خارطتا طريق.. فهل من ثالثة؟

2019.11.14 | 16:49 دمشق

2019-10-31t122901z_88327029_rc1a65b32000_rtrmadp_3_syria-security-un.jpg
+A
حجم الخط
-A

ليس من المفاجئ والغريب، أن يصف المبعوث الدولي ( غير بيدرسن) اجتماعات اللجنة الدستورية بـ ( الخطوة المفصلية والمهمة) في مسار العملية السياسية في سوريا، ذلك أن الإشادة بدور الأمم المتحدة قد تبدو واجباً مهنياً لموظفيها أو مبعوثيها، فضلاً عن كونها نوعاً من التحفيز للأطراف المتفاوضة، على الاستمرار في التفاوض من جهة، وكذلك لإشعارهم بأهمية منجزهم من جهة أخرى. ولم يكن السلف السابق للسيد بيدرسن، وأعني ( ستيفان ديمستورا) بأقل منه نشاطاً دعائياً للمسعى الاممي حيال ما يجري في سوريا، إذ سبق له أن أعلن يوم ( 23 – شباط – فبراير عام 2017 ) أن ثمة مفصلاً جديداً ومهماً قد بدأ في مسار جنيف، وهو يعني بذلك قبول وفد المعارضة في جنيف بفكرة ( السلال الأربع ) التي اقترحها ديمستورا نفسه، ( هيئة الحكم الانتقالي – الدستور – الانتخابات – ثم – الإرهاب – بناء على رغبة الوفد الذي يمثل نظام الأسد). وقد كان لكلٍّ من ديمستورا، ووفد المعارضة، مبرراته لعملية تجزيء قرار جنيف 1 لعام 2012 ، وكذلك للقرار 2118 ، إلّا أن كليهما كان يؤكّد على أن فكرة ( السلال الأربع) هي بمثابة خارطة طريق لتنفيذ القرارات الأممية، وليس التفافاً عليها، أو تجاوزاً لها، إلّا أن حماس السيد ديمستورا وإشادته بخارطة الطريق تلك، قد آلتْ إلى نقيضها حين انتهت مهمة ديمستورا كمبعوث دولي، وأراد أن يشفع تلك النهاية ببعْدٍ أخلاقي حين عزا استقالته بعدم رغبته بمصافحة رأس النظام بشار الأسد، وما من شك، في أن رغائبية ديمستورا هذه، هي شرف يدّعيه، ولكن لا يحوزه.

ما الذي لم يفرّط به – بعدُ – مفاوضو المعارضة؟ وما هو الخير المُضمر الذي يعدون به الشعب السوري؟

بعد انطلاق مسار أستانا في مطلع العام 2017 ، بات القرار 2254 لعام 2015 هو المرجعية لعملية التفاوض بعد انشطارها إلى مسارين ،مسار أستانا الذي تشارك فيه شخصيات من الفصائل العسكرية، إلى جانب شخصيات مدنية من الائتلاف وسواه، ومسار جنيف الذي تتولى زمامه هيئة التفاوض بكافة منصاتها، خلال ما يقارب العام من الزمن، شهد المساران ( أستانا وجنيف) حالة من الحساسية غير المباشرة بينهما ، تمثّلت بادعاء كلّ منهما شرعيةَ التفاوض، وبالتالي التمثيل الحقيقي للسوريين، وكذلك تجسّدت بحرص عدد من أعضاء الائتلاف على المشاركة في لقاءات أستانا، على الرغم من تأكيد الائتلاف الدائم على أولوية وأحقية مرجعية جنيف، وربما تعود أسباب الحضور المزدوج في جنيف وأستانا إلى بواعث لها علاقة بولاءات إقليمية أحياناً، وكذلك إلى دواعٍ شخصية تنمّ عن رغبة في إيجاد موطئ قدم في أي مكان يلبي حاجة نفعية.

يمكن القول: إن تاريخ ( 30 كانون الثاني – 2018 ) شهد انعطافة مهمة من حيث الإخراج الجديد لمسعى المسارين معاً، وأعني بذلك لقاء سوتشي الأول الذي دعا فيه الروس أعداداً كبيرة ممن يمثلون النظام والمعارضة معاً، وطرحت حكومة بوتين – حينها – فكرة صياغة دستور جديد لـ سوريا، بالتوافق بين جميع الأطراف، ولعلّ هذا الطرح الروسي قد عزّز رغبة ديمستورا – آنذاك – بالدفع نحو العمل على سلّة الدستور، من بين السلال الأربع، وفي الوقت الذي كانت تشير جميع المعطيات الميدانية والسياسية، وكذلك المواقف الدولية والإقليمية، إلى اختزال القضية السورية بمسألة كتابة دستور جديد فقط، وتجاوز جوهر العملية السياسية ( إنشاء هيئة حكم انتقالي) وفقاً لمرجعية جنيف، و ( حكم غير طائفي ذي مصداقية) وفقاً للقرار 2254 ، إلّا أن حديث وفود المعارضة السورية كان نافياً ذلك على الدوام، مؤكداً في الوقت ذاته، على أن الموافقة على الشروع في سلّة الدستور، ما هي سوى خطوة إجرائية ضمن خارطة طريق تنفيذ القرارات الدولية.

