icon
التغطية الحية

خطباء وعقوبات.. هكذا يحارب النظام التسول في دمشق

2019.06.26 | 17:06 دمشق

الصورة (إنترنت)
تلفزيون سوريا - نور سعيد - دمشق
+A
حجم الخط
-A

في شوارع العاصمة دمشق تتكرر المشاهد لتصبح جزءاً من هوية المكان، لا أتحدث هنا عن رائحة الياسمين ولا عن نهر بردى الذي أصبح شيئا آخر، بل أقصد ضجيج المواصلات وأصوات الباعة وصوت الأذان، شتائم المارة لأي شيء والأحاديث المكررة، أخبار الدماء وأعداد الضحايا، ومئات المتسولين الذين تمرُّ بهم في كل مكانٍ، يلاحقونك بأصواتهم وعباراتهم المعروفة، وجودهم لم يعد ملفتا وكأنهم أصبحوا جزءاً من الأرصفة والشوارع وإضافاتٍ طبيعية للمقاهي والمطاعم، هم جزءٌ من كل مكان.

ينتشر المتسولون على الطريق الممتد من جسر الرئيس مروراً بمنطقة الحلبوني، ومحطة الحجاز ومقهاها الشهير، ومركز هاتف النصر وصولا إلى باب سوق الحميدية حيث ينام العدل في قصره. لا يأبه المتسولون بقوانين مكافحة التسول، ودراسات وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وتهديدات وزارة الداخلية.

 

تخبط تشريعي

اهتمت الوزارات الثلاث بظاهرة التسول في الأعوام الأخيرة وتوافقت على أن الحد من هذه الظاهرة لا يتم إلا بالتعاون فيما بينها، حتى إن وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل في حكومة النظام ريما القادري، صرحت بأنه لا بدّ من إشراك وزارة الأوقاف وخطبائها في محاربة هذه الظاهرة من خلال الوعظ والتحليل والتحريم! وأفادت صحيفة الوطن الموالية الشهر الجاري بأنها رصدت 1700 حالة تسول في دمشق وريفها خلال شهرٍ ونصف (من نيسان 2019 حتى منتصف أيار 2019) ما يقارب نصفهم من الأطفال وذلك من خلال حملة (فيك تساعد) التي أطلقتها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في حكومة النظام بالتعاون مع شركة إحصاءٍ خاصّةٍ وبمساهمة المجتمع الأهلي بحسب الصحيفة.

وإذا كانت هذه الأرقام لا تعبّر بشكلٍ دقيقٍ عن حجم ظاهرة التسول إلا أنها وعلى فرض قربها من الحقيقة تدل على غياب أثر التعديل الأخير للمواد القانونية التي تعاقب على التسول المنصوص عليها في قانون العقوبات، وقد أثارت هذه التعديلات في حينها ضجّةً إعلاميةً على وسائل التواصل الاجتماعي وسجالاً بين مؤيدٍ ومعارضٍ لها.

وإن هذا الإحصاء شبه الرسمي الأخير يشير إلى التخبّط التشريعي المستشري في حكومة النظام، فبدلاً من دراسة الظواهر الاجتماعية السلبية والبحث عن حلولٍ جذريةٍ لها لا زال الاتجاه السائد ينحو باتجاه إصدار قوانين منفصمةٍ عن الواقع وغير قابلةٍ للتطبيق خاصة في ظل منظومة الفساد وغياب أي تنظيمٍ مؤسساتيٍ حقيقيٍ بعيدٍ عن الرشاوى والمحسوبيات.

