icon
التغطية الحية

حيتان الأسد.. وجوه الفساد الاقتصادي في سوريا (1)

2021.02.05 | 08:57 دمشق

hytan_alhmar.jpg
إسطنبول - طارق صبح
+A
حجم الخط
-A

شهدت سوريا بعد نهاية الانتداب الفرنسي في الأربعينيات انفراجة ملحوظة في الفضاء الاقتصادي السوري، ظهرت في شكل واضح من البرجوازية الاقتصادية في المدن الرئيسية، دمشق وحلب وحماة وحمص، فضلاً عن وعي سياسي تمثّل في تعددية أثرت في مختلف الطبقات الاجتماعية.

وعلى الرغم من بدائية هذا الانفراج الاقتصادي - السياسي وبساطته، فإنه ومع مرور السنين، تطوّر ورسم شكل الحياة في سوريا، حيث امتلكت البرجوازية السورية السلطة السياسية، فحاول بعض رجالاتها المحافظة على امتيازاته الخاصة، في حين دافع جزء آخر عن العدالة الاجتماعية والديمقراطية البرلمانية.

إلا أن هذا المناخ تحطّم في أيام الوحدة مع مصر، عبر "التأميم الناصري"، الذي استولى على معظم ثروات وأملاك رجال الأعمال وطبقة البرجوازية السورية التي نمت عقب الاستقلال.

مع وصول "البعث" إلى السلطة، ثم استيلاء حافظ الأسد عليها في العام 1971، عمل على خلق طبقة جديدة تتمتع بالنفوذ والمال في مقابل الولاء للنظام الجديد، وعلى الرغم من شعارات "الاشتراكية" كان لهذه الطبقة حقوق في السرقة والمنفعة غير المشروعة من خيرات البلد، وفق قواعد وضعها نظام الأسد الأب تضمن تمكين أعمدة حكمه، بالإضافة إلى سيطرته على هذه الطبقة.

واستطاع حافظ الأسد في شراكته مع رجال المال أن يكون الطرف الأقوى والمتحكم بخيوط اللعبة الاقتصادية ومفاصلها الرئيسية في القطاعين العام والخاص، وتسخيرها في خدمة استمرار نظامه، فضلاً عن خلق حالة من التوازن عبر منح بعض الامتيازات للنخبة الاقتصادية مقابل الولاء، خاصة بعد أحداث الثمانينيات التي أبرزت الحاجة إلى هذا التوازن.

عقب وفاة الأسد الأب، كان يُخيل للمراقبين أن وريثه يسعى لتحرير الاقتصاد السوري من سطوة النظام، والإيهام بخلق مناخ صحي للاستثمار الاقتصادي والمنافسة الشريفة بين رجال الأعمال، إلا أن ما تبيّن لاحقاً أكد أن بشار الأسد أنشأ منظومة اقتصادية هجينة، عمادها الرشوة والفساد وتقاطع المصالح بشكل علني ومتساوٍ، على خلاف ما دأب حافظ الأسد على تكريسه من سطوة للنظام في معادلة السلطة والاقتصاد.

وتجلّت هذه المنظومة بشكل واضح في العام 2007 عند إنشاء شركة "الشام القابضة"، التي أسسها مجموعة من رجال الأعمال، بقيادة ممثل وابن خال رئيس النظام رامي مخلوف، بهدف السيطرة على كل ما يمكن استثماره في سوريا في كل المجالات، بما في ذلك القطاع العام.

بعد اندلاع الثورة السورية، ازدادت حاجة نظام الأسد إلى المال لتغطية نفقات جنوده وآلياته وأسلحته، فجاء دور رجال الأعمال للتسديد مقابل الثمار التي قطفوها خلال سنوات الرخاء التي سبقت الثورة، عبر تمويل جيشه والميليشيات التي تقاتل إلى جانبه، فعقد اتفاقيات مع من سانده منهم، وأجبر بعضهم على دفع الملايين، واستولى على أملاك وثروات آخرين، في حين ظهرت فئة من أثرياء الحرب الجدد، سرقوا البلاد وتقاسموها علناً مع نظام الأسد.

في هذا الملف نستعرض بعضاً من أبرز رجال الأعمال وأثرياء الحرب السوريين، الذين ساندوا نظام الأسد ودعموا اقتصاده وموّلوا حربه على السوريين، وفي الوقت نفسه راكموا ثرواتهم عبر "تحويل فظائع الصراع السوري إلى أرباح"، وفق تعبير وزارة الخزانة الأميركية، التي وضعت معظمهم على قائمتها السوداء للعقوبات.

 

متعهدو "الفرقة الرابعة"

عقب مقتل أخيه باسل وسطوع نجمه كقائد عسكري لـ "الفرقة الرابعة"، أسس ماهر الأسد ما أطلق عليه "الشعبة الأمنية" كأحد مكاتب الفرقة، وكان من بين مهامها تغطية وإدارة الأنشطة الاقتصادية الخاصة به، ومن أبرزها التحكم بطرق التهريب وتجارة الآثار خلال عشر سنوات لاحقة، فضلاً عن دورها في توظيف أشخاص موالين لها في مفاصل رئيسية في مؤسسات الدولة لخدمة أعمالها، مثل الموانئ والجمارك والمطارات.

