icon
التغطية الحية

حياة عالم الاجتماع "إميل دوركهايم" في كتاب من ترجمة المركز العربي للأبحاث

2022.02.10 | 13:09 دمشق

dwrkhaym-_tlfzywn_swrya.jpg
إسطبنول - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

أصدر "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" ترجمةً لكتاب يتناول حياة عالم الاجتماع الفرنسي الشهير "إميل دوركهايم" (بالفرنسية: Émile Durkheim) وهو من تأليف مارسيل فورنييه، وترجمته إلى العربية الباحثة فاطمة الزهراء أزرويل.

ويعد العمل الصادر عن سلسلة "ترجمان" في المركز العربي، عملًا شاملًا عن حياة دوركهايم (1858-1917) وفكره، وهو الذي أحدث ثورة في العلوم الاجتماعية؛ بدءًا من الدفاع عن استقلالية عِلم الاجتماع بصفته عِلمًا، ومرورًا بالبلورة المنهجية لقواعد دراسة الاجتماع وأساليبها، وإدانة النظريات العرقية، ونقد المركزية الأوروبية، ووصولًا إلى إعادة تأهيل إنسانية البدائي. لقد دافع عن كرامة الفرد وحرية الصحافة والمؤسسات الديمقراطية والقيم الليبرالية الأساسية للتسامح والتعددية. وفي الوقت نفسه، كان ينتقد اقتصاديات عدم التدخّل ودافع عن قيم التضامن وحياة الجماعات.

ويمثل التراث الفكري الغني لدوركهايم في نواحٍ كثيرة اليوم، جزءًا من الفهم الذاتي لعصرنا، وتعزّزت أهمية مساهمته في عملية تأسيس علم الاجتماع عندما أنشأ مجلة السنة السوسيولوجية L'Année sociologique في عام 1896؛ إذ أسس من خلالها ما يُعرف بالمدرسة الفرنسية لعلم الاجتماع.

سيرة موثّقة عن دوركهايم

جاءت السيرة في ألفٍ و568 صفحة بالقطع الوسط، ووثّق فيها فورنييه السيرة الذاتية الجديدة لدوركهايم بدقة، ملقيًا ضوءًا جديدًا على شخصيته، وعلاقته باليهودية، وحياته العائلية، وعلاقاته بأصدقائه ومعاونيه، ومسؤولياته السياسية والإدارية، وآرائه السياسية. وتتعلّق بهذه الشخصية كثير من الحواشي، غير أنها تشكل ملحقًا نصيًّا أساسيًّا، ويظهر دوركهايم اليهودي للقارئ عالمًا ومعلمًا ومحاضرًا ومشاركًا ناشطًا في النقاش الأكاديمي، ومراقبًا دقيقًا للتغيير الاجتماعي، ومفكرًا سياسيًا ملتزمًا، ورائدًا في إحدى مدارس العلوم الاجتماعية، ومرشدًا لزملائه الشباب، ووصيًّا على جامعة السوربون. ويجعل فورنييه من هذه السيرة الذاتية لدوركهايم، الذي يُدرس في أولى سنوات التعليم الجامعي الأوروبي، قصةً لإنسان حقيقي، تقليدية في أهدافها وأشكالها وطريقة سردها.

يستعين فورنييه في كتابه بمنظور السيرة الذاتية ليتحدث عن أمر مختلف. وإذا تطرق في سرده إلى اليهودية في فرنسا، ومدارس الجمهورية الثالثة وجامعاتها، والمناخ الفكري السائد في حينه، والروح الأكاديمية المستعرة، والنزاعات السياسية والعلمية، والعقليات والعادات، واحتلال الألزاس، وقضية دريفوس، أو الحرب العالمية الأولى؛ فذلك لأن هذه المسائل ألّفت أجزاءً من حياة دوركهايم وسيرته الأكاديمية والفلسفية. وهي، من ثمّ، تمثّل خلفيةً للمشهد الدوركهايمي من حيث إحياء السياق التاريخي والثقافي والسياسي والفكري، وهو ما يسمح لأي فرد موجود فيه اجتماعيًا أن يُفهم من دون أن يكون الثمن تخليه عن استقلاليته.

فصول الكتاب

الكتاب يضمّ ستة أقسام، توزع فيها 26 فصلًا. ففي القسم الأول، "مرحلة الشباب"، أربعة فصول ترسم صورة واضحة لشباب دوركهايم وأخلاقه التي شبّ عليها، وسنوات دراسته الأولى: فصل أول بعنوان "تربية يهودية"، وفصل ثانٍ بعنوان "طالب في المدرسة العليا للأساتذة"، وفصل ثالث بعنوان "’شوبان‘، أستاذ في ثانوية"، وفصل رابع بعنوان "السفر إلى ألمانيا".

