خريف "الأسد"

2018.11.07 | 00:11 دمشق

+A
حجم الخط
-A

شيئاً فشيئاً، يكتشف زاعمو ومروّجو انتصار "الأسد" على الربيع السوري زيف دعواهم، فكسب الأرض لا يعني بالضرورة كسب الحرب، إذ إنّ فصولاً ستُفتح ومنصات إعدام ستُنصب لمجرمي الحرب وطغاة السياسة على حد سواء، وبينما يظن "الأسد" وأزلامه أنهم في طريقهم إلى إعلان النصر، يبوح المشهد بأسرار توافق جديد يرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها. 

فعلى المستوى السياسي، لم يبق لـ "الأسد" ونظامه ما يمكن اللعب عليه وتطويره، حتى غدا خطابهم مكروراً يائساً

لا يجد مندوب النظام، بشار الجعفري، غير لغة الإنشاء المتهالكة والتشبث بـ "إنسانية" جيشه ونظامه

ينتهي به الحال إلى إنكار الآخر واتهامه ومطالبة الآخرين بإنكاره واتهامه، لينفي النظام عن ذلك الآخر صفة الشريك، ما يعني انتفاء الحل السياسي الذي يدعو العالم إليه ويتبنّاه سبيلاً وحيداً لإنهاء الاستعصاء السوري.. وبالتالي فإن نظام الأسد يظهر الآن بمظهر من ينكر العالم!.

هذه المعادلة ظهرت منذ يومين في الاجتماع الذي خصصه مجلس الأمن الدولي لمناقشة الملف الكيماوي السوري، فبينما تملك المعارضة ومن يؤازرها أو يؤازر الحق في الحياة دلائل تنوء بحملها الملفات عن جرائم النظام المروعة، لا يجد مندوب النظام، بشار الجعفري، غير لغة الإنشاء المتهالكة والتشبث بـ "إنسانية" جيشه ونظامه، في مشهد يعكس يأساً نهائياً من إمكانية الصمود في أي محكمة تستند إلى الحقائق والأدلة لا إلى الإنشاء والافتراضات.

حتى سند النظام ومنقذه في مجلس الأمن، روسيا، عجزت هي الأخرى عن توليد أفكار تُخرج النظام من مأزقه، فعمدت إلى تكرار اتهام "الخوذ البيضاء" بتدبير "مسرحيات" الكيماوي، ما استدعى ردة فعل أكثر صرامة من المجتمع الدولي تجاه الادعاءات الروسية، فكلما أوغل الروس والنظام في اتهام "الخوذ البيضاء" كلما تبنّى العالم قضيتهم أكثر وانبرى محامون جدد للدفاع عن نبل مساعيهم وتضحياتهم، ليجد النظام وحليفه الروسي أنفسهم متهمين بلا حجةٍ ولا محامٍ ولا حتى مجاملين.

وفي مشهد آخر، يكشف فيصل المقداد، نائب وزير خارجية النظام، عن خلوّ وفاضه وعجز دبلوماسيته، حينما يستقبل المبعوث الأممي الجديد إلى سوريا، غير بيدرسون، باشتراطات لا تتعلق بجوهر مهمته وحسب، بل تتعداها إلى طلب اعتبار الشريك في العملية السياسية (المعارضة) إرهابياً، ما يضرب العملية من أساسها، وبالتالي يقضي على الخطط الدولية والإقليمية الساعية لإيجاد أو فرض حل

إن الشلل السياسي الذي يعانيه النظام، وفناء الحجج والذرائع لديه، هو نتيجة حتمية للنفس السياسي الطويل الذي جاء بقصد أو من غير قصد

سياسي في أسرع وقت ممكن، ويفضح إفلاس نظام الأسد وفشل خطته التي تبنّاها على لسان وزير خارجيته، وليد المعلم، منذ بدء الحديث عن عملية سياسية سورية، والتي تقوم على "إغراق الشريك والوسيط بالتفاصيل"، تلك التفاصيل التي يبدو أنها نفدت وجفت مصادرها وعقم مبتدعوها!.

إن الشلل السياسي الذي يعانيه النظام، وفناء الحجج والذرائع لديه، هو نتيجة حتمية للنفس السياسي الطويل الذي جاء بقصد أو من غير قصد، وما فَرْضُ باريس مذكرة توقيف بحق مجرمي الحرب "علي مملوك وجميل الحسن وعبد السلام محمود"، مؤخراً، إلا دليل إضافي على أن المحاسبة ستطال الجميع، وأن ثمة آلاف القضايا ستُفتح على امتداد الشتات السوري، ما يجعل العالم - راضياً أو راغماً- يستجيب لدعاوى الحق التي لن يجد سبيلاً لكتمها أو طيّها، كما يبشّر القرار الفرنسي بأن ما أُودع في الأدراج لن يبقى حبيسها إلى الأبد، وأن ساعة الحساب آتية لا ريب فيها.