مع اندلاع الثورة السورية، نما دور "الشعبة الأمنية" وتوسّعت صلاحياتها وانتشارها الجغرافي، وأصبحت لاعباً مؤثراً في اقتصاد الحرب، وشكّلت حلقة وصل بين ماهر الأسد وبين مجموعة من رجال الأعمال الذين يديرون أعماله التجارية، توظّف أرباحها فيما سمي "دعم المجهود الحربي"، ودفع رواتب العناصر والمتطوعين، ونفقات ميليشيات متعاونة مع جيش النظام في مختلف المحافظات، بالإضافة إلى القيام بمبادرات مجتمعية لدعم النظام.

وبحسب تقرير لـ "برنامج مسارات الشرق الأوسط"، استطاعت "الفرقة الرابعة" خلال سنوات الحرب السورية توسيع شبكتها الاقتصادية وجمع أموال طائلة عبر أنشطة "اقتصاد الحرب" التي قامت بها بالتعاون مع وسطاء محليين أطلق عليهم لقب "متعهدين"، من خلال عدد من الأنشطة، منها خدمات الحراسة والحماية المأجورة لشاحنات النقل التجاري، وإتاوات مرور البضائع والأفراد بين المناطق السورية عبر الحواجز الرسمية وغير الرسمية.

إلا أن النشاط الأبرز كان تجارة الحديد والخردة ونهب الممتلكات (التعفيش) في المناطق الثائرة التي يستعيد النظام السيطرة عليها، وكان هذا النشاط مهماً جداً إلى درجة أن "الشعبة الأمنية" أطلق عليها لقب "شعبة أمن المعادن"، لحرصها على استثمار مناجم المعادن والخردة من المدن والأحياء التي دمّرها نظام الأسد.

 

محمد صابر حمشو.. ملك الخردة

وفق أحد عناصر "الفرقة الرابعة"، فإن أي منطقة يستعيد النظام السيطرة عليها تدخلها مجموعات السرقة والتعفيش، التي تنحصر مهمتها في الاستيلاء على الأثاث والأجهزة الكهربائية والمنزلية، وتُجبر على تسليم الخردة إلى مستودعات الفرقة مقابل مبلغ مالي مقطوع يقرّه أحد مسؤولي "الشعبة الأمنية".

وبعد الانتهاء من السرقة، تدخل عناصر الفرقة للاستيلاء على الخردة والحديد من المنازل والأحياء المدمرة، ثم شحنها إلى مصانع الصهر ثم إلى ميناء اللاذقية للتصدير.

تعاونت "الفرقة الرابعة" مع عدة شركاء في تجارة الخردة، منهم رجلا الأعمال سامر فوز وعماد حميشو، صاحبا شركة "صروح للإنشاءات"، والتي تمتلك منشأة صهر في المنطقة الصناعية في حسياء بريف حمص، إلى جانب أيمن جابر، الذي يمتلك مصنعاً لدرفلة الحديد في اللاذقية.

لكن أبرز المتعاملين بتجارة الخردة مع "الفرقة الرابعة" هو محمد صابر حمشو، رجل أعمال دمشقي وابن لموظف متواضع في وزارة التربية، لمع نجمه منتصف التسعينيات، بعد أن نجح في التقرب من ماهر الأسد، واكتسب ثقته وأصبح أحد أقرب أصدقائه الاقتصاديين.

 

محمد حمشو.jpg
رجل الأعمال محمد حمشو

 

كوّن حمشو ثروته عبر الاستفادة من صفقات النفط التي أجراها مع نظام صدام حسين في العراق، في إطار برنامج الأمم المتحدة "النفط مقابل الغذاء"، فضلاً عن نشاطاته في تبييض الأموال العراقية في البنوك اللبنانية بين عامي 2000 و2003.

وفي الفترة نفسها حصل حمشو على عقود استثمار في قطاع الاتصالات الذي كان يسيطر عليه رامي مخلوف، وأسس مجموعة من الشركات والمجموعات الاقتصادية تعتبر واجهة لماهر الأسد، منها "الشرق الأوسط لتسويق تكنولوجيا المعلومات"، وشركة "شام للدراسات الهندسية والتعهدات"، وشركة "جوبيتير للمشاريع السياحية"، وشركة "سوريا الدولية للإنتاج الفني"، وشركة "الثريا للاتصالات"، وشركة "الشهباء للاستثمار والسياحة"، وشركة "شام للتجهيزات الطبية"، وغيرها.

إلا أن أعماله تضررت بسبب العقوبات الأوروبية والأميركية التي فُرضت عليه منذ آب من العام 2011، على خلفية علاقته الوثيقة مع ماهر الأسد، ما دفعه إلى التركيز على تجارة الخردة، أبرز استثمارات "الفرقة الرابعة".

بدأ استثمار حمشو بالخردة عندما فرضت "الشعبة الأمنية"، التابعة للفرقة الرابعة، على الوسطاء المحليين بيع الخردة المعدنية، التي تم الاستيلاء عليها بعد العمليات العسكرية على مناطق متفرقة من الريف الدمشقي وخاصة مدينة داريا في آب من العام 2016، إلى شركة لتصنيع الحديد يملكها حمشو في المنطقة الصناعية بعدرا لصهرها وإعادة إنتاجها، بعد أن قضت "الفرقة الرابعة" على منافسيه في مصانع الحديد الأخرى، وخاصة في المدينة الصناعية بالشيخ نجار في حلب.

كما سهّلت الفرقة الرابعة دخول الآليات التابعة لشركات حمشو لاستخراج الحديد من دمار أبنية مدينة داريا، والتي استمرت عملياتها لأكثر من سنتين، أخرج خلالها آلاف الأطنان من الخردة المعدنية تم صهرها في مصانعه.

