"خطوة مقابل خطوة" في سوريا.. العدمية البراغماتية للمعارضة

2022.03.17 | 04:53 دمشق

thumbs_b_c_0e9f7e8cbaf97f157da381d2784a1cff.jpg
+A
حجم الخط
-A

اعتبرت المعارضة السورية مؤخرا أن سياسة "الخطوة مقابل خطوة" التي أعلن عنها المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، تعد منهجية غير محددة تخدم دمشق وحلفاءها، بالانطلاق من أن وظيفة الأمم المتحدة ليست إعادة التفاوض حول القرارات، وإنما تنفيذها.

الاعتبار السابق الذي جاء على لسان رئيس "هيئة التفاوض" المعارضة، أنس العبدة، خلال مقابلة تلفزيونية، وتبعها بيان خاص بذلك للهيئة   ثم بيان مواز لـ"الائتلاف"، يشي باستمرار المعارضة "الرسمية" بدورانها في فلك العدمية البراغماتية، والواقعية السياسية الغائبة عن تحركات المعارضة طيلة السنوات الماضية.

طرح بعض الفلاسفة، لحل مشكلات الإنسان المُعقّدة، فكرة العدمية البراغماتية؛ رغبة في تحريره من عناء التفكير والركض وراء إيجاد غاية معقولة أو معنى منطقي لوجوده. وكذلك طبقت المعارضة السورية هذا المفهوم، فهي لم تستطع أن تقدم طرحا عمليا يتخطى الدور السياسي لدمشق، فوقعت المعارضة في فخاخ عديدة لم يكن أولها الانضمام إلى مسار "أستانا" (2017) بعد جولات أولى فاشلة في جنيف ومن ثم جولات أكثر فشلاً في مسار اللجنة الدستورية التي خرجت من رحم مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي الروسية برعاية من بوتين.
اعتبرت المعارضة في وقت سابق أن رفض الحوار والتفاوض مع دمشق من المسلمات، قبل أن تتصدر شخصيات في المعارضة "الرسمية" مؤتمر الرياض 1 ومن ثم الرياض 2 لتشكيل وتجديد البيعة لاستمرار عمل "هيئة التفاوض" والتي كان وجودها ضرباً من الخيال كجسم تفاوضي مع دمشق ولو عبر وسيط دولي قبل سنوات خلت.
إذاً فالرفض الذي كان حاضراً في مراحل مختلفة من قبل المعارضة بات يمكن اعتباره دليلا على انعدام الأدوات السياسية وغياب الرؤية الناضجة لعمل من تصدر المشهد السياسي السوري دون دراية وإدراك، فيصح على معظمهم القول المتناقل مؤخرا من قبل وزير الخارجية ورئيس الوزراء القطري السابق، حمد بن جبر بن جاسم آل ثاني، إن وجودهم كان للمنفعة الشخصية "البزنس"، في حين لم يصدر أي بيان رسمي أو شخصي من قبل تلك الجهات/الشخصيات للتعليق على ما صرح به رئيس الوزراء القطري السابق.

لم تسلك المعارضة السورية "الرسمية" أي مسار تتفوق به على ذاتها وعلى الظروف المستجدة في فترات مختلفة سابقة، فكانت تنتهج مبدأ رد الفعل والانجرار إلى الفخاخ التي كانت تجهزها موسكو وطهران وتتقاسم تنفيذها في أحياء دمشق. في المقابل ابتعدت المعارضة عن البراغماتية والعملية في أي من برامجها السياسية لكل ما يستجد، واكتفت في أحيان عديدة برفض من يقدم برامج عملية تهدف إلى حصر الروس بشكل رئيسي في زاوية حرجة. بقيت كذلك حتى انقلب الحال بفعل المتغيرات العسكرية على الأرض السورية وكذلك الظروف الدولية المتبدلة والتي أخذت في منحاها شيئا فشيئا تقف مع مصلحة موسكو التي تسلمت الملف السوري بشكل علني منذ نهاية عام الـ 2015.

