منذ أكثر من خمسة أشهر تزداد معاناة مربي الدواجن في الشمال السوري مع تراكم الخسائر الاقتصادية التي خلفها قرار إغلاق المعابر التجارية مع النظام ومناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" بسبب أزمة فيروس "كورونا"، واستمرار تدهور الليرة السوري، ودخول البضائع المنافسة لمنتجاتهم من الأراضي التركية بأسعار دون الكلفة.
وشهدت الآونة الأخيرة زيادة واضحة في أعداد المداجن المغلقة في ريف حلب الشمالي ومنطقة إدلب، رغم أن هذه المهنة تشكل منذ سنوات مصدر دخل رئيسي لأبناء المنطقة.
خسائر بآلاف الدولارات:
قبل أيام قليلة توقف يامن مصيني مالك مدجنة قرب مدينة بنش في إدلب عن العمل بشكل نهائي، بعد خسارته لمبلغ مالي ضخم وعدم قدرته على دفع الديون التي تراكمت عليه لتجار العلف.
يقول "مصيني" الذي يعمل في هذه المهنة منذ أكثر من خمسة عشر عاما إن أكثر من نصف المداجن في المنطقة أغلقت خلال الأشهر القليلة الماضية في حين ما تبقى منها سيكون مصيره مشابهاً في حال استمرار الوضع على ماهو عليه موضحا في الوقت ذاته :" منذ أشهر طويلة نبيع الدجاج والبيض بسعر دون سعر الكلفة".
وحول الأسباب الرئيسية لهذه الخسائر قال مربي الدواجن في حديثه الخاص لموقع تلفزيون سوريا: "منطقتا إدلب وحلب تحويان مئات المداجن وتعتمد هذه المنطقة على التصدير بسبب فائض الإنتاج الكبير، لكن منذ إغلاق المعابر أصبح السوق متخما بالمعروض، واضطررنا للبيع بأسعار زهيدة خوفا من نفوقها، هذا بالإضافة لمنافسة الفروج التركي المثلج لمنتجاتنا وبيعه بأسعار أقل بكثير من سعر الكلفة الأساسية علينا ".
ويتابع الرجل الخمسيني في حديثه عن الأسباب "جميع المواد التي نحتاجها كالأدوية والعلف ولوازم المداجن نستوردها من الخارج بالدولار الأميركي، تحتاج كل دفعة لقرابة 120 يوما للبدء بعملية التوزيع على الأسواق لذلك كان لانهيار الليرة السورية أيضا دور كبير في إفلاس مئات من مربي المداجن بسبب تغير سعر الصرف، ففي حين نشتري بالدولار فإن البيع بالعملة السورية، شخصيا لدي دين يناهز 50 ألف دولار للتجار وهناك آخرون غيري عليهم أضعاف هذه الأرقام".
وتصل كلفة إنتاج طبق البيض باحتساب سعر العلف وأجور العمال والمواصلات على المربين إلى قرابة 1.3 دولار في حين يباع حاليا في أسواق إدلب وحلب بسعر 1800 ليرة.
ومثل البيض فإن سعر كيلو الفروج الحي تصل كلفته على المربين إلى قرابة 1000 ليرة حاليا في حين أن سعر كيلو الفروج التركي المثلج يباع للمستهلكين في الأسواق بسعر 900 ليرة.
ماهي الآثار؟
لا توجد إحصاءات دقيقة حول عدد المداجن في المنطقة إلا أن المهندس الزراعي إبراهيم شيخاني المقيم في مدينة الباب قدر عددها بقرابة 700 مدجنة في ريف حلب الشمالي فقط.
اقرأ أيضاً.. الفروج ينجو من ولائم العيد بعدما قفزت أسعاره في دمشق
وأشار "شيخاني" في حديثه الخاص لموقع تلفزيون سوريا إلى أن قطاع إنتاج الدواجن بالإضافة للزراعة يعتبران من المهن الأساسية في المنطقة مضيفا أن تبعات إغلاق المداجن بهذا الشكل ستكون له آثار اقتصادية سلبية بشكل كبير على الأهالي.
وأوضخ المهندس الزراعي أن خسائر هذا القطاع لن تطول فقط المربين الذي خسروا وفق تأكيده خلال الأشهر الأربعة الماضية آلاف الدولارات بل تصل آثارها إلى مئات العاملين في تلك المداجن والأسر التي تعيش فيها ومعظمهم مهجرون بالإضافة إلى تضرر التجار الذين يعملون بهذا القطاع وقطاع المواصلات وغيره.
ورأى "شيخاني" أن مسؤولية حماية هذا القطاع ودعمه يقع على عاتق الحكومتين "المؤقتة" و"الإنقاذ" داعيا إلى دعم المنتج المحلي والتوقف عن الاستيراد أو فرض ضرائب على البضائع المستوردة تتناسب ودعم المنتج المحلي.
ماهي الحلول الممكنة؟
من جهته نقل أحمد لابد وهو صاحب مدجنة قرب قرية قاح بإدلب عن مجموعة منسقي عمل مربي الدواجن في إدلب تأكيدهم أن عدد الفرخات في إدلب انخفض من ٣.٧ ملايين فرخة إلى قرابة 500 ألف فرخة فقط خلال الأشهر الثلاث الماضية.
ورأى "لابد" أن هذه الأزمة ستطول حتى لو فتحت المعابر وأعيدت عجلة التصدير إلى مناطق النظام وقسد بسبب استمرار ارتفاع أسعار المواد الأولية العلفية من ذرة وصويا وبريمكس وأدوية بيطرية ولقاحات وذلك بسبب عدم وجود رقابة في الأسعار.
وحول الحلول الممكنة دعا "لابد" إلى إنقاذ ما تبقى من مداجن من خلال دعم هذا القطاع الإنتاجي المهم من قبل الجهات المسؤولة، من خلال تخفيض رسوم المعابر للمواد الأولية، وتسهيل أجور النقل لها، وفرض رقابة تموينية، ومحاسبة سريعة للمستغلين بالأسعار.
كما أكد مربو الدواجن على ضرورة الاعتماد على الذات في هذه المرحلة، وذلك بالاعتماد على زراعة المواد الأولية محليا ودعمها وتقديم التسهيلات لنجاحها، بالإضافة إلى تشكيل لجان متابعة ومراقبة للأسعار سواء البيض أو المواد الأولية، والتوقف عن استيراد منتجات من الخارج متوفرة في المناطق المحلية.