ولئن انتهت خارطة الطريق الأولى بتكريس مخرجات سوتشي كأساس للتفاوض، وهو الأمر الذي يحاول فرضه الروس، ولا يقبل بسواه نظام الأسد، فهل ستكون المرحلة التالية  بحاجة إلى خارطة طريق ثانية، تتضمن خطوات إجرائية موازية للمرحلة المقبلة؟

لقد أنهت اللجنة الدستورية لقاءها الأول الذي انعقد في الثلاثين من شهر تشرين أول – أكتوبر – الماضي، وفيما تستعد اللجنة المصغرة ( 45 شخصاً يمثلون التيارات الثلاثة في اللجنة) المنبثقة من الهيئة العامة للاجتماع في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، فإن جملةً من التساؤلات المشوبة بالقلق بدأت تظهر لدى السوريين من أنصار الثورة، عمّا ستسفر عنه أعمال تلك اللجنة، وما هي المآلات المرتقبة لعملها؟ لعلّ الإرهاصات الدالّة على العديد من تلك التساؤلات بدأت تتوضّح، ليس من خلال تصريح رسمي للرئيس المشترك للجنة المصغرة  السيد هادي البحرة، وليس – كذلك – من خلال الإنشائيات الخطابية لأعضاء اللجنة، بل من خلال حديث إعلامي صريح لرئيس هيئة التفاوض السيد نصر الحريري، ليلة العاشر من الشهر الجاري، على قناة تلفزيون سوريا، إذ يمكن الوقوف عند ثلاث نقاط مما أكد عليه السيد الحريري:

أولاً – لا يوجد ضامن حقيقي وفعلي لأي نتائج أو مخرجات للجنة الدستورية، وكذلك لا ضامن حقيقياً للعودة إلى العمل على تنفيذ البند الذي يتضمن إنشاء هيئة حكم انتقالي موازاةً مع العمل على البنود الأخرى، وكل ما ورد من مواقف إيجابية بهذا الصدد، لا يتجاوز مستوى الوعود الشفهية، سواء من المسؤولين الأمميين أو من سواهم.

لا شكّ أن معالم مأساة السوريين، لا تحمل درجة موحدة للوجع، ولا شكّ أيضاً أن ما يوجع عموم السوريين، لا يوجع بالدرجة ذاتها من يدّعي تمثيلهم

ثانياً – ليس ثمة إرادة دولية للضغط على نظام الأسد من أجل الإفراج عن المعتقلين السوريين في السجون، وعلى الرغم من جميع الجهود المبذولة من جانب هيئة التفاوض – وفقاً للحريري – واصطدامها بعدم الاستجابة، فإننا نعتقد أن قضية المعتقلين مرهونة بإيجاد حل سياسي شامل. ما هو واضح من الكلام السابق، هو أنه لن تكون قضية المعتقلين عائقاً أمام استمرارية عمل لجنة الدستور، بل يمكن تجاوز هذه القضية في سبيل ما هو أهم منها.

ثالثاً – لا قدرة لأحد – دولياً أو إقليمياً – على ردع العدوان اليومي الروسي الأسدي، على المدنيين السوريين، وما يجري من قصف مستمر على أرياف أدلب وبقية البلدات والمدن السورية، موازاة مع عمل اللجنة الدستورية بات أمراً واقعاً، ما يؤكّد أنّ استمرار العدوان لن يكون عائقاً أمام عملية التفاوض ( الدستوري).

لعلّ الصراحة الواضحة في كلام السيد الحريري، أو (واقعيته السياسية) تبدو شديدة التلازم مع العبارات التي تؤكد على الالتزام بثوابت الثورة، وعدم التفريط بأيٍّ من حقوق السوريين.

لا شكّ أن معالم مأساة السوريين، لا تحمل درجة موحدة للوجع، ولا شكّ أيضاً أن ما يوجع عموم السوريين، لا يوجع بالدرجة ذاتها من يدّعي تمثيلهم، فإذا كانت فجائع السوريين بمئات الآلاف من المعتقلين الذين يموتون مئات المرات كل يوم داخل مسالخ الأسد ما تزال مستمرة، وإذا كان الموت الذي تحمله الطائرات الروسية مازال ينهمر فوق رؤوس المدنيين يومياً، وإذا كانت العملية التفاوضية برمتها تمضي في مسار مجهول، ولا ضامن فعلياً لمخرجاتها، فما الذي يأمله السوريون بعدُ؟ وما الذي ينتظرونه في موازاة الموت اليومي والتشرّد والنزوح؟ وما الذي يخشى عليه السوريون – حيال ما يجري – إن ذهبت العملية التفاوضية إلى الجحيم؟ ثم ما الذي لم يفرّط به – بعدُ – مفاوضو المعارضة؟ وما هو الخير المُضمر الذي يعدون به الشعب السوري؟ هل دستور يحقن دماء السوريين، أم صياغة دستور يُستثمر كغطاء لاستمرار القتل والإجرام؟ وبالتالي هل نحن أمام نوع آخر لخطاب ممانع، أم أمام (خارطة طريق خاصة بتنفيذ القرار 2254 ) بحسب تعبير السيد نصر الحريري؟.