داخل بيت جيش المجاهدين (4) – الفرصة الضائعة

2021.01.29 | 00:14 دمشق

5-1.png
+A
حجم الخط
-A

بدايات العام 2014 كان تنظيم داعش قد بدأ حملته لاحتلال محافظة دير الزور شرقي سوريا، وذلك بعد طرده منها ومن محافظات الشمال السوري حلب وإدلب، وسيطرته على محافظة الرقة وريف حلب الشرقي، حيث قام بتجميد جبهاته مع محافظات الشمال الممتدة بين ريفي حلب الشمالي والشرقي، كما اكتفت الفصائل على الجبهات أمامه بالرباط الذي تحمل فيه لواء التوحيد الحصة الأكبر لمتاخمتها لمناطق نفوذه وانتشاره، فقد تأسس لواء التوحيد من اندماج مجموعات الثوار في ريف حلب الشمالي بشكل أساسي أواسط العام 2012، أما جيش المجاهدين الذي كان رأس الحربة في معركة تحرير حلب وريفها من التنظيم، فينتشر بشكل رئيسي في ريف حلب الغربي والمنطقة الغربية من الأحياء المحررة من مدينة حلب، بعيداً عن خط المواجهة المشكل حديثاً مع التنظيم، وحتى بعد انضمام كتائب الصفوة الإسلامية من أبناء بلدة مارع في ريف حلب الشمالي إلى صفوف جيش المجاهدين في مايو \ أيار عام 2014، فقد بقي وجود جيش المجاهدين على خط الرابط أمام التنظيم متواضعاً، وبقيت الجبهة عموماً شبه مجمدة، الأمر الذي أتاح لتنظيم داعش صب ثقله في معركة احتلال محافظة دير الزور التي يواجه شمالها مقاومة عنيفة في بلدة مركدة، الأمر الذي دفعنا في الدائرة السياسية لجيش المجاهدين لاقتراح عملية عسكرية تهاجم فيها تشكيلات الشمال التنظيم تخفيفاً عن محافظة دير الزور، وسعياً لتحرير ريف حلب الشرقي غربي نهر الفرات من سيطرته.

اقرأ الجزء الثالث "داخل بيت جيش المجاهدين (3) – ملف داعش"

كانت الخطة التي وضعت للعملية قد تأمن لها التمويل من قبل وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة بحسب أحد أعضاء المكتب السياسي الذي تواصل معهم، كما نالت موافقة القيادة العامة لجيش المجاهدين شرط أن لا يتحمل عبئها وحيداً، وهو ما دفعنا لبدء سلسلة من الاجتماعات التنسيقية مع عدد من تشكيلات الشمال لتأمين العدد المطلوب للمعركة، والذي قدر حينها بـ 1500 مقاتل.

 

قوام المعركة

كانت زيارتنا الأولى لغرفة العمليات التي أنشأتها الجبهة الإسلامية شمالي حلب لتنظيم المواجهة ضد داعش، والتي اصطحبنا إلى مقرها في معمل الغاز قرب بلدة الراعي القائد الشهيد من أبناء مدينة الباب "ياسر أبو الشيخ"، وكان على رأسها "أبو الفاروق" قائد مجموعة ثوار منبج ضمن صفوف الجبهة الإسلامية، والذي اشتكى في اجتماعنا معه ضعف الإمكانيات وقلة الأعداد التي كان أكثرها ممن تبقى من مجموعات ريف حلب الشرقي الذي احتله التنظيم، مع مجموعات ريف حلب الشمالي المتاخم لخط الجبهة، والتي لم يكتمل لها جمعها منذ المواجهات مع التنظيم وحالة التخبط التي أصابتها، كما أن التنظيم وإن كف عن شن هجمات واسعة يمكن لها استثارة فصائل الشمال لمواجهته؛ فإنه قد حافظ على وتيرة ثابتة من العمليات النوعية بهجمات محدودة تشغل غرفة العمليات عن الحشد لهجوم قوي، فضلاً عن استنزافه أعدادها معتمداً كثيراً على سلاح المدفعية المتوسطة (الهاون)، والذي كان على رأسه "أبو علي العراقي" ذو الكفاءة العالية في استخدامه.

وقد فوجئنا بحديث أبو الفاروق عن كون التنظيم لا يمتلك مجموعات كثيرة في المنطقة، فقد نقل معظم قواته إلى دير الزور محتفظاً بأعداد قليلة في نقاط الرباط، تدعمها مجموعات مؤازرة خفيفة التسليح وسريعة الحركة، حتى إن مجموعة الهاون نفسها تتجول على طول خط الجبهة من أوله إلى آخره، أما وراء خط الجبهة فقد كانت المنطقة شبه فارغة من حشود التنظيم، ومليئة -بحسب أبو الفاروق- بالمقاتلين السابقين ضمن صفوف الجيش الحر المستعدين للتحرك حال وجود هجوم حقيقي وواسع.

غادرنا غرفة العمليات حينها للبدء بحشد الأعداد من تشكيلات الشمال للمعركة، التي زاد حماسي لها بعد المعلومات عن ضعف التنظيم في المنطقة، رغم أن أبو الفاروق لم يخفِ تشكيكه بإرادة فصائل الشمال للقتال، ولا أنسى أبداً قوله عندما حدثته عن المعركة: "اللي بده يشتغل.. هي الجبهة، بس ما حدا بده يشتغل"!