 

غرامات وإخلاء سبيل

بعد نقاشٍ طويلٍ أجابت أم نبيل بأنها ستسمر بعملها ولو حُكم عليها بالإعدام (هذا باب رزقي ورزق عيالي، شحاذة إي، واللي بيشحذ ما بيخاف لا من الناس ولا من الحبس)

والمتسول (الشحاذ) كما عرفته المادة 596 المعدلة بالقانون رقم 8 لعام 2019 «من كانت له موارد أو كان يستطيع الحصول على موارد بالعمل واستجدى لمنفعته الخاصة الإحسان العام في أي مكان كان صراحةً أو ضمناً»

وقد شُدِّدَت عقوبة التسوّل بموجب التعديل الأخير من الحبس مع التشغيل من شهرٍ إلى ستة أشهرٍ لتصبح الحبس مع التشغيل من شهرين إلى سنةٍ بالإضافة إلى الغرامة من عشرة آلاف ليرة سورية إلى خمسة وعشرين ألف ليرة سورية.

كما أنّ تعديل المادتين 599 و604 من قانون العقوبات السوري قد شدّد عقوبة من يصطحب معه طفلاً دون العاشرة للتسول أو يدفع قاصراً للتسوّل ورفع الغرامة على هذه الأفعال لتصل إلى 100 ألف ليرة سورية، باعتبارها وسيلةً رادعةً، إلا أن (ع. ن) المحامي في محاكم دمشق يقول لـ موقع تلفزيون سوريا «أعرف محامين متعاقدين مع المتسولين والنشالين يقبضون منهم شهرياً مبالغ تصل إلى 50 ألف ليرة سورية عن كل واحدٍ، ويتعهدون بإخلاء سبيلهم إذا ما تم توقيفهم» مما يجعل رفع الغرامات أقرب إلى ميل النظام لرفد خزينته بمبالغ إضافيةٍ أكثر منه عقوبة تحمي المستضعفين.

ترافقت التعديلات الأخيرة لعقوبات التسوّل مع حملةٍ إعلاميةٍ تضليليةٍ، ومنشوراتٍ ودراساتٍ تلتف على الواقع لتبرز الظاهرة وكأنها أزمةٌ أخلاقيةٌ وليست حالة موضوعية لمعاناة الإنسان السوري ونتيجة طبيعية للحرب والدمار والتشريد، فتداولت وسائل التواصل الاجتماعي قصة أب يقوم بتشغيل أبنائه رغم امتلاكه ثروةً هائلةً، وتقارير تفيد بأن دخل المتسول قد يصل إلى 300 ألف ليرة سورية شهرياً، بالإضافة إلى عشرات التقارير عن مشغلي أطفالٍ يقومون باستغلالهم في أعمال التسول مقابل تأمين مأوى لهم، وقد أغفلت هذه الدراسات والتقارير الأسباب التي دفعت آلاف الأطفال إلى الشوارع، وأبعدتهم عن أسرهم ومنازلهم، ووفق أحدث تقارير الأمم المتحدة فإن 83% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، ويقدر عدد النازحين بنحو 6.2 ملايين شخص و أن أكثر من مليوني طفل محرومون من التعليم، هذه الظروف المعاشية هي التي دفعت الآلاف إلى التسول وأتاحت فرصة استغلال المشردين في أعمال التسول.

يقول معن "الذي يعمل باحثا اجتماعيا في دمشق" لـ موقع تلفزيون سوريا «إن الأطفال بحاجة إلى الرعاية والتعليم، ولا يمكن محاسبتهم على أفعالهم، فهم غير مسؤولين قانوناً عن تصرفاتهم، وإنما يجب أن يحاسب من قصر في رعايتهم وحمايتهم، ومن حيث المبدأ من النادر أن تجد طفلاً يجنح باتجاه الجريمة، إذا كان محاطاً بظروف اجتماعية واقتصادية طبيعية، أما من يستغل حاجة الأطفال للمأوى والطعام، فهو مجرم أو مريض، ولا بد من محاسبته، ولكن.... كيف يمكن أن تحاسب هؤلاء في مؤسسات منخورة بالفساد، يرتكب موظفوها علناً ما هو أسوأ من التسول، بقبضهم الرشاوى، وغض الطرف عن المجرمين».