وشكلت تلك صفقات بأرباح خيالية لحمشو، إذ احتفظ بكميات كبيرة من الحديد المصهور في مستودعاته بهدف تلبية الطلب المحلي عبر العقود الحصرية التي كان يحصل عليها، والطلب المستقبلي الذي يأمل بالاستفادة منه خلال مرحلة إعادة الإعمار، في حين قام بتصدير آلاف الأطنان من مادة النحاس خلال العام 2017، قدّرها "مركز التجارة الدولي" بـ 14 مليون دولار.

ووفق مصادر خاصة، تعمل حالياً شركات حمشو على استخراج الحديد والخردة من المناطق المدمرة في ريف دمشق، مثل الغوطة الشرقية والغربية والزبداني، ويعمل أيضاً لدخول آلياته إلى مناطق جنوب دمشق ومخيم اليرموك التي فيها نسبة دمار عالية، ما يعني منجماً من الخردة والمعادن.

وبحسب منظمة "مع العدالة"، دفع حمشو مبالغ طائلة لفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية مثل "جيش الإسلام"، و"فيلق الرحمن"، و"جيش الأمة"، في العام 2013، من أجل استخراج معدات معامله التي كانت في مناطق سيطرة تلك الفصائل.

كما نسّق حمشو عمليات تهريب بضائع وتحركات للمعارضة، تبيّن فيما بعد أنها كانت كمائن تم إعدادها بالتعاون مع نظام الأسد.

وصل حمشو إلى "مجلس الشعب" لدورتين متتاليتين بين عامي 2012 و2020، ويشغل حالياً منصب أمين سر غرفة تجارة دمشق، ورئيس "مجلس المعادن والصهر"، ويرأس "مجلس الأعمال السوري الصيني".

 

خضر علي طاهر.. متعهد الطريق

بالعودة إلى استثمارات "الفرقة الرابعة"، شكّلت خدمة الحراسة المأجورة لشاحنات النقل التجاري أحد الموارد المالية الأساسية حتى ما قبل العام 2011، فقد كانت تمارس بشكل غير رسمي من قبل دوريات ومفارز الجمارك التي تسيطر عليها الفرقة الرابعة، المنتشرة على المفارز الحدودية، وخاصة الحدود العراقية، بالإضافة إلى الطرق الرئيسية المؤدية إلى داخل المدن، لحماية قوافل المهربين مقابل أموال يدفعها تجار التهريب لـ "الفرقة الرابعة"، الراعي الرئيسي لهذا النشاط.

منذ مطلع العام 2013، تنافست عشرات الميليشيات والجماعات المسلحة المحلية في أعمال حماية القوافل، منها ميليشيات القاطرجي، وميليشيات الدفاع الوطني، و"جمعية البستان الخيرية" التابعة لرامي مخلوف، ومجموعات أخرى تتبع للأفرع الأمنية، تعمل معظمها بإشراف مباشر من "الفرقة الرابعة"، وتدفع الحصة الكبرى من أرباحها لـ "الشعبة الأمنية" التابعة للفرقة.

في العام 2015، استطاعت "الفرقة الرابعة" إقصاء عدد من الميليشيات التي لم ترغب بمشاركتها في هذا الاستثمار، مثل ميليشيات الدفاع الوطني و"جمعية البستان"، وجعلت نشاطات حماية القوافل أكثر تنظيماً، بعد رعايتها لتأسيس الشركات الأمنية الخاصة، التي تمتلك مكاتب تنتشر في مختلف المحافظات وتقدم خدمات حماية القوافل، منها شركة "الحصن لحماية القوافل"، وشركة "كاسل للأمن والحماية"، وشركة "أحمد مصطفى للأمن والحراسة"، وشركة "الربيع للحراسة"، وغيرها.

لمع اسم خضر علي طاهر، الذي ينحدر من مدينة صافيتا بمحافظة طرطوس ويُعرف باسم "أبو علي خضر"، في العام 2016، عندما أظهر براعة في حماية إحدى القوافل، التي اهتم بها ماهر الأسد شخصياً، كانت قادمة من العراق ومتجهة إلى دمشق دون أن يتدخل أو يكشف حمولتها.

 

أبو علي خضر.jpg
خضر علي طاهر المعروف بـ "أبو علي خضر"

 

منذ ذلك التاريخ، أصبح طاهر أحد أهم متعهدي حماية القوافل لمصلحة "الفرقة الرابعة"، مستعيناً بميليشيا محليّة جندها من أهالي منطقته صافيتا، ويرأسها صهره إيهاب الراعي، وبلغ تعدادها نحو 2000 عنصر يحملون بطاقات أمنية من "الفرقة الرابعة".

وشهد قطاع حماية القوافل تطوراً ملحوظاً بعد أن أنشأ شركة "القلعة للحماية والحراسة والخدمات الأمنية" في العام 2017، وسهلت له "الشعبة الأمنية" الاستيلاء على عقود حماية القوافل، ولاحقاً أصبحت شركة خضر علي طاهر الذراع التنفيذي غير الرسمي لـ "الشعبة الأمنية"، مستعيناً بالأفراد الذين استمر بتجنيدهم من مختلف قرى الساحل السوري بالتعاون مع صهره.

سريعاً أصبح طاهر داخل الدائرة القريبة من ماهر الأسد، وسمح له هذا الوضع بمواجهة خصومه بشراسة، حتى أن قناة السورية الإخبارية اضطرت إلى حذف مقابلة لرئيس اتحاد غرف الصناعة السورية، فارس الشهابي، بعد أن قام بتسمية أبو علي خضر صراحة بمسؤوليته عن فرض إتاوات على المصانع الحلبية، بالإضافة إلى حادثته الشهيرة مع وزير الداخلية محمد خالد الرحمون في شباط من العام 2019.

نهاية العام 2019، كُلف خضر علي طاهر بمهمة استثمار صندوق أرباح "الشعبة الأمنية" وتبييض أمواله، فأنشأ 11 استثماراً على الأقل، في شكل شركات ومشاريع في قطاعات الاتصالات والمقاولات والمعادن والنقل والسياحة وتحويل الأموال والأمن.

ومن هذه الاستثمارات شركة اتصالات أمرت بتأسيسها أسماء الأسد، زوجة رئيس النظام، لبيع معدات الهواتف المحمولة وتوفر خدماتها، والمعدات الإلكترونية والاتصالات السلكية واللاسلكية، بهدف خلق بديل لإمبراطورية رامي مخلوف، ابن خال رأس النظام، وكسر هيمنته لسوق الاتصالات السوري عبر شركة "سيريتل موبايل".

كما استخدمته "الفرقة الرابعة" في دعم ورعاية المشاريع الاجتماعية المحلية في الساحل السوري، بالتعاون مع أسماء الأسد، وشملت هذه المبادرات "فريق معاً وسنبقى معاً"، ومؤسسة "بسمة شباب سوريا"، التي تهتم بشكل خاص بدعم عوائل قتلى وجرحى جيش النظام.

في تشرين الأول من العام 2020، تم إدراج طاهر ضمن قائمة العقوبات الأميركية، ضمن "قانون قيصر"، لتوجيهه عناصر ميليشياته لتحصيل الرسوم على الحواجز والمعابر الداخلية، التي تسيطر عليها "الفرقة الرابعة"، وتربط بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة المعارضة، بالإضافة إلى المعابر مع لبنان، فضلاً عن إدراج شركاته كافة ضمن قائمة العقوبات.

 

 

اقرأ أيضاً: "مخلوف سوريا الجديد" عقوبات أميركية تستهدف الدائرة القريبة للأسد

 

رجال روسيا الأوفياء

بعيداً عن أطماعها الجيوسياسية المتمثلة بتعزيز نفوذها كلاعب أساسي في الشرق الأوسط، وترسيخ موطئ قدمها في الموانئ الدافئة على المتوسط، حرصت موسكو منذ تدخلها العسكري في سوريا، في أيلول من العام 2015، على التأسيس لمصالحها وأهدافها التي لم تخفها، بل أعلنتها بوضوح، إذ لا تسهم في دعم نظام الأسد بصفة "فاعل خير" أو "دولة مانحة"، على حد تعبير نائب رئيس الوزراء الروسي ديمتري روغوزين في أيلول من العام 2017.

"صراحة" التصريح الروسي الرسمي، أعطت مؤشراً واضحاً عن رغبة ونية روسيا في هيمنتها على الاقتصاد السوري، فقد بدأت العاصمة دمشق تشهد زيارات متواصلة لرجال أعمال روس، ولقاءات مع مسؤولي حكومة نظام الأسد، وتوقيع الاتفاقيات والتفاهمات حول مشاريع النفط والغاز، وإعادة الإعمار والبنى التحتية والصناعات التحويلية والإنشاءات والموارد المائية والإنتاج الزراعي وغيرها من المشاريع.

إلا أن ذلك لا يضمن للروس هيمنة اقتصادية مستقرة، ما أوجب حاجة ملحة إلى أعمدة داخلية من رجال الأعمال السوريين، يدينون بالولاء لموسكو، في مقابل مراكمة سلطتهم وثرواتهم، نستعرض هنا أبرز هؤلاء:

 

اقرأ أيضاً: سوريا تخسر مواردها الاقتصادية لمصلحة الشركات الروسية

 

مدلل خوري.. مال ونفط وغاز الأعصاب

ينحدر مدلل خوري من قرية كفرام التابعة لناحية تلدو بريف حمص الشمالي الغربي، انتقل إلى روسيا بداية السبعينيات، وعمل هناك على بناء شبكة معقدة من البنوك والشركات المصرفية والكيانات الخارجية عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، استخدمها لنقل أموال الأنظمة القمعية مثل نظام الأسد ونظام كوريا الشمالية، بالإضافة إلى جماعات الجريمة المنظمة.

وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية، يرتبط مدلل خوري بتعاملات مالية لمصلحة نظام الأسد منذ العام 1994، وكشف تحقيق لمؤسسة "غلوبال ويتنس"، أن خوري استخدم شبكته المكوّنة من شركات مجهولة لدعم نظام الأسد وتمويله بعد اندلاع الثورة السورية، ويظهر التحقيق أن مساعدات خوري تراوحت بين المساعدة في شراء الوقود وطباعة الأوراق النقدية وتوفير شركات واجهة، استخدمها نظام الأسد في برامجه للأسلحة الكيميائية والباليستية.

 

SandraKhouryANDFather.png
مدلل خوري وابنته ساندرا التي تشرف على المحفظة الرقمية لشبكته المالية

 

في العام 2014، أصدرت "الشبكة الأميركية لإنفاذ الجرائم المالية" مذكرة تبين أن بنكاً يملكه مصرفي لبناني يدعى فادي صعب، يستضيف حسابات مرتبطة بخوري وشبكته، ويشتبه بكونها واجهة لبرنامج الأسلحة الكيميائية والصواريخ الباليستية الذي يطوره مركز البحوث العلمية التابع لنظام الأسد، بعد أن سُربت وثائق البنك الداخلية ونشرها موقع "BuzzFeed".

