفصائل التي تدعو جميعها إلى إقامة الخلافة الإسلامية، ولتقوم كثير من الدول عبر تنظيمات وحركات سياسية وعسكرية في الثورة السورية بإيصال الأسلحة والذخيرة إلى هذه التنظيمات بطرق مختلفة، للأسف كان الدافع الأكبر لها المكاسب المادية والوعود في إعطاء البعض منهم دورًا ما في مستقبل سوريا.

لعل أهم هذه التنظيمات والفصائل ما سمي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" والذي كان له دورٌ كبيرٌ في الإساءة للشعب السوري وثورته من خلال الأفكار المتطرفة الدخيلة على هذا الشعب الطيب، الذي خرج من أجل استعادة كرامته وحريته فأوجدوا له من يتحدث باسمه من المرتزقة وقطاع الطرق وأصحاب السوابق ومن أصحاب الفكر المتطرف، ولعل الممارسات الفظيعة التي قام بها هؤلاء على الشعب السوري تدل عليهم وعلى فكرهم المنحرف، ومن أهم ما قاموا به محاربة الفصائل التي شُكلت للدفاع عن هذا الشعب المنتفض، والاستيلاء على أغلب المناطق التي حررها الجيش السوري الحر والقيام بأعمال إجرامية بحق السكان المحليين من قطع للرؤوس والأيدي والتعذيب الممنهج في المعتقلات وممارسة الكثير من أساليب النهب والسلب لممتلكاتهم، ناهيك عن فرض الطقوس الدينية بالقوة، وهي طقوس بعيدة عن الإسلام والمسلمين

إن الدور الوظيفي المتناقض في كثير من الأحيان الذي يقوم به تنظيم داعش جعله محط جدل طويل منذ ظهوره في سوريا، حول نشأته، وممارساته، وأهدافه وارتباطاته

وبعيدة عن الحضارة والإنسانية، كل ذلك ظهر جليًا لإرغام الشعب السوري على العودة إلى بيت الطاعة الأسدي هربًا من جحيم هذه التنظيمات، وهذا ما يثبت أن تنظيم داعش وأمثاله مصنوع من خيوط العنكبوت، والذي لا يجمع مقاتليه إلا المصالح والمال بدون عقيدة ولا أي أيديولوجيا، على عكس ما يشاع عبر أجهزة الإعلام العربية والدولية، وما هو إلا أداة لمحاولة إركاع الشعب السوري المنتفض على جلاديه.

إن الدور الوظيفي المتناقض في كثير من الأحيان الذي يقوم به تنظيم داعش جعله محط جدل طويل منذ ظهوره في سوريا، حول نشأته، وممارساته، وأهدافه وارتباطاته، الأمر الذي جعله محور حديث الصحف والإعلام، وما بين التحاليل والتقارير، ضاعت هوية هذا التنظيم المتطرف وضاعت أهدافه وارتباطاته بسبب تضارب المعلومات حوله، فئة تنظر إليه كأحد فروع القاعدة في سوريا، وفئة أخرى تراه تنظيماً مستقلاً يسعى إلى إقامة دولة إسلامية، وفئة ثالثة تراه صنيعة النظام السوري للفتك بالمعارضة وفصائلها، وبين هذا وتلك وذاك يتساءل الكثيرون من هي داعش؟ وللإجابة على هذا السؤال وأسئلة كثيرة أخرى مطروحة سنتعرف على المراحل الأولى لظهور هذا التنظيم، فعلى الرغم من ظهور التنظيم حديثًا في سوريا إلا أنه ليس بتشكيل جديد، بل هو الأقدم بين كل التنظيمات المسلحة البارزة على الساحة السورية خاصة والإقليمية عموماً.