في القسم الثاني الذي حمل عنوان "تأسيس السوسيولوجيا"، هناك 4 فصول أخرى: فصل خامس بعنوان "أستاذ في جامعة بوردو"، وفصل سادس بعنوان "الفرد والمجتمع: الرابط الاجتماعي"، وفصل سابع بعنوان "موضوع ومنهج وقواعد"، وفصل ثامن بعنوان "1895"، وفيها توصيف لطلائع رحلته المهنية أستاذًا جامعيًا في بوردو، ثم في باريس.

ونجد في القسم الثالث، "مجلة وفريق"، فنجد حكاية تأسيس "السنة السوسيولوجية" وما آلت إليه، وفيه 6 فصول: الفصل التاسع الذي ورد بعنوان "زمن التحولات، من الانتحار إلى السنة السوسيولوجية"، والفصل العاشر بعنوان "السنة السوسيولوجية ونشأة فريق"، والفصل الحادي عشر بعنوان "قضية دريفوس والدفاع عن حقوق الإنسان"، ثم الفصل الثاني عشر بعنوان "أهو الفشل؟"، وبعد ذلك يأتي الفصل الثالث عشر بعنوان "كلمة واحدة: التضامن"، ثمّ الفصل الرابع عشر بعنوان "أزمة في مجلة السنة السوسيولوجية".

أمّا القسم الرابع "باريس- جامعة السوربون"، فيتضمّن 5 فصول جديدة من سيرة دوركهايم المهنية في جامعة السوربون، هي: الفصل الخامس عشر بعنوان "في جامعة السوربون"، والفصل السادس عشر بعنوان "روح المانيتو وعشيرة المحرم – الطوطم"، والفصل السابع عشر بعنوان "علم الأخلاق، اهتمام يومي"، والفصل الثامن عشر بعنوان "التطور التربوي أو الثقافة الثالثية"، ثمّ الفصل التاسع عشر بعنوان "الكنيسة والدولة والوطن".

بعد ذلك يأتي القسم الخامس، "الأخلاق والدين"، وهو يضمّ 5 فصول، هي: الفصل العشرون بعنوان "الذكرى العاشرة لتأسيس مجلة السنة السوسيولوجية"، والفصل الحادي والعشرون بعنوان "تغيير العالم"، والفصل الثاني والعشرون بعنوان "الوصي على جامعة السوربون"، والفصل الثالث والعشرون بعنوان "أصول الحياة الدينية"، ثمّ الفصل الرابع وعشرون بعنوان "مساق: عدد أخير من مجلة السنة السوسيولوجية، نهاية حقبة البراغماتية".

ونجد في القسم السادس، والأخير، "الحرب الكبرى"، فصلين فقط هما الفصل الخامس والعشرون الذي ورد بعنوان "الاعتداء الغاشم"، والفصل السادس والعشرون الذي ورد بعنوان "التفكير في الشيء نفسه ليلًا ونهارًا".

تأريخ للأحداث

يقدّم فورنييه كتابه معتمدًا الشكل الأوضح لكتابة السيرة الذاتية، ثمّ يقدم حياة دوركهايم بالترتيب الزمني المعهود، مسترشدًا بما تيسر له من مصادر، تاركًا في بعض الأحيان دوركهايم ليتحدث بنفسه عن نفسه، معززًا السيرة الذاتية باقتباسات كثيرة يربط بعضها ببعض ليرسم صورة فسيفسائية معبّرة عن دوركهايم نفسه، متكهنًا حينًا، في تفصيلات عديدة، تاركًا أحيانًا أسئلة من دون إجابات حين لا تسعفه مصادره تجاه مزيد من الاستدلالات، مع حرصٍ شديد على حَصْر اجتهاداته في حدود دنيا لضمان السلامة العلمية للسيرة الذاتية، ولعدم الاستسلام لوهم السيرة الذاتية. وهكذا، تكمن "قوة" الكتاب في إدراك فورنييه المسلمات النظرية، من دون إثقال النص بالنظريات. إنه كتاب مزدوج المعنى؛ إذ يمكن استكماله بالاكتشافات المتتالية للحقيقة، لكنْ يمكن من خلاله -قبل كل شيء- فهم حياة دوركهايم ضمن بنية نظرية أرادها فورنييه بالغة الدقة.

ويقترب الكتاب من أن يكون عملًا تأريخيًّا أكثر من كونه عملًا يهدف إلى التنظير في علم الاجتماع. وعلى الرغم من أنّ المجالين ينتهجان في أحيان كثيرة منهجًا مطابقًا، فإن المبادئ التي تنتظم بها نصوصهما مختلفة؛ فالمؤرخ يبحث في أصول الأفكار، في حين يعيد المنظر بناء العمل عقلانيًا.