بين عامي 2007 و2014، أسس خوري عدة شركات تعمل بوصفها واجهة تشتبه وزارة الخزانة الأميركية في صلتها بمركز الدراسات والبحوث العلمية التابع للنظام، المسؤول عن تطوير الأسلحة الكيميائية، منها شركة "تريدويل للتسويق" المسجلة في جزر فيرجن البريطانية، وشركة "بيروسيتي للمشاريع" و"فرومينيتي للاستثمار"، وكلاهما مسجلتان في قبرص، وأكد هذه الصلات تحقيق نشره موقع "BuzzFeed".

كما كان لخوري صلات بعالم كيميائي روسي شهير يدعى لیونید رینك، شارك في تحضير غاز الأعصاب "نوفيشوك"، وله صلات بالشركات الروسية المصنّعة للمواد الكيميائية، وفرضت الولايات المتحدة الأميركية عقوبات على خوري لمحاولته شراء غاز الأعصاب من العالم الروسي، ونترات الأمونيوم من دول أخرى، لمصلحة نظام الأسد.

ووفقاً لتقرير العقوبات الأميركية، رتّب بنك "تيمبانك"، الذي يملك خوري أسهماً فيه، عملية توصيل جوية لملايين الدولارات نقداً إلى المصرف المركزي السوري، من مطار فنوكوفو في موسكو إلى مطار المزة العسكري بدمشق، ونفذ البنك هذه العملية خمس أو ست مرات بين عامي 2012 و2016، كما قدّم البنك خدمات مصرفية لنظام الأسد لشراء الوقود والحبوب، وقام بتسوية حسابات مالية لشركات سورية مقرّبة من نظام الأسد، وعمل بوصفه ضامناً مالياً لشركة طاقة روسية تقوم بالتنقيب في سوريا.

خلال العام 2014، وقبيل التدخل العسكري الروسي في سوريا، أكد تحقيق لـ "غلوبال ويتنس"، أن الدائرة الضيقة لآل الأسد ومخلوف دأبت على نقل الأموال من سوريا خوفاً مما هو قادم، واستخدام جزءاً من هذه الأموال لشراء مكاتب وعقارات بقيمة 40 مليون دولار، وأظهرت سجلات الشركات الروسية أن الشخص الموثوق به الوارد في وثائق الملكية لبعض العقارات هي إليزافيتا أندريفنا سوزدوفا، إحدى أبرز موظفي مدلل خوري في شبكته المصرفية.

من ضمن شبكة مدلل خوري أفراد من عائلته وآخرون من شبكته المصرفية، منهم ابنته ساندرا خوري التي تشرف على المحفظة الرقمية للشبكة، وشقيقه عماد خوري، وابن شقيقه طوني خوري، وقريبه عطية خوري المشرف على تأمين الحوالات المالية للنظام داخل سوريا، وعيسى الزيدي الذي يمثّل وكيل شراء غير مشروع في قبرص لكل من المصرف المركزي السوري ومركز الدراسات والبحوث العلمية التابع للنظام، بعض هؤلاء الأفراد يقيم في سوريا، ويرعى أنشطة الشبكة ويعزز دعم نظام الأسد.

 

اقرأ أيضاً: تحقيق يكشف عن شبكة غسيل أموال في موسكو مولت نظام الأسد

 

جورج حسواني.. "عكيد" يبرود

ينحدر جورج حسواني من مدينة يبرود في منطقة القلمون بريف دمشق الشمالي، حصل في شبابه على منحة من وزارة التعليم العالي السورية درس بموجبها في جامعة "سانت بطرسبورغ المتعددة التقنيات - البوليتكنيك" في الاتحاد السوفيتي، ونال منها شهادة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية والكهربائية في العام 1979.

عقب عودته إلى دمشق، عمل حسواني مدرساً في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية في دمشق، ثم مديراً لمصفاة بانياس، ليترك العمل في القطاع العام بعد سنوات قليلة، وعاد إلى موسكو وشرع في بناء إمبراطوريته من خلال شركة "هيسكو للهندسة والإنشاءات" التي أسسها مطلع تسعينيات القرن المنصرم.

 

جورج حسواني.jpg
رجل الأعمال المقرب من روسيا جورج حسواني

 

حافظ حسواني، الذي يحمل الجنسية الروسية، على علاقات وطيدة مع الروس وخاصة في قطاع الطاقة، سمحت له بلعب دور الوسيط مع نظام الأسد في تنفيذ مشاريع بارزة في سوريا، منها معمل غاز المنطقة الوسطى، وخط أنابيب الغاز العربي.

تعاقدت شركة حسواني "هيسكو" مع شركة "ستروي ترانس غاز"، وهي إحدى أكبر شركات الطاقة الروسية، وعملت الشركتان في مشاريع مشتركة في سوريا والعراق والخليج ودول أفريقيا.

مطلع العام 2014، ومع تصاعد الأعمال العسكرية في سوريا، وقطع طرق الإمداد، تكفّل جورج حسواني بلعب دور الوسيط بعشرات الصفقات والاتفاقيات بين نظام الأسد و"تنظيم الدولة"، تضمن إمداد التنظيم بمورد نفطي دائم من مناطق سيطرته إلى مناطق سيطرة النظام عبر وسائل نقل سرية ووسطاء وشبكات تهريب متعددة، وذلك بعد أن كسب ثقة التنظيم من خلال سلسلة وساطات في أثناء عملية الإفراج عن الراهبات اللواتي اختطفتهن "جبهة النصرة" في مدينة معلولا في آذار من العام 2014.