تعود بداية تكوين هذا التنظيم امتداداً لمعسكرات أقامتها الولايات المتحدة الأمريكية في باكستان في ثمانينات القرن الماضي لوضع حجر الأساس للتنظيمات التي رفعت شعارات محاربة أمريكا وإسرائيل تحت راية الاسلام، حيث شكل أبو مصعب الزرقاوي عام 2003 تنظيما أسماه جماعة التوحيد والجهاد وأعلن مبايعته لتنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن في حينها، ليصبح ممثل تنظيم القاعدة في المنطقة أو ما سمي "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين"، برز التنظيم على الساحة العراقية إبان الاحتلال الأمريكي للعراق، على أنه تنظيم جهادي ضد القوات الأمريكية، وفي نهاية عام 2006 تم تشكيل تنظيم عسكري باسم "الدولة الإسلامية في العراق" بزعامة أبو عمر البغدادي، وفي أواخر عام 2011 تم الإعلان عن تشكيل جبهة النصرة لأهل الشام، وهي فرع تنظيم القاعدة في سوريا بقيادة أبو محمد الجولاني، وفي نيسان من عام 2013 تشكّل تنظيم "داعش"، وقُدم في البدء على أنه اندماج بين ما يسمى بـ "دولة العراق الإسلامية" التابع لتنظيم القاعدة و"جبهة النصرة"، إلا أن هذا الاندماج الذي أعلن عنه قيادي "دولة العراق الإسلامية" أبو بكر البغدادي، رفضته "النصرة" على الفور، وهذا ما دعا زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري إلى إلغاء الاندماج، إلا أن البغدادي أكمل العملية لتصبح "داعش" (الدولة الإسلامية في العراق والشام) واحدة من أكبر الجماعات المسلحة الرئيسة في سوريا والعراق، ومنذ أن بدأ صعود نجم داعش المستمر في عام 2013، واجهت فصائل الثورة السورية التنظيم، إما مواجهة تنتهي بسحق التنظيم لها، أو اتخاذ قرار يرى أنه من الأفضل الانضمام إلى الفريق المنتصر، والانشقاق بأسلحتهم وأموالهم والانضمام لصفوف التنظيم، وفي ظل هذه المستجدات تم القضاء على الكثير من الفصائل الثورية ولم يتبق إلا من استطاع الصمود أمام قوة داعش وتفوقها العسكري، كما بقيت جماعة النصرة صامدة على موقفها، وشكلت تحالفاً قوياً مع نظراء أكثر تشددًا، وأعلن نحو 3 آلاف مقاتل من جماعة النصرة الولاء خلال هذه الفترة.

لقد حقق التنظيم نجاحات كبيرة ليس فقط نتيجة لامتلاكه العتاد والسلاح والذخيرة التي تتفوق بها على غالبية فصائل الثورة والفصائل الإسلامية الأخرى، بل لأسباب تتعلق بالحاضنة الشعبية التي كسب ودها داعش في البداية بسبب الروابط الدينية والمذهبية التي رُفعت شعاراتها في تلك الفترة وخاصة محاربة إيران الشيعية التي توغلت كثيرا في دماء الشعب السوري، ولا ننسى قيام التنظيم في إطلاق حملة إعلامية ناعمة تنطق بعشرات اللغات من أجل اجتذاب الشباب والشابات إليه والذي ساعد كثيرا على استقطاب شباب المسلمين من كل نواحي العالم، بالإضافة إلى العقول الإسلامية في الخليج العربي التي ترنو إلى مثل هذا الهدف فبدأ تقديم الدعم لهذا التنظيم بشكل كبير، إذ كانت تصل حاويات مكدسة بالمال بحجة الدعم الاغاثي للشعب السوري تسلم للتنظيم وتنظيمات أخرى متشددة عبر سماسرة فاسدين ينتمون إلى قيادات في مؤسسات الثورة السياسية والعسكرية، مما ساهم كثيراً في اتهام بعض دول الخليج في الدعم المباشر لهذا التنظيم وهذا غير صحيح بالمطلق، إذ دفع الإصرار على إسقاط الأسد إلى حدوث أخطاء فادحة في اختيار هذه الدول  لحلفائها الذين لم يكونوا على مستوى المسؤولية وكان جل همهم تعبئة أرصدتهم في البنوك غير مكترثين لنتائج جريمتهم، ويتعين على هذه الدول حاليا إجراء بعض المراجعات، على الرغم من الشكوك بشأن الاعتراف بمثل هذه المراجعات علنا.

ويجب أن نعرف أنّ هذا الأسلوب هو الأكثر اتباعا في عامي 2012 و 2013، لكنه تراجع وأصبح يمثل نسبة ضئيلة للغاية من إجمالي الدخل المتدفق على خزائن تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2014، والذي اعتمد في ذلك على عائدات النفط بشكل أساسي، الذي كان يبيعه لكثير من أطراف الصراع وفي مقدمتهم نظام الأسد  عبر وسطاء، لقد أسس تنظيم الدولة الإسلامية ما قد يبدو بداية لنظام شبيه بالدولة يتألف من وزراء

تشكيل التنظيم بدأ عندما أقامت وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) معسكرات تدريب في باكستان، وجنَّدت خلال عشر سنوات من عام 1982 إلى عام 1992 قرابة 35 ألف جهاديّ من 43 دولة إسلامية، للقتال في صفوف الجهاديين في أفغانستان، ودفعت الـ CIA ثمن الإعلانات التي ظهرت في الصحف والنشرات الإخبارية في جميع أنحاء العالم

ومحاكم وحتى نظام ضريبي بدائي يفرض ضرائب أقل بكثير ما يدفعه المواطنون في سوريا في ظل حكم الأسد، كما أن التنظيم أظهر نمطيًة منذ أن بدأ الاستيلاء على الأراضي مطلع عام 2013، وبمجرد سيطرته على بلدة ما، سرعان ما يعمد إلى تأمين المياه والدقيق والموارد الأساسية في المنطقة، وبناء على ذلك يدفع السكان المحليين إلى الاعتماد عليه من أجل البقاء بمنطلق الحاجة للاستقرار أو الخوف من العقاب.

بعد كل هذا كله الذي يعتبر نتائج وليس مقدمات كما يشاع لابد أن نعرف حقيقة نشأة تنظيم القاعدة وداعش ومن خلال تتبعنا لمجريات الأحداث التي عصفت في منطقة الشرق الأوسط منذ بداية الثمانينات ومن خلال الكثير من الدراسات والمصادر، إن داعش والقاعدة لم تأت من تطرف إسلامي كما يسعون لإقناعنا، ولا بسبب خطأ سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، ولا هي تورطت بها، كما يحاول آخرون إقناعنا بذلك، بل إن تشكيل التنظيم بدأ عندما أقامت وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) معسكرات تدريب في باكستان، وجنَّدت خلال عشر سنوات من عام 1982 الى عام 1992 قرابة 35 ألف جهاديّ من 43 دولة إسلامية، للقتال في صفوف الجهاديين في أفغانستان، ودفعت الـ CIA ثمن الإعلانات التي ظهرت في الصحف والنشرات الإخبارية في جميع أنحاء العالم لتوفير الإغراءات وتقديم المحفزات للانضمام إلى الجهاديين.

وتنظيم الدولة في الأصل هو أحد الفروع الذي أنشأته الاستخبارات الأمريكية بدعم من المخابرات البريطانية MI6، والموساد الإسرائيلي، وجهاز الاستخبارات الباكستانية ISI، والاستخبارات السعودية GIP، وهذا يؤكد أن التشويش الكبير الذي تصر عليه المواقع الكثيرة الانتشار التي تحاول إلقاء اللوم على التعاليم الدينية أو الاجتماعية، وشعارات إلقاء اللوم على أنفسنا، ليس صدفة بل هو جزء من المخطط لإبعاد الشبهة عن المجرم الحقيقي، وإن كان الكثير قد تبناه وأصبح يمارسه وجعل من نفسه دون أن يدري، جزءا من الجهاز الإعلامي للتشويش على الحقيقة، وتأكيدا على ما أوردنا نجد أنه في الوقت التي ترفع فيه هذه التنظيمات شعارات الجهاد ضد الأمريكان وإسرائيل وأعداء الأمة، نجدهم في أغلب الأحيان لا يقتلون إلا المدنيين والعزل المسلمين والثوار والجماعات الأخرى في الدول التي قياداتها أدوات في المشروع الأمريكي الصهيوني كسوريا والعراق، ولم نجد أي تنظيم منهم وجه سلاحه صوب إسرائيل أو أي يهودي أو أمريكي إلا في حالات نادرة غالبا ما نجدها حالات عليها الكثير من علامات الاستفهام والتعجب، فعدد القتلى والجرحى في العمليات التي يقومون بها ضد القواعد والأهداف والمنشآت والسفارات الأمريكية والغربية يكون محدودا جداً، والخسائر تكون محدودة وكأن كل شيء تم وفق حسابات دقيقة بعمليات محسوبة ومحسوب مقدار خسائرها المادية والبشرية، ومن يجني الفوائد هي الدول المعتدى عليها وهذا يوضح أن الأصابع الاستخباراتية الغربية تقف وراءها لتجني من ذلك مكاسب كبيرة ليس أولها شيطنة الإسلام , وليس آخرها تخويف الأنظمة في الدول العربية والإسلامية بأن ثمة يدًا لهم في ذلك فيسارعون للبذل والعطاء وشراء السلاح ؟!

 

كلمات مفتاحية