خلافات رفاق الأمس في العراق!

2022.02.28 | 05:51 دمشق

ira_1.jpg
+A
حجم الخط
-A

يشير الواقع السياسي العراقي بعد العام 2003 أن مجمل التكتلات السياسية بنيت أو تشكلت بموجب قواعد تستند إلى الطائفية الدينية، وتتعكز على القومية، وبعضها يستند إلى العلمانية والمدنية والديمقراطية، وكل ذلك من أجل الوصول إلى سدة الحكم!

والكتل المذهبية الدينية هي الكيانات الأبرز التي حاولت، وما تزال، الركون على الجانب المذهبي والعقائدي لبقائها في الحكم، وربطوا وجودهم بهذا الجانب العقائدي المذهبي الضيق، ولم يتعاملوا بالفكر الجامع رغم استحواذهم على السلطة التنفيذية التي يفترض أن تكون لكل العراقيين من كل الأعراق والأديان والمذاهب والكيانات.

والسبب الأكبر لهذا التخندق المذهبي أن غالبية القوى التي جاءت مع المحتل الأميركي في غالبيتها العظمى هي قوى دينية، ومنظمة على شكل أحزاب وكيانات مدنية وعسكرية، وتدعي أنها تمثل المكون الأكثر عددا لهذا حاولت الاستمرار بهذا الشكل حتى بعد تنظيم أول انتخابات برلمانية في العراق في العام 2005 لتحقيق أهدافها الحزبية والشخصية.

تعرض التحالف الوطني للعديد من الأزمات الداخلية رغم كل المحاولات الهادفة لظهوره بصورة متماسكة إلا أن الخلل كان واضحا في مجمل تركيبته

والتحالف الوطني العراقي هو كيان سياسي قائم على المصالح السياسية وإن ألبس ثوبا مذهبيا دينيا، وكان يضم الغالبية العظمى من القوى القريبة والصديقة من إيران، والمشاركة بدرجات وثقل متفاوت في العملية السياسية، ويقال بأن أول من دعا لترتيب التحالف هو زعيم الائتلاف العراقي الموحد أحمد الجلبي في منتصف العام 2004، والغاية منه توحيد وترتيب الجهود السياسية لتلك القوى الدينية وغير الدينية للمشاركة في العملية السياسية، ويكون القرار جماعيا بين تلك القوى!

وفعلا شاركت هذه القوى بصورة موحدة في الانتخابات البرلمانية في بداية العام 2005، وقد حصل حزب الدعوة الإسلامية على رئاسة الوزراء.

وقد تعرض التحالف الوطني للعديد من الأزمات الداخلية رغم كل المحاولات الهادفة لظهوره بصورة متماسكة إلا أن الخلل كان واضحا في مجمل تركيبته، ومع ذلك لم تظهر تلك الخلافات بشكل بارز في المراحل الأولى من التغيير المعقد في العراق ويبدو أن الأقوياء المسيطرين على القرار، والمال السياسي المباح جعلوا الفرقاء يظهرون بمظهر المتكاتف المتلاحم!

ومع ذلك بدأت ملامح الضعف والعجز تظهر على أركان التحالف الوطني، وسبق أن كتبت مقالا في 3/10/2016 بصحيفة الغد الأردني تحت عنوان " محاولات لإنقاذ التحالف الوطني، ذكرت فيه " منذ بداية شهر أيلول (سبتمبر) (2016)، نتابع التطورات السياسية داخل صفوف التحالف الوطني، الذي يبدو أنه عازم على إعادة ترتيب أوراقه بعد أن بعثرتها الإدارة السيئة للبلاد، والتناحر الحزبي بين غالبية أطرافه؛ لإنقاذ كيانه قبل فوات الأوان.

وأول هذه التطورات كان تغيير دفة القيادة؛ إذ انتخب قادة التحالف الوطني، بالإجماع، عمار الحكيم زعيماً للتحالف، خلفاً للرئيس السابق ووزير الخارجية الحالي إبراهيم الجعفري.

‫والتحالف الوطني قوة سياسية لها ثقلها البرلماني، ويضم العديد من الكتل البارزة، منها: "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي (105 مقاعد)، و"التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر (34 مقعداً)، و"المجلس الأعلى الإسلامي" بزعامة عمار الحكيم (29 مقعداً)، وغيرها من القوى. ويشكل التحالف الوطني غالبية أعضاء البرلمان، بواقع 180 مقعداً من مجموع 328 مقعداً".

وبعد مرور أربع سنوات تقريبا برزت الخلافات بين تلك القوى ذات اللون المذهبي المتناسق إلى السطح وبالذات بعد مظاهرات تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وما تلاها من اتهامات متبادلة بين تلك القوى وخصوصا بأن الغالبية العظمى من ضحايا القتل والإصابات في المظاهرات هم من شباب جنوبي العراق!

ولكن يبدو أن الحالة اليوم بعد انتخابات تشرين الأول/ أكتوبر 2021 تعقدت أكثر، وجميع محاولات التغطية على التناحر لم تعد مجزية لتغطية الخلافات القائمة الآن بين مكونات التحالف الوطني!