بعد اجتماعنا مع غرفة العمليات زرنا عدداً من مجموعات الجيش الحر في إدلب، والتي كان أكثرها تجاوباً مجموعات "حلف الفضول" في بلدة حزانو شمالي إدلب، حيث سبق لها مواجهة التنظيم في سبتمبر \ أيلول عام 2013 قبل انطلاق معركة تحرير الشمال منه، فأبدت جاهزيتها للمشاركة بـ 300 مقاتل، ثم رتب لنا أحد معارفنا اجتماعاً مع قائد لواء بدر في حركة أحرار الشام "أبو أيمن رام حمدان" في مقره حديث الإنشاء آنذاك "المقر صفر"، وهو نفسه المقر الذي شهد بعدها بأشهر في سبتمبر \ أيلول مصرع 45 من قادة أحرار الشام بينهم أبو أيمن نفسه تقبله الله وإياهم جميعاً.

دام اجتماعنا مع "أبو أيمن" ساعتين ويزيد، أسهب فيهن بالحديث عن عمالة التنظيم وشر ما أحدثه في الثورة السورية وخطره عليها، كما تحدث كثيراً عن خلايا التنظيم في إدلب التي يشكل بعضها فصائل كاملة، يثق تماماً أنها تنتظر أن يفرغ التنظيم من تأمين جبهته الشرقية حتى يتوجه إلى الشمال مرة أخرى فتنقلب عليهم، مثل لواء داوود الذي تربطه بقائده علاقة قرابة! وانتهى الاجتماع إلى توفيره 400 مقاتل للمعركة جاهزين بذخائرهم، حيث كان يشك أن "الدول الصديقة" ستوفر أي تمويل لهذه المعركة عن طريق الحكومة المؤقتة أو غيرها كما كنا قد أخبرناه، فقد كان مقتنعاً تماماً بأن لها مصلحة في قيام التنظيم وتوسعه على حساب الثورة والمناطق المحررة!

 

الفرصة الضائعة

انتهت اجتماعاتنا مع التشكيلات التي زرناها إلى توفير ما يقارب 900 مقاتل للمعركة التي سبق لنا نقاشها مع قيادة جيش المجاهدين، وعقد اجتماع آخر للقيادة العامة التي كان عليها أن تكمل أعداد المعركة وتبدأ التجهيز لها، لكننا فوجئنا بأن تذخير المعركة الذي سبق لأحد أعضاء المكتب السياسي تأكيده لتوفره بعد تواصله مع الحكومة المؤقتة لم يعد موجوداً، أو أنه غير متأكد تماماً من إمكانية توفره!

لكن هذا لم يغير من رأينا بأن على الجيش أن يبادر إلى المعركة ولو دخلها بمستودعات الطوارئ، ليدور في الاجتماع نقاش محموم تبادلت فيه تشكيلات الجيش التثاقل عن المعركة، وبدا واضحاً أنها ليست مستعدة لدخولها!

فبالنسبة لتجمع فاستقم -أحد الكتلتين الرئيسيتين في الجيش والذي ينتشر بشكل رئيسي في مدينة حلب- كانت الحجة الأساسية هي تحركات قوات النظام بعد احتلالها السفيرة في نوفمبر \ تشرين الثاني عام 2013، والتي كانت تتقدم ببطء شرقي مدينة حلب مستغلة انقسام المنطقة بين فصائل الثوار وبين قوات تنظيم داعش، مقتربة من المدينة الصناعية في الشيخ نجار، التي تعتبر بوابة حلب الشرقية المشرفة على طرق الإمداد للأحياء المحررة فيها.

أما بالنسبة للكتلة الأخرى الرئيسية في الجيش (الفرقة 19)، فقد كانت الحجة هي شح مستودعاتها الاحتياطية، خاصة وأن التذخير كان يأتي آنذاك للفرقة فقط داخل صفوف الجيش من قبل غرفة العمليات المشتركة التي أنشأتها "الدول الصديقة" لتذخير فصائل الجيش الحر "موم"، وكان عليها أن توزع ما يأتيها على تشكيلات الجيش الأخرى متحملة عبئاً كبيراً بتزايد الأعداد ونقاط الرباط.

 وبعد ساعات من الأخذ والرد انتهى الاجتماع إلى أن الجيش سيحاول تأمين التذخير للمعركة من الدول الصديقة، وحال توافر التذخير سيتحرك.. لتضيع بذلك فرصة ذهبية لن تتكرر مرة أخرى..

فلم يطل الأمر كثيراً حتى بدأت قوات النظام تحركها وسيطرت على المدينة الصناعية وبدأت التحرك لإطباق الحصار على الأحياء المحررة في مدينة حلب في يوليو \ تموز عام 2014، مستنزفة فصائل الثوار عدداً وعدة في محاولة صدها ومنع حصار المدينة، وذلك بالتزامن مع تمكن تنظيم داعش من حسم معركة دير الزور لصالحه والسيطرة عليها في الشهر نفسه، ليبدأ بعدها مباشرة في أغسطس \ آب اجتياحه شمال حلب ضمن ما عرف بغزوة "الثأر للعفيفات"، ولتجد فصائل الشمال نفسها مجبرة على الحشد لردع التنظيم، وذلك ضمن ما عرف باسم معركة "نهروان الشام"، وليدخل الشمال كله سلسلة من معارك الاستنزاف الثقيلة التي لم تتوقف حتى سقوط مدينة حلب أواخر العام 2016.