خرافة مواجهة الخليجيين للنفوذ الإيراني في سوريا

2019.01.15 | 00:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تسارعت خُطا العديد من الأنظمة الخليجية مؤخراً باتجاه التطبيع الكامل مع نظام الأسد انطلاقاً من إعادة تفعيل عمل البعثات الدبلوماسية لهذه الدول في دمشق. تصدّرت الإمارات العربية المتحدة المشهد بالرغم من أنّ تواصلها مع النظام السوري لم ينقطع يوماً منذ اندلاع الثورة السورية لا فوق الطاولة ولا تحتها كما يقال. تبعت البحرين مسار الإمارات مؤخراً، علماً بأنّه من المتعارف عليه أنّ المنامة لا يمكنها إطلاق مبادرات إقليمية من دون ضوء أخضر سعودي. وإذا ما أخذنا ذلك بعين الاعتبار إلى جانب حقيقة أنّ سلطنة عُمان لم تقطع هي الأخرى علاقاتها مع النظام السوري، فهذا يعني أنّ ثلثي دول مجلس التعاون ماضية باتجاه إعادة تشريع نظام الأسد.

تبرر هذه الدول هرولتها باتجاه النظام السوري بدعوى ضرورة مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا. يُؤمن البعض أنّ هذه الخطوة هي خطوة عقلانية قد تساعد بالفعل على الحد من نفوذ نظام الملالي ومن سطوته على النظام السوري وذلك على اعتبار أنّ الأسد سيكون بحاجة إلى خيارات أخرى لتخفيف اعتماده على طهران. لكن أولئك الذي يطرحون مثل هذا التفسير المنطقي، يغفلون طبيعة صناعة القرار في الدول الخليجية أولاً، وتاريخ هذه الأنظمة ثانياً، وكذلك تجاربها السابقة المتعلقة بفصل التحالف القائم بين نظام الولي الفقيه ونظام الأسد.

في هذا السياق، يمكن اختبار دعوى مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا من خلال الإشارة إلى عدّة تناقضات، لعل أهمّها:

أولا: بعيداً عن الموقف من الثورات العربية، فإن قرار مقاطعة نظام الأسد خليجياً جاء على خلفية التحالف القائم

الدول الخليجيّة التي تدّعي أنّ هدفها هو مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا أو الحد منه، لا يتطابق خطابها الإعلامي مع أفعالها الرسمية على الأرض

بينه وبين النظام الإيراني. بعض الدول الخليجية فضّلت ركوب الموجة الشعبية التي أرادت الإطاحة بالأسد عام ٢٠١١ من أجل فك هذا التحالف مع نظام الملالي. فإذا كان قرار المقاطعة قد جاء بناءً على هذا المنطق، فكيف يساعد إعادة العلاقة مع نظام الأسد اليوم على تحقيق نفس الهدف؟! في هذا الطرح تناقض بيّن.

ثانيا: الدول الخليجيّة التي تدّعي أنّ هدفها هو مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا أو الحد منه، لا يتطابق خطابها الإعلامي مع أفعالها الرسمية على الأرض. إذا ما أخذنا الإمارات كمثال -على اعتبار أنّ أبو ظبي الأبرز خطابياً فيما يتعلق بحجّة مواجهة النفوذ الإيراني-، فإننا سنلاحظ عملياً أن الإمارات لا تعتبر طهران الخطر الأكبر أو الأكثر أهميّة مقارنة مثلاً بالخطر المتأتي عن الثورات العربية أو ذلك المتأتي عن صعود ما يسمى بالإسلام السياسي، أو ربما ولادة أنظمة ديمقراطية حقيقية في المنطقة. لذلك، فإن أولوية أبو ظبي خلال السنوات السبع الماضية كانت وما تزال مواجهة الثورات العربية وليس إيران، ولذلك فإن تبرير التقارب القائم مع نظام الأسد من خلال الحديث عن مواجهة النفوذ الإيراني يتناقض مع هذه الحقيقة المذكورة سلفاً.

ثالثا: في العام ٢٠١٧، قاطعت الإمارات ومعها ثلاث دول أخرى هي السعودية والبحرين ومصر دولة قطر، وفرضت عليها حصاراً لا يزال قائما حتى اليوم بحجّة علاقاتها مع إيران. فإذا كانت هذه الدول مستعدة لإعادة علاقاتها الدبلوماسية مع نظاما الأسد بذريعة الحد من النفوذ الإيراني، فلماذا لا تفعل الشيء نفسه وتعيد علاقاتها الدبلوماسية مع قطر وترفع عنها الحصار، أو تبقي القطيعة قائمة مع نظام الأسد وتشدد الحصار عليه؟!

 بالرغم من كل ما قيل، ربما يفترض البعض بأنّ الأسد قد يكون بحاجة فعلاً إلى تحرّك إقليمي يخفف عنه وطأة الحليف الإيراني، لكن ما الذي سيدفعه إلى الركون أو الثقة بأنظمة خليجية تخلّت عنه في أول اختبار بينما هبّ النظام الإيراني للدفاع عنه بكل ما يملك منذ اللحظة الأولى؟ بمعنى آخر، لو تجاهلنا كل التناقضات السابقة الذكر وافترضنا وجود نيّة حقيقة لدى الأنظمة الخليجية لمواجهة النفوذ الإيراني في سوريا، فإن نظام الأسد لن يثق بهم أو بدورهم، وبالتالي لن يضحي بحليفه الإيراني ويستعيض عنه بهم.

هذه المعطيات تقودنا إلى الاستنتاج بأنّ ما يتم التحضير له في سوريا هو مواجهة تركيا بحجّة مواجهة إيران، وذلك انطلاقا

الأسد سيستفيد بالفعل من انفتاح الدول الخليجية عليه لناحية تسريع عملية إعادة الاعتراف به كرئيس شرعي وكذلك الأمر بالنسبة إلى نظامه والانتهاء كلّياً من أية التزامات بالتوصل إلى اتفاقات سياسيّة مع المعارضة

من التصوّرات المتعلقة بأولوية مواجهة الخطر المتأتي عن أنقرة وما تمثّله في المنطقة. لقد سبق للإمارات أن دفعت السعودية إلى فرض حصار على قطر بحجّة علاقاتها مع إيران مفتعلة بذلك أزمةً غير مسبوقة في تاريخ دول مجلس التعاون الخليجي، وها هي تندفع اليوم لحشد مجموعة من الدول الخليجية لتقويض السياسة التركية بذريعة الحد من نفوذ إيران في سوريا.

ما سيحصل هو أنّ الأسد سيستفيد بالفعل من انفتاح الدول الخليجية عليه لناحية تسريع عملية إعادة الاعتراف به كرئيس شرعي وكذلك الأمر بالنسبة إلى نظامه والانتهاء كلّياً من أية التزامات بالتوصل إلى اتفاقات سياسيّة مع المعارضة. الأسد سيستفيد من الانفتاح الخليجي أيضاً في تخفيف العبء المالي المترتب عليه فيما يتعلق بإدارة الدولة وتسيير أمورها وفيما يتعلق بعملية إعادة البناء، ولن نتفاجأ إذا ما دخل نظام الأسد بنفسه إلى اللعبة الخليجية فطالبهم بضخ المزيد من الأموال بحجة مساعدته على تخفيف اعتماده على إيران قبل أن يعود ويبيعهم مرةً أخرى كما حصل مراراً وتكراراً خلال عقود.

المفارقة أنّه بذلك تكون الدول الخليجية قد خففت عن إيران العبء المتعلق بدعم نظام الأسد وخدمت المشروع الإيراني في سوريا مجاناً دون أي مقابل.