في تشرين الثاني من العام 2015، كشفت الولايات المتحدة عن وثائق تثبت حصول "تنظيم الدولة" على عوائد كبيرة جداً ناتجة عن صفقات بيع النفط لنظام الأسد، كما كُشف أن شركة "هيسكو" كانت تدير منشأة لإنتاج الغاز الطبيعي في مدينة الطبقة، التي كانت تخضع لسيطرة "تنظيم الدولة"، ما دفع بالاتحاد الأوروبي ووزارة الخزانة الأميركية إلى فرض عقوبات على الوسيط جورج حسواني وشركته، بالإضافة إلى مؤسسات ومصارف مرتبطة به في قبرص وروسيا، إلا أن هذه العقوبات رُفعت في نيسان من العام 2017.

في مسقط رأسه يبرود، يمارس حسواني دور "العكيد"، على حد تعبير أحد أهالي يبرود، فهو استطاع تحييد المدينة عن الاشتباكات العسكرية عبر تقديم المال لـ "جبهة النصرة" لقاء عدم دخولها إلى المدينة، وحرص على عدم إغلاق الكنائس واستمرار إقامة القداديس فيها، بالإضافة إلى حل أي مشكلة تواجه المدينة كنقص إمدادات الغذاء أو الطحين أو الوقود، أو حتى حماية الأملاك من خلال دعم وتمويل ميليشيا "قوات درع القلمون"، التي كانت تشارك بالقتال إلى جانب قوات النظام في مناطق عدة.

ومؤخراً، كشف تحقيق تلفزيوني نشرته قناة "الجديد" اللبنانية في 13 كانون الثاني الماضي، عن تورط رجال أعمال سوريين مقرّبين من نظام الأسد في قضية تفجير شحنة نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت في 4 آب الماضي، هما جورج حسواني ومدلل خوري.

ووفق التقرير، فإن الشركة التي اشترت شحنة نترات الأمونيوم من مصنع في جورجيا هي شركة "سافارو ليمتد"، التي تديرها شركة أخرى تدعى "إنترستاتوس" ومقرها قبرص، وتعود ملكيتها لعماد خوري ولكنها غير نشطة، في حين أن "سافارو ليمتد" هي شركة وهمية وواجهة لشركة "هيسكو" للهندسة والإنشاءات، التي تعود ملكيتها لجورج حسواني

وبحسب التقرير، فإن عنوان شركة سافارو ليمتد، التي اشترت المواد الكيميائية في العام 2013، في لندن هو العنوان نفسه لشركات مرتبطة بكل من جورج حسواني وعماد خوري.

 

اقرأ أيضاً: تحقيق لبناني يكشف تورط مقربين من الأسد في شحنة نترات الأمونيوم

 

سمير أنيس حسن.. عرّاب الاستثمار الروسي في سوريا

ولد سمير أنيس حسن لعائلة فقيرة في إحدى قرى جبلة بريف اللاذقية، بدأ حياته موظفاً مدنياً مغموراً في شركة "الإنشاءات العسكرية" التابعة لوزارة الدفاع، لكنه يرتبط بصلة قرابة من ناحية زوجته برئيس الأمن الرئاسي وابن عمة رئيس النظام، ذو الهمة شاليش، الذي قرّبه وأرسله إلى سويسرا ليعمل هناك في شركة "نستله"، وعند عودته فرضه على أنه وكيل حصري لها في سوريا وسلّمه لاحقاً إدارة مصنعها، الذي أسس في العام 1997، على أنه واجهة استثمار له.

شكّل العام 2003 نقطة تحوّل في حياة سمير حسن، ففي ذلك العام ائتمنه شاليش بوصفه واجهة استثمارية، يدير من خلاله مجموعة من مشاريعه وشركاته مثل "شركة الأمير للاتصالات" التي كانت الوكيل الحصري لهواتف "نوكيا" في سوريا، ووكالة "كاميرات نيكون" و"أفلام فوجي" ومصنع "سليب كونفورت" للمفروشات.

 

91a4ef6e643d013258b3cc69.jpg
سمير حسن في أحد لقاءاته مع إعلام النظام

 

مع مرور الوقت توسّعت دائرة تمثيل سمير حسن للاستثمارات الاقتصادية، إذ قدّمه ذو الهمة شاليش إلى رامي مخلوف على أنه شخص ثقة يمكن ائتمانه عضواً أساسياً في المنظمة المالية للنظام، فأصبح خلال سنوات قليلة من أبرز رجال الأعمال في سوريا، واسمه حاضراً في أكبر الشركات الاستثمارية فيها، مثل شركة "إعمار الشام"، و"شام القابضة"، و"بنك بيبلوس"، و"الشركة الكويتية للتأمين"، و"مجموعة الأمير للتجارة العامة"، وشركة "تعدين الصناعات"، وشركة "ايبيديا للتكنولوجيا"، و"الشركة السورية للعناية الطبية".

كُلّف برئاسة "مجلس الأعمال السوري – الإيرلندي"، ووصفته صحيفة "لوموند" الفرنسية في العام 2014 بأنه أحد أبرز واجهات الاستثمار في استيراد المواد الغذائية كالقمح والسكر لمصلحة رامي مخلوف.

بعد اندلاع الثورة برزت الحاجة إلى من هم مثل سمير حسن لتوظيفهم في العجلة الاقتصادية مع روسيا حليفة نظام الأسد الأقوى، فتمت تسميته رئيساً لـ "مجلس رجال الأعمال السوري الروسي" في العام 2016، بهدف استقطاب الشركات الروسية والتسويق للاستثمار في سوريا في مختلف القطاعات مثل النفط والزراعة والصناعة والسياحة والبناء، وهو ما نجح فيه بشكل كبير، إذ يطلق عليه لقب "عرّاب الاستثمار الروسي".

