حوران العقدة والترياق.. ثوار درعا وعبد العزيز الخيّر ومشروع الملك

2021.08.06 | 06:35 دمشق

alkhyr-_tlfzywn_swrya.png
+A
حجم الخط
-A

تشكل درعا عقدة نقص للنظام الذي لم يتخيل يوما أن تكون أرضها منطلقا للثورة عليه ولهذا السبب بالضبط فهي بالنسبة للسوريين المكان المبارك الذي أطلق شرارة ثورتهم الوطنية الأولى بعد الثورة السورية الكبرى 1925.
معركة درعا الأخيرة تعيد إلى الأذهان أحداثا سابقة مشابهة، حين حاول النظام مع ميليشيات إيران اقتحامها ودمر أجزاء منها وقصف قرى وبلدات في ريفها؛ فإن للنظام مع درعا قصة تبدأ منذ أواسط شهر آذار 2011 يوم أهان ضابط كبير وفداً من وجهاء درعا جاء يطالبه بإطلاق سراح أطفالهم الذين تظاهروا ضد النظام الديكتاتوري وكتبوا شعارات طالت رئيس النظام، كانت هي الأولى في سوريا بعد انطلاقة الربيع العربي.
إضافة لما سبق فدرعا مع السويداء أي أرض حوران أو الجنوب السوري هما بمنزلة عقدة إقليمية لوقوعها في منطقة تشكل حساسية لدولتين مجاورتين هما الأردن وإسرائيل. ولأجل ذلك وبسبب حساسية موقع درعا فقد عمد الملك الأردني بعد أيام من تلك الإهانة التاريخية لدرعا وسوريا كلها، إلى الاتصال ببشار الاسد ناصحا إياه بالاعتذار من أهالي درعا، وحينما لم يفعل أوصل إليه رسالة ثانية ينصحه فيها بالاستقالة من منصبه كرئيس لسوريا.

ثوار درعا يطالبون بإطلاق سراح الدكتور عبد العزيز الخيّر 

نعم إن درعا تستعيد الوطنية السورية من جديد، تنتزعها انتزاعا من بين أنياب الديماغوجيين الأسدية والتنظيمات الجهادية. اللتين تتقاسمان الأدوار في مسرحية صراع طائفي عفن ومتخلف؛ بحيث ينقل عن لسان أحد أبناء درعا أن ثوارها المفاوضين للنظام طالبوه بإطلاق سراح القيادي اليساري الدكتور عبد العزيز الخيّر المعتقل داخل أحد أقبية النظام، مقابل إطلاق الثوار سراح عناصر الأخير الذين اعتقلوهم خلال معارك درعا الأخيرة.
لأول وهلة سيعتقد القارئ غير السوري أن في الأمر لبساً أو خطأ. إذ كيف لمقاتل يصنفه الإعلام العربي والسوري والغربي على أنه "إسلامي"، أو على أنه "متمرد" في أحسن الأحوال، أن يطالب بإطلاق سراح قيادي "شيوعي" يعتقله النظام منذ تسع سنوات تضاف إلى ثلاث عشرة سنة قضاها في معتقل "صيدنايا" كان فيها طبيب المعتقلين شبه الوحيد، وعالج ما يقرب من مئة ألف حالة مرضية في ذلك الوقت.
اثنتان وعشرون سنة إذاً قضاها الدكتور الخيّر في سجون الأسد الأب والابن يضاف إليها عشر سنوات من التخفي والملاحقة.
الاعتقال الأخير للخيّر جرى خلال توجهه من مطار دمشق الدولي إلى منزله في دمشق عائدًا من زيارة إلى الصين، وعلى ما يبدو فإن مباحثاته في الصين أقلقت النظام الأسدي فسارع إلى اعتقاله هو واثنين من زملائه، ورغم السنوات التسع على اعتقاله لم تسعَ الصين لإطلاق سراحه، في حين يشكك بعضهم في كون الصين السبب غير المباشر في هذا الاعتقال.
وسواء كان طرح اسم الدكتور الخيّر في مفاوضات ثوار درعا مع النظام صحيحًا أم لا فإنه مجرد فتح نقاش حوله من قبل ثوار درعا ووفدهم إلى المفاوضات يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أنهم ثوار وليسوا "عصابات مسلحة" أو "إسلاميين" مسلحين ذوي أجندة مذهبية، هذا إضافة إلى أن تداول الخبر يعيد إلى أذهان السوريين تلك النفحات العطرة الأولى القادمة من شوارع درعا الثائرة، كما يعيد للأذهