icon
التغطية الحية

دار المسنين في اعزاز.. ملجأ الوحيدين والمتروكين |صور

2020.12.25 | 04:43 دمشق

05.jpg
حلب - حسين الخطيب
+A
حجم الخط
-A

اكتظت دار السلامة لرعاية المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة الموجودة في مخيم السلامة شمال مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، خلال الأيام القليلة الماضية، عقب استقبال الدار عددا من ذوي الاحتياجات الخاصة، وكبار السن في ظروف سيئة للغاية، وذلك بعد تواصل الأهالي في عدة بلدات مع القائمين على الدار لنقل أشخاص إليها ضاقت بهم السبل فوجدوا الشارع ملاذهم الوحيد.

ويقيم في دار السلامة لرعاية المسنين والاحتياجات الخاصة عشرات النزلاء، من خلفيات متنوعة بينهم عراقيون ولبنانيون، وسوريون من محافظات مختلفة، تقطعت بهم السبل بعدما تُركوا وحيدين من قبل ذويهم.

زار موقع تلفزيون سوريا دار السلامة لرعاية المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة للاطلاع على الظروف التي يعيشها النزلاء، من مشكلات وتحديات تواجههم، فوجدنا في الغرفة الأولى خمسة أشخاص من كبار السن يجلسون في أسرتهم يتبادلون الأحاديث فيما بينهم.

الحرب جعلتهم وحيدين بلا مأوى

التقينا مصطفى أحمد الناصر،63 عاماً يقيم في دار السلامة، ومهجر من الشام وبالتحديد منطقة البويضة، إلى مدينة اعزاز شمال حلب، ويعيش وحيداً ليس لديه أقرباء في الشمال السوري بعدما استشهد عدد من أفراد عائلته في تفجير ملغم في الحي الذي يقيم به في مدينة اعزاز، وعقب وفاة زوجته واثنين من أبنائه أرسل أبناءه الثلاثة الصغار إلى شقيقته التي تقيم في الشام لرعايتهم.

يقول السيد مصطفى لـ موقع تلفزيون سوريا: "إنني لا أستطيع السير على قدمي بسبب الألم، كما فقدت بصر عيني اليسرى بينما عيني اليمنى أرى بها بـ 70%، نتيجة الحزن الذي أنهكني بعد فراق أبنائي، وخلال الشهر المقبل لدي عملية وسبب تأخري عن العملية عدم توفر طبيب عينية ذو كفاءة عالية".

 وأضاف: "وانتقلت إلى دار السلامة بعدما بقيت وحيداً لا أستطيع تدبر أموري المعيشية أو تقديم الخدمات لنفسي، وأقضي غالبية وقتي في الحديث مع الأصدقاء وكذلك أشاهد التلفاز قليلاً".

لا يبدو مصطفى قادراً على إكمال مسيرة حياته وحيداً فهو يحتاج إلى كثير من الرعاية ليس الخدمية فحسب وإنما الصحية والنفسية فالأزمات التي تعرض لها ليست قليلة بل كانت سبباً في فقدان البصر في عينه.

في الجهة المقابلة يجلس السيد أحمد عكرا 52 عاماً، بترت ساقه وفقد عينه اليمنى وكذلك ابنه الوحيد عندما كان يقيم في مدينة حلب نتيجة قصف الطيران الحربي للحي الذي تقيم به عائلته، ويملك السيد أحمد مزرعة في محيط مدينة حلب، نزح إليها بعد سيطرة النظام على المدينة، لكنه الآن لا يستطيع الذهاب إليها لأنه مطلوب لقوات النظام، بينما يعيش أفراد أسرته في مدينة حلب إلى الآن.

وخلال الحديث مع أحمد عكرا قال إنه انتقل إلى دار السلامة قبل أشهر قليلة بعدما رفضت إحدى المنظمات منحه خيمة للعيش بها أثناء وجوده في مأوى للنازحين في مدينة اعزاز لأنه لا يوجد لديه أسرة تقيم معه"، حيث نزح من ريف حلب الغربي إلى اعزاز مع الهجمة العسكرية التي شنتها قوات النظام والميليشيات الموالية له خلال الربع الأول من 2020.

وأضاف: أنه لا يستطيع جلب أسرته إلى ريف حلب لأنه لن يستطيع تأمين منزل وعمل لتوفير مصروف أسرته، لذلك تركهم هناك في بيته في مدينة حلب ويرسل لهم بعض النقود التي يتبرع بها أهل الخير كما وصفهم" وجد السيد أحمد أو أبو عبدو نفسه وحيداً دون أفراد أسرته، فهو ليس قادراً على العمل ولا يستطيع توفير حياة جيدة لأسرته، لذلك كانت دار السلامة الملجأ الوحيد له، ولا سيما أن إخوته يعيشون في تركيا ولا يوجد لديه أقارب هنا.

وحيداً في خيمة والمرض ينهش جسده

في الغرفة الثانية من الدار استقبلنا أبو محمد 68 بعيون تملؤها الدموع، بعدما ضاقت أحواله، فهو نازح من مدينة حلب إلى مخيم الريان شمالي اعزاز، يعيش مع زوجته إلا أنها تعرضت قبل شهر من الآن لأزمة قلبية تم إسعافها إلى المشفى الوطني في مدينة اعزاز على خلفية ذلك أخذت إحالة إلى المشافي التركية، حيث تم نقلها إلى تركيا دون زوجها العاجز.

تُرك أبو محمد وحيداً في خيمته مما دفع جيرانه لنقله إلى دار المسنين وهو يقيم بها منذ شهر تقريباً، كما أوضح خلال حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا، جلست بجانب أبو محمد بعدما رأيت الحزن قد رسم على وجهه ولم يعد قادراً على تحمل فراق أسرته التي تشردت، تحدثت إليه قليلاً عن عائلته قال: "إنه فقد اثنين من أبنائه في مدينة حلب بقصف مدفعي استهدف منزلهم، بينما اعتقل النظام ابنه الثالث ويعيش اثنين آخرين من أبنائه في تركيا مع أسرهم".

 بينما وضعه الصحي سيئ للغاية، إنه يعاني من أمراض بحصة في الكلى والمثانة ويجري جلسات دورية للعلاج في المشفى المجاور إلا أن الألم لا يفارقه فجسده النحيل يكاد يتفتق من كثر الأوجاع كما وصف، وفي الوقت ذاته ليس راضياً على الإقامة في الدار ويرغب في الدخول إلى تركيا للعيش مع أبنائه، وعلى الرغم من عدم قدرة أبنائه على توفير مصاريف والدهم إلا أنه أكد: "أن وضعهم المادي سيئ لذلك لا يرسلون له المال للعلاج".

الكارثة

في الغرفة الثالثة لا يبدو المشهد مألوفاً كما سبق فيعيش بها نحو 10 أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، لا يستطيعون التحرك بالشكل المناسب جميعهم مستلقون على فراشهم يعانون من ظروف مأساوية فهم بحاجة إلى علاج فيزيائي ونفسي مستمر إذ يوجد بينهم إعاقات جسدية وذهنية، لم نستطيع التحدث إليهم فالنطق لديهم صعب جداً.

كما أن خدماتهم تختلف حيث يقوم العاملون في الدار على إطعامهم الوجبات بيديهم بالإضافة إلى تغيير ثيابهم وتنظيفهم بشكل جيد يبدو هنا أن ذويهم هم من تخلوا عنهم ووضعوهم في الشارع ولم يجدوا مكاناً يؤويهم سوى دار السلامة لرعاية المسنين.

السجن والتشرد.. وظروف الأقارب

من جهته السيد زكريا مصطفى قنطين 51 عاماً، يقول لموقع تلفزيون سوريا: "إن 12 من كانون الأول هو يوم ميلاده الجديد". يقصد بذلك يوم خروجه من السجن حيث أطلق سراحه من سجون النظام في 12 من كانون الأول من عام 2019، ولذلك كانت السعادة لا تفارقه فهي تظهر على وجهه.

واعتقل السيد زكريا أثناء عمله سائق سيارة، على حواجز النظام، وحكم على إثرها 15 عاماً لكن عفوا رئاسيا من قبل رأس نظام الأسد منحه الخروج من السجن بعد خمسة أعوام، عاد إلى بلدته حتى أيام قليلة كانت قد سيطرت عليها قوات النظام مما دفعه للنزوح إلى الشمال السوري.

يقول لموقع تلفزيون سوريا: إن أسرتي تعيش في تركيا منذ أعوام بعد فترة قصيرة من اعتقالي وكذلك إخوتي ولا يوجد سوى اثنين منهم يعيشون في مخيمات رسمية شمالي اعزاز، ولا يستطيع العيش عندهم لأن المكان الذي يقيمون به لا يتسع لأفراد أسرهم ولذلك وجد الدار خيراً من وضع أعبائه على الآخرين، وأكد: "أن إخوته لا يرفضون عيشه معهم ولكنه خجلاً منهم ولظروفهم المادية رفض العيش هناك".

والتقى موقع تلفزيون سوريا مدير دار السلامة لرعاية المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة السيد نزار نجار، وخلال الحديث معه قال: "إن الدار لا تستقبل الأشخاص الذين يوجد لديهم أبناء أو أقارب في ريف حلب، وفي الوقت ذاته يستطيعون تحمل نفقاتهم، على الرغم من عرض عدد من الأهالي لوضع كبار السن في الدار إلا أنني رفضت طلبهم وهي ظاهرة غير جيدة، وفي حال أتيح المجال فإن أعداد كبار السن ضخمة جداً ولا أستطيع توفير كل احتياجاتهم".

تحديات ومعوقات

وتعاني دار السلامة لرعاية المسنين من العديد من المعوقات والتحديات، أبرزها: ضيق المكان حيث اختير بناؤها في مخيم مكتظ بالنازحين، ولا سيما عدد الغرف غير المناسب مع أعداد النزلاء الذين ارتفع عددهم بشكل تدريجي، بالإضافة إلى ضعف الإمكانيات المادية، لاعتماد الدار على تبرعات ومساعدات المحسنين، إلى جانب نقص الكوادر القائمة على تقديم الخدمات للنزلاء.

 وبحسب ما أكد السيد نزار نجار: "أن عدد النزلاء تخطى 28 نزيلاً بينهم كبار سن وذوي احتياجات خاصة".  وقال نجار: "إن الدار بحاجة إلى طبيب ومساعد طبيب، وسيارة إسعاف لنقل المرضى، إذ يتم نقل بعض الحالات في سيارات نقل (بيك آب) إلى المشافي نظراً لعدم توفر سيارة إسعاف"، مؤكداً: " أنه لا يوجد جهة رسمية تتبنى الدار، حيث يتم اقتطاع مرتبات الموظفين الـ 7 القائمين على تقديم الخدمات من التبرعات التي يقدمها أهل الخير".

كيف تقدم الرعاية؟

تقدم دار السلامة لرعاية المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة، الطعام والشراب والدواء وفق برنامج يومي مع الحرص التام على النظافة البدنية والصحية للنزيل، كما يتابع الموظف الطبي علاج المرضى في المشافي المتوفرة في المنطقة.

إذ يقوم العاملين بإطعام ذوي الاحتياجات الخاصة مع الاهتمام بنظافتهم البدنية لأنهم غير قادرين على ذلك، فبعضهم فاقد للسمع وآخر للذاكرة وآخرون لديهم إعاقات جسدية لا يستطيعون الحفاظ على نظافتهم.

يقوم المسؤول عن توفير الخدمات الطبية بتأمين الأدوية المجانية من المشافي وشراء الأدوية غير المتوفرة من الصيدليات الخاصة، مع متابعة العلاج للمرضى في المشافي، وفي حال لم يتوفر الطبيب المطلوب يتم نقل المريض إلى المشافي الخاصة.

عن الدار

أنشأت دار السلامة لرعاية المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة، في ظروف وتحديات صعبة جداً وقفت حائلا بينها وبين الاستمرار، إلا أن إصرار القائمين عليها في تقديم المأوى لكبار السن وذوي الاحتياجات، ساهم في استمرارها، وتوسعها تدريجياً.

وأسست الدار في 2013، وكانت عبارة عن خيمة صغيرة فيها نزيل واحد، بعد تعرض خيمته للحرق في مخيم السلامة، وتركه وحيداً، وعندما بدأ العدد بازدياد تم نقلهم إلى صيوان يتسع لعدد جيد من النزلاء، لكن الأمر لم يكن بتلك السهولة، مع ازدياد عدد النزلاء بشكل تدريجي، فإنهم سيحتاجون إلى تدفئة وحمامات وغيرها من الخدمات الطبية، مما دفع القائمين عليها إلى بذل مزيد من الجهود في جمع التبرعات كي يتم بناء الدار وتأمين الخدمات الجيدة للنزلاء، حيث تم بناؤها بتبرعات عدد من رؤوس الأموال ودعم من هيئة الإغاثة التركية (IHH) في 2018.

اقرأ أيضاً.. منسيون في زحمة الحرب.. حالة المسنين في سوريا