خراب لا ينقصه سوى انتصار اقتصادي

2019.09.19 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يهوّل إعلام النظام هذه الأيام في طبيعة الإجراءات التي ستشن في الفترة القادمة ضد الفاسدين ممن أصابهم الثراء، أو تضاعفت ثرواتهم بشكل فاحش خلال السنوات الثمانية الماضية، بعد أن حازوا رخص أعمال السلب والنهب من النظام نفسه! وها هو ينوي الآن أن يضخ بعض الدم في ملامح وجهه الأصفر المقيت أمام السوريين الذين بقوا تحت سيطرته وتحت حكمه الذي أفقرهم واستنزف مواردهم، وحول سوريا إلى واحدة من أفقر وأسوأ بلدان العالم!

وفي السردية التي يتداولها كتبة النظام وطبالوه وزماروه في صحفه ومواقعه الإلكترونية، وصفحات التواصل الاجتماعي، ستستدير أيام القهر اليومي المعتادة ضمن مرحلتها القادمة لتصبح منعطفاً قاسياً مهماً في حياة السوريين، سيختلف كل ما بعده عما قبله، فالتخلص من العصبة المجرمة والفاسدين سيحيل عيشة السوريين إلى رغدٍ كان يعيشونه في سنوات ما قبل "المؤامرة الكونية" التي تعرضت لها قلعة الممانعة! وهكذا يتم تعليق الخراب اليومي الذي يعيشه مؤيدو النظام ولاسيما في الحياة الاقتصادية غلاءً وفقراً، على مشجب رجال الأعمال الذين ظلوا طيلة السنوات الماضية خواتم في أصابع الأسد وحاشيته المقربة!

استباق هذه الحملة العتيدة بالحديث المتداول صحفياً على مستوى العالم عن الخلاف الذي دب بين الأسد وابن خاله رامي مخلوف، يساهم في جعل القصة التي يروج لها مقبولة من جهة كونها ممكنة التنفيذ نظرياً، فمن يطيح بسيطرة آل مخلوف على الاقتصاد (بحسب الزعم الرائج حالياً) لن يكون عاجزاً عن لجم الأصغر منه، من رجال الأعمال الذين كانوا ومازالوا حاشية النظام ورجاله الخلّص!

وفي سياق الحملة المزلزلة الآتية، كان لابد من أن يتم التمهيد لها عبر فتح ملفات الفساد الحكومي؛ وبدلاً من أن ينزل وزير الداخلية الحالي على طريقة سلفه ليحاسب معقب معاملات على مبلغ خمسين ليرة أخذها من دون حق من أحد المراجعين، افتتحت الحكومة بازار الفساد المعشعش بين ظهرانيها بملفين حاميين أولهما في وزارة الاتصالات، وثانيهما في وزارة التربية، وبدلاً من وضع الحقائق

الشيطنة لم تنل من رامي مخلوف في فردوس صحافة النظام، وفي الوقت نفسه لم نلمس حديثاً بطريقة سيئة عن أي من الشخصيات التي يروج أن هيمنتها وسيطرتها الاقتصادية ستنحر بيد زوجة رأس النظام

أمام الجمهور، انطلقت صفحات التواصل الاجتماعي لتتحدث عن قيم مالية غير معتادة بالمقاييس الحكومية فصارت قيمة المال المنهوب في الملفين تناهز 500 مليار ليرة سورية!! وبينما تمت شيطنة كل من صاحبي الملفين بكر بكر المدير السابق للشركة السورية للاتصالات وهزوان الوز وزير التربية السابق أيضاً، سيلاحظ المتابع الفضولي الذي تهمه التفاصيل أن الشيطنة لم تنل من رامي مخلوف في فردوس صحافة النظام، وفي الوقت نفسه لم نلمس حديثاً بطريقة سيئة عن أي من الشخصيات التي يروج أن هيمنتها وسيطرتها الاقتصادية ستنحر بيد زوجة رأس النظام، التي انتصرت على السرطان، كما انتصر زوجها على المؤامرة الكونية، وبات عليها أن تسجل عليه نقطة إضافية عبر انتصارها على الفاسدين!

المشكلة التي يواجهها إعلام النظام أن الجمهور الذي يتوجه إليه لا يصدقه، وهو مضطر في كل مرة لأن ينحت سردياته التهويلية نحتاً، ولكنه ما إن ينفخ في القصة حتى تتالى الدبابيس التي تفرغها من الهواء، فمثلما تم "استنحار" رئيس الوزراء الأسبق محمود الزعبي بسبب ملف فساده الكبير في نهايات حكم الأسد الأب، ومعه رهط من الوزراء الذين تم سجنهم لمدد متفاوتة، يتوقع الجمهور الذي اعتاد

يظن البعض ممن يخططون لإخراج مسرحيات النظام إعلامياً أن ذاكرة الجمهور قصيرة، وأنه يمكن تسويق مثل هذه الحبكات بيسر

صور المنحوتات الإعلامية الساذجة كما اعتاد كذب نظام آل الأسد، أن يتوقف قطيع الثيران عند الحدود المرسومة له، وأن تكون مليارات الفيس بوك (والتي استغربها رئيس حكومة النظام الحالي نفسه) هي سقف الحكاية، بعد أن تم الترويج في اليومين الماضيين عن وجود سيناريو (كارلتون سوري) على غرار سياسة محمد بن سلمان وحملته ضد الفاسدين، يقدم فيه رجال الأعمال -الذين يحكى أنهم سيحاسبون بشدة- الأموال المطلوبة منهم لملء خزينة الدولة المفلسة!!

يظن البعض ممن يخططون لإخراج مسرحيات النظام إعلامياً أن ذاكرة الجمهور قصيرة، وأنه يمكن تسويق مثل هذه الحبكات بيسر، ولكن ما فات هؤلاء يفشلهم، فهم يعانون من مرض مستدام هو الإنكار، يوهمهم بأن حدود العالم تبدأ وتنتهي عند ما يعرفون ويدركون، فسوريا بالنسبة لهم ما زالت بخير ويحكمها نظام انتصر على خصومه، في معركة أعلن وزير الخارجية الروسي انتهاءها قبل عدة أيام! ولكن سوريا الحقيقية اليوم ليست سوى تفاحة نخرها الدود، ولم يبق فيها سوى اللب الذي يحمل بذورها، وربما إن ظل حال السوريين هكذا، لن يبقي الأسد وحاشيته من البلد سوى فتات من كل شيء متروكٍ كالعصف المأكول!