حياة السوريين بين العرض والطلب

2020.12.30 | 23:40 دمشق

2020-10-01t203206z_1593492450_rc2w9j9l68g6_rtrmadp_3_health-coronavirus-syria-airport.jpg
+A
حجم الخط
-A

اعتاد السوريون لعقود، وتأقلموا، مع حقيقة تقول إن حياتهم وصحتهم وحاضرهم ومستقبلهم، هي مسؤوليتهم كأفراد، وليست مسؤولية الدولة التي تحكمهم!

فكان عليهم أن يشتغلوا، منذ أن تولى قيادة مجتمعهم ثلة من العسكر، كالعبيد في مزرعة كبيرة اسمها الوطن!

وقد كشفت حرب النظام عليهم بعد قيام الثورة عام 2011 التفاصيل المرعبة للسياسة المتبعة للتحكم بهم، فسقوط مئات الآلاف من القتلى، وسجن وتغييب مئات الآلاف أيضاً، وكذلك نزوح ولجوء الملايين، لم تكن مجرد أحداث محتملة الوقوع بسبب الحرب، بل كانت أمراً مسلماً بحدوثه، فهو جزء من الخطة الموضوعة لمواجهة الحدث!

وضمن هذا المسار الدامي كان من المتوقع أن يتم اعتبار أولئك الذين مازالوا يعيشون تحت سيطرة النظام أسرى، أو رهائن، سيرتبط مصيرهم ببحثه عن النجاة لأفراده!

غير أن وقوع البلاد تحت ضغط كارثة عالمية كوباء كورونا، كان كفيلاً أيضاً بكشف عقلية أجهزة الحكومة وموظفيها، مع المواطنين، هنا، لا يمكن التعاطي بسخرية فقط مع تصريح معاون مدير قسم الأمراض السارية في وزارة الصحة التابعة للنظام د. عاطف الطويل عن أن زيادة مدة انتظار وصول اللقاح سيكون من مصلحة السوريين، حيث إن زيادة الإنتاج ستعني انخفاض ثمنه على جيبة المواطن!

السوريون مبتلون حقاً، ليس فقط بالنظام الذي أحال حيواتهم إلى جهنم أرضية، بل بمؤسسات الدولة التي نخرها الفساد،

فجوهر المسألة بالنسبة لموظف رفيع المستوى في إحدى مؤسسات الدولة يتصل بموضوع اقتصادي يفرضه قانون العرض والطلب، وفي ميزان المصالح، يتوجب على أصحاب القرار أن يولوا قضية مثل الربح والخسارة جل اهتمامهم، ويبدو نظرياً أنه من الصحيح ألا تجرهم الظروف إلى قرارات تتسبب بهدر المال العام!

لكن مثل هذه الرزانة، وأيضاً الحرص الشديد على دقة القرارات وصوابيتها، لا يمكن أن يكون سارياً وصحيحاً، في مؤسسة يقوم عملها على الدفاع عن صحة الناس وعافيتهم، فالمال في وزارة الصحة يجب أن يتم إنفاقه من أجلهم، كما أن كل جهود العاملين فيها لابد أن تصب في سياق بث الطمأنينة في النفوس بالتوازي مع السعي من أجل الحصول على اللقاحات بأسرع وقت!

ولهذا يبدو أننا أمام مفارقة من النوع المأساوي، فنحن نسمع هذا الكلام -تم بثه عبر واحدة من أشهر الإذاعات المؤيدة للنظام-على لسان طبيب، أقسم ذات يوم على (قسم أبقراط)، الذي يلزمه بالغايات السامية لمهنته، لكنه وفي سياق المشهد البائس، يبشر السوريين بأنهم لن يدفعوا كثيرا من جيوبهم كثمن للقاح المضاد لكورونا، رغم أن مسؤولية اللقاحات تقع على عاتق الموازنة العامة، ولا تلقى على كاهل المواطنين!

وهو في الوقت نفسه يفتح أمام أعينهم بوابة الموت الأكثر اتساعاً مما يمكن أن يتحملوه، وهم يخسرون المئات من الأهل والأحبة يومياً، كضحايا للجائحة العالمية، وكقتلى للسياسات الصحية الخاطئة، التي أنكرت منذ البداية، مثل كل المصابين بمرض الإنكار وجود حالات الإصابة، وتشدقت بأن عدم وجودها يعود لسياسة النظام الوقائية! ثم ما لبثت أن اعترفت بوجود حالات قليلة، ومازالت إلى اليوم تنكر أن البلاد بطولها وعرضها تشهد انفجاراً في عدد الموتى بسبب الوباء!

السوريون مبتلون حقاً، ليس فقط بالنظام الذي أحال حيواتهم إلى جهنم أرضية، بل بمؤسسات الدولة التي نخرها الفساد، وأظهرت سنوات الحرب تهلهلها، بعد أن بقيت ردحاً طويلاً من الزمن محكومة بالعقلية الأمنية، التي طفّشت أهم كوادرها، وجعلتها ملحقة بالأجهزة الأمنية، التي تحكمت بسياسات التوظيف، فأحلت فيها طبقة واسعة من المستفيدين، الذين لا هم لهم سوى امتصاص مواردها!

فصار هؤلاء بلاءً إضافياً، فهم حاشية النظام من الموظفين والمأجورين الذين تشبعوا بطريقة إدارته لمصالحه، وأمسوا جزءاً من سيفه المسلط على رقاب العباد!

وضمن هذا السياق سنكتشف أن طريقة فهم معاون رئيس قسم الأمراض السارية في وزارة الصحة لمبدأ العرض والطلب تبدو مقلوبة رأساً على عقب، فالسلعة هي مادة الفكرة الاقتصادية الرهيبة، ولكنها لدى الطبيب التاجر تنزاح بشكل فاقع لتصبح ليس صحة الإنسان فحسب، بل وجوده ذاته، فهو مستغرق بالتفكير بثمن اللقاح، ولا يبدو أنه منشغل بعدد الضحايا، فوفق آلية التفكير ذاتها، ثمة صوت لا يخفى، يخرج من هذا المسؤول الذي يتكرر ظهوره هذه الأيام على وسائل إعلام النظام، يكاد يقول: السوريون كثيرون، وكلما كانوا كذلك باتوا أقل قيمة!

وبناءً على ما سبق، وإلى أن يصبح سعر اللقاح مناسباً لا بأس من سقوط ضحايا إضافيين، من دون ذنب سوى أنهم أصيبوا بالمرض في حيز جغرافي تسيطر عليه دولة، استولى عليها نظام من المجرمين والسفلة!