وأبرز الخلافات ظهرت بالذات بين التيار الصدري، والإطار التنسيقي برئاسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، والإطار كيان سياسي تشكل قبل عدة أشهر من مرحلة الانتخابات البرلمانية الأخيرة في أكتوبر 2021، ويضم الإطار بالإضافة إلى المالكي، منظمة بدر، بقيادة هادي العامري، وعصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، وبقية قوى التحالف الوطني السابق الفائزة والخاسرة في الانتخابات الأخيرة.

وجوهر الخلافات بين قوى التحالف الوطني اليوم تقوم في المحافل السياسية والعسكرية (الميليشياوية) والقانونية!

ففي الجانب السياسي يتمثل الخلاف في شكل الحكومة العراقية، حيث إن التيار الصدري يريد حكومة أغلبية وطنية فيما يرد الإطار التنسيقي حكومة توافقية بعيدا عن استحقاقات القوى الفائزة في الانتخابات الأخيرة.

وبرزت الخلافات العسكرية (الميليشياوية) في التهديدات للحكومة وهيبة الدولة من جهة والاغتيالات من جهة أخرى بين القوى المالكة للسلاح والرجال، وظهرت بشكل علني بداية شباط/ فبراير الحالي في محافظة ميسان الجنوبية وقد تمثلت باغتيالات متبادلة بين التيار الصدري وعصائب أهل الحق والتي كانت في يوم ما جزءاً من جيش المهدي التابع للصدر!

وحاول الفريقان، الصدري والعصائب، احتواء المواقف، وشكلا لجنة مشتركة اتفقت يوم 11/2/2022 على تهدئة التوتر الأمني وتم الاتفاق على إدانة واستنكار جميع أعمال القتل في محافظة ميسان، والاتفاق على" دعم ومساندة القضاء والأجهزة الأمنية من أجل أخذ الدور في فرض القانون والحد من الجريمة"!

أما الخلافات القانونية فقد استخدم الإطار التنسيقي نفوذه في المحكمة الاتحادية لتمزيق التحالف الصدري – الكردي – تحالف السيادة (بزعامة خميس الخنجر وعضوية رئيس البرلمان محمد الحلبوسي).

وفي الملف ذاته قررت المحكمة الاتحادية يوم 23/2/2022 تأجيل البت بدعوى إعادة فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية إلى الأول من مطلع الشهر المقبل!

هذه الخلافات أكدت وجود انفصام جوهري بين القوى التي كانت في يوم ما تقول بأنها موحدة، وكل المعطيات تؤكد انتهاء شهر العسل بين قوى التحالف الوطني الكبرى

وهذا يعني تخدير مجمل العملية السياسية، بتنسيق من الإطار التنسيقي، لحين عمل الإطار لتنسيق جهوده لضم أكبر عدد ممكن من النواب المستقلين وغيرهم في صفوفه لتقوية موقفه في مواجهة التيار الصدري داخل البرلمان وخارجه!

هذه الخلافات أكدت وجود انفصام جوهري بين القوى التي كانت في يوم ما تقول بأنها موحدة، وكل المعطيات تؤكد انتهاء شهر العسل بين قوى التحالف الوطني الكبرى، وربما سنكون أمام مرحلة الاتهامات المتبادلة القائمة على الأدلة الثبوتية من جميع الأطراف ضد بعضها البعض!

وفي ضوء جميع ما تقدم، تبقى هنالك جملة من التساؤلات، منها:

- هل سينجح الإطار التنسيقي في ضرب التيار الصدري عبر نفوذه القانوني والمؤسساتي؟

- وهل سيبقى الإطار متماسكا أمام الإصرار الصدري بضرورة استبعاد المالكي من الحكومة المقبلة في حال التحالف بينهما؟

- وهل سيقدمون مصلحة العراق على مصلحة المذهب ويتفقون على تشكيل حكومة وحدة وطنية بعيدة عن الأطر الطائفية؟

- وهل التحالف الوطني اليوم يتمثل بالإطار التنسيقي والصدر شذّ عنه أم أن العكس هو الصحيح؟

- ثم هل الإطار التنسيقي هو تجمع مرحلي أم سيكون بديلا عن التحالف الوطني السابق؟

- وهل خلافات رفاق الأمس ستعتمد على النغمة الطائفية أم ستقفز على هذه الآفة القاتلة سياسيا ومجتمعياً، وتكون النغمة وطنية جامعة؟

- ثم هل حققت المؤسسات الدينية أحلام وطموحات المواطنين الذين ينتمون لطائفتهم قبل تحقيق آمال وطموحات عموم العراقيين؟

خلاصة القول إن هذه الخلافات جعلت العراق على كف عفريت، ولا أحد يمكنه التكهن بالمآلات المظلمة المتوقعة والمرتقبة لتلك الخلافات السياسية والتناحرات الميليشياوية - الميليشياوية ليس فقط على مستوى العراق وحسب بل على مستوى المنطقة والعالم!