وبحسب منظمة "مع العدالة"، عمل حسن على تسهيل عمليات التحويل المالي للنظام عبر شركات "كوبيت" الروسية التي تضم 158 شركة كبرى، والتي قامت بافتتاح فرع لمصرفها في سوريا لتسهيل قضية التحويلات المالية، وأسس شركة خاصة في المنطقة الحرة بدمشق لتسهيل نقل البضائع بين روسيا وسوريا، وإنشاء خط نقل بحري مباشر ما بين ميناء اللاذقية وميناء نوفوروسيسك عبر سفن الشحن الخاصة بمجموعة "كوبيت".

يُكثر سمير حسن من الظهور على وسائل إعلام النظام للحديث حول العلاقات الاقتصادية بين روسيا ونظام الأسد، واعداً بتحسّنها وزيادة وتيرة نشاطها في جميع القطاعات الاقتصادية، وتفاخر في أحد تصريحاته لصحيفة "الوطن" أنه استطاع استقبال نحو 80 شركة روسية في سوريا خلال العام 2018، في حين لم تكن هناك قدرة على جذب 10 شركات في العام 2015.

كان سمير حسن من أوائل رجال الأعمال السوريين الذين أدرجوا على قوائم العقوبات الأوروبية والأميركية، في آب من العام 2011، أي بعد أشهر قليلة من اندلاع الثورة السورية.

 

 

اقرأ أيضاً: 40 استثماراً روسياً جديداً في مجال إعادة الإعمار في سوريا

 

سامر فوز.. بلطجي وقاتل ورجل أعمال

ورث سامر فوز، الذي ينحدر من مدينة اللاذقية، شركة للشحن واستيراد وتصدير المواد الغذائية عن والده، ليتوسع نشاطه الاقتصادي إلى العقارات والإعمار والنقل، من جرّاء علاقات عابرة للحدود أنشأها مع رجال أعمال في الإمارات العربية المتحدة وتركيا.

يقول أحد من يعرفون فوز: إنه كان دائم التنقل بين روسيا وتركيا وسوريا، في سعي دؤوب لزيادة ثروته عبر صفقات مشبوهة، منها آلاف الأطنان من الإسمنت الفاسد استوردها إلى سوريا من تركيا بين عامي 2008 و2010، وصفقات قمح قديم فاسد مليء بالحشرات اشتراه من "تنظيم الدولة" وخزنه في تركيا في العام 2013.

لمع اسم سامر فوز عقب اتهامه في جريمة قتل في تركيا، التي يحمل جنسيتها، بالشراكة مع آخرين، وراح ضحيتها رجل أعمال أوكراني من أصول مصرية إثر خلاف مالي، وحُكم عليه بالسجن لأربع سنوات، إلا أنه ما لبث أن استطاع الخروج من السجن بكفالة مالية في أيار من العام 2014، وفق ما ذكر الإعلام التركي.

 

6538108_oxy_awmduagvagsffpiqqoe.jpg
سامر فوز

 

استقر فوز في سوريا بعد ذلك، رغم امتلاكه لاستثمارات متنوعة في تركيا في مجالات السياحة ومصانع الأسمدة والمقاولات والمياه الغازية ومناجم الذهب، عهد بها إلى رجاله هناك.

في مدينته اللاذقية، عمل فوز بإيعاز من نظام الأسد على شراء الأراضي والعقارات لمصلحة جهات مجهولة على علاقات وثيقة مع إيران، كما موّل ميليشيا "درع الأمن العسكري"، التي شاركت مع ميليشيات أخرى بالهجوم على ريف اللاذقية الشمالي في تشرين الأول من العام 2015، ومعارك كنسبا في تموز من العام 2016، وشاركت إلى جانب قوات النظام في حصاره لأحياء حلب الشرقية نهاية العام 2016.

منتصف العام 2015، استدعاه ماهر الأسد إلى دمشق، وكلّفه بالاستحواذ على عدد كبير من شركات ومصانع رجال الأعمال الذين غادروا البلاد أو تعثروا في أعمالهم بسبب الحرب عبر شركته "أمان القابضة"، عبر أسلوب "البلطجة"، بحسب ما وصفه مطلعون على صفقات الاستحواذ.

ومن الشركات التي استحوذ عليها مجموعة شركات عماد غريواتي، ومجموعة شركات حميشو، وشركات موفق قداح، وشركات أخرى، لإعادة تدويرها وتشغيلها للتحايل والالتفاف على العقوبات، كونه لم يكن مشمولاً بها بعد.

في آب من العام 2017، أعلن فوز عن تأسيس شركة "مينا" لتكرير وإنتاج السكر في مدينة حمص، كما أسس مصنع أدوية في ريف دمشق في العام نفسه، وفي آذار من العام 2018، استحوذ على حصة رجل الأعمال السعودي الوليد بن طلال في فندق "فور سيزنز"، البالغة 55%، خلال فترة احتجاز الأخير في السعودية.

كما يملك فوز شركات لصناعة الحديد وتجميع السيارات ومعامل غذائية ودوائية وشركات تجارية وتطوير عقاري، وقناة تلفزيونية خاصة، تنضوي جميعها تحت مظلة مجموعة "أمان دمشق" القابضة، ولديها علاقات استراتيجية مع شبكة واسعة من الموردين في أكثر من 30 بلداً، وفق تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، غطى أنشطته الاقتصادية.