ابتعدت المعارضة عن البراغماتية والعملية في أي من برامجها السياسية لكل ما يستجد، واكتفت في أحيان عديدة برفض من يقدم برامج عملية تهدف إلى حصر الروس بشكل رئيسي في زاوية حرجة

"بضع خطوات قليلة" فقط كانت حراك وفد المعارضة "الرسمية" في مطار مدينة سوتشي (مكان انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، أو مؤتمر سوتشي الذي رعته روسيا مطلع عام 2018) ، قبل أن يعود أدراجه إلى تركيا، ولينضم لاحقا إلى المخرج الأبرز من المؤتمر الذي رفضه الوفد ذاته ألا وهو اللجنة الدستورية.

المثير للاستغراب في ذلك الوقت والذي يكشف بشكل من الأشكال آلية العمل التي انتهجتها المعارضة، أنها منذ مطلع عام 2017 تتمترس وتتحرك وفق بوصلة الدول الداعمة لها حتى أكدت عدم وجود شخصية لها وفاعلية بالحجم الذي صدّرت نفسها من خلاله وعبر دعم تلك الدول منذ نحو عشر سنوات.

تراجع حضور المعارضة السورية خطوات كثيرة، في مناسبات عدة، مثّل وجودها في مسار "أستانا" (عام 2017) بالوفد ذاته الذي رفض المشاركة في مؤتمر سوتشي، منفصلا عن أدبياتها ووثائقها بل وعما تبقى من حاضنتها الشعبية في الشمال السوري، ومن ثم توالت الانتكاسات في العام التالي بعدما بدأت مناطقها (ظاهريا على الأقل) بالتساقط تواليا دون أي قدرة لها على إثبات أي فاعلية، فخسرت منذ ذلك الحين على الورق وهو الذي لم يبصر النور حتى عمليا بفعل غياب الأدوات الحقيقية.

تعيد المعارضة "الرسمية" الخطأ ذاته مجددا في تعاملها مع واقع المتغيرات وتبدل الظروف الإقليمية والدولية، ناهيكم عن سلسلة الأخطاء وكمية الخلافات والنزاعات بين أطرافها السياسية والعسكرية فيما مضى، فتعتبر الآن أن رفضها للآلية التي أعلن عنها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، "خطوة مقابل خطوة"، سيعطي حوافز مادية أو سياسية أو دبلوماسية لدمشق مقابل تنفيذ بنود إنسانية كان هو المتسبب الأساسي فيها، وفق تعبير بيان صادر عن "هيئة التفاوض".

رفض المعارضة السورية لـ "خطوة مقابل خطوة" يقابله دعم روسي وأميركي للمشروع السياسي الجديد لبيدرسن، ما قد يؤدي بطبيعة الحال إلى نسخة جديدة من الفشل المستمر لعمل مؤسسات المعارضة "الرسمية". بيدرسن كان أشار في تصريحات قريبة إلى استعداد الأميركان والروس للانخراط في مشروعه، فضلا عن حصوله على  دعم صلب من مجلس الأمن الدولي للمضي قُدما في مقاربته بين الأطراف المعنية، لتحديد خطوات تدريجية، ومتبادلة، وواقعية، ومحددة بدقة، وقابلة للتحقق ، تطبق بالتوازي  بين الأطراف المعنية بالأزمة السورية.

قد تكون المراهنة في الفترة المقبلة  على تفعيل آلية "خطوة مقابل خطوة" إن أوجدت صيغة للتهدئة بين موسكو وواشنطن خلال الفترة المقبلة بعد إطفاء الحرائق التي تسبب بها الغزو الروسي لأوكرانيا، لتكون بعدها احتمالية إطلاق مجموعة دولية للحل في سوريا على غرار "المجموعة المصغرة"، ولكن بوجود أميركي روسي مشترك، إلى جانب باقي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.

حتى ذلك الحين قد يكون ليس بالزمن البعيد، على المعارضة السورية أن تراجع تصرفاتها غير المحسوبة والعدمية لئلا تكون خارج حسابات الحل في سوريا، مهما كان الحضور هامشياً بالنسبة لها بعد سلسلة الانتكاسات والأخطاء المتراكمة من قبلها خلال السنوات الماضية.