إلا أن المشروع الأخطر الذي استولى عليه فوز، كان مشروع "ماروتا سيتي"، وهو أكبر مشروع استثمار عقاري في سوريا، يهدف إلى تغيير ديمغرافية حي خلف الرازي في العاصمة دمشق، الذي يعتبر حياً شعبياً هجّر معظم سكانه بعد أن خرجوا في احتجاجات سلمية ضد النظام منذ بداية الثورة السورية في العام 2011، إلى ديمغرافية غنية وموالية للنظام، وفق المرسوم رقم 6 للعام 2012، والذي يتيح نزع ملكية أصحاب المنازل في دمشق.

في حزيران من العام 2019، أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، فرض عقوبات بحق 16 شخصاً وكياناً مرتبطين بسامر الفوز، متهماً إياه بامتلاك وإدارة حصص في شبكة دولية تدعم نظام الأسد.

واتهمت الوزارة فوز وشخصيات وكيانات تابعة له، بتقديم المساعدة والدعم المالي والتكنولوجي والسلع والخدمات لرئيس النظام بشار الأسد وحكومته.

ووفق ما قال المسؤول في وزارة الخزانة الأميركية، سيغال مانديلكير، لصحيفة "Financial Times"، فإن "سامر فوز وأقرباءه وإمبراطورية أعماله حوّلوا الصراع السوري إلى عمل يولد الربح والثراء".

 

 

الإخوة قاطرجي.. قمح ونفط وسلاح

ينحدر الأشقاء الثلاثة حسام وبراء ومحمد آغا من مدينة الباب بريف حلب الشمالي، ولدوا وترعرعوا في محافظة الرقة، ولم يعرف عنهم أي نشاط تجاري أو اقتصادي قبل العام 2011، إذ برزت أسماؤهم بعد وساطتهم في صفقات النفط والقمح بين نظام الأسد و"تنظيم الدولة" عقب سيطرة الأخير على حقول النفط في المنطقة الشرقية في العام 2014.

كما أجرى الأخوة قاطرجي صفقات مشابهة بين نظام الأسد و"قوات سوريا الديمقراطية" منذ العام 2016 حتى الآن، فضلاً عن تمكنها من شراء القمح من مختلف الفصائل العسكرية التي سيطرت على حقول الذهب الأصفر في الجزيرة السورية لصالح نظام الأسد.

 

القاطرجي.png
الأخوة قاطرجي

 

حقق الأخوة قاطرجي أرباحاً هائلة من تلك الصفقات، استخدمت في تمويل مجموعة كبيرة من الشركات والاستثمارات التجارية والنفطية، فضلاً عن ميليشيا مسلحة لحماية أسطول صهاريج نقل النفط التي تصل إلى أكثر من 1000 صهريج، تنقل حالياً النفط من مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" إلى مصفاتي حمص وبانياس بمعدل 20 ألف برميل يومياً، وفق تحقيق لوكالة "رويترز".

أما ميليشيا القاطرجي المسلحة فأسست بادئ الأمر لحماية مستودعات النفط، وتأمين خطوط النقل، وتمركزت في مناطق متفرقة في ريفي الرقة ودير الزور، ثم توسّع دورها للمشاركة في عمليات القتال إلى جانب قوات النظام في العام 2016 ضد فصائل المعارضة السورية في أحياء حلب الشرقية وشاركت في حصارها نهاية العام 2016، كما قاتلت إلى جانب "قوات سوريا الديمقراطية" ضد قوات المعارضة في منطقة عفرين.

وفي أيلول من العام 2017، احتكر الأخوة قاطرجي إدخال المواد الغذائية إلى مدينة دير الزور في أثناء محاصرتها من قبل "تنظيم الدولة"، وبيعها بأسعار مرتفعة جداً، ما فاقم من معاناة أهالي المدينة.

يمتلك الأخوة "مجموعة قاطرجي الدولية"، التي تضم عدة شركات، منها "قاطرجي للصناعات الهندسية الميكانيكية"، "أرفادا البترولية"، "حلب المساهمة المغفلة القابضة"، "شركة المهام للحماية والحراسة الأمنية"، "فولاذ للصناعات المعدنية"، "زمن الخير للنقل والاستثمار"، "جذور للزراعة وتربية الحيوان"، "قاطرجي للتطوير والاستثمار العقاري"، "شركة بي إس للخدمات النفطية"، "أليب للاستثمارات والحلول التقنية"، "آرمان للإدارة الفندقيّة والسياحية"، "قاطرجي للتجارة والنقل"، "الذهب الأبيض الصناعية"، وغيرها.

وتموّل شركات قاطرجي الشحنات النفطية التي يتم استيرادها من إيران لمصلحة نظام الأسد، ما دفع وزارة الخزانة الأميركية إلى فرض عقوبات على الأخوين حسام وبراء قاطرجي وشركاتهم في أيلول من العام 2018، ثم في كانون الثاني من العام 2019، على خلفية صفقات النفط وتهريب السلاح للنظام.

يشار إلى أن حسام قاطرجي ترشح لعضوية مجلس الشعب عن محافظة حلب، ويشغل عضوية المجلس في الدورة الحالية 2020 – 2024.

 

اقرأ أيضاً: "قاطرجي" يهيمن على محصول القطن في دير الزور

 

 

تسند معلومات هذا الملف إلى مصادر صحفية مفتوحة ووثائق رسمية منشورة في مواقع حكومية بالإضافة إلى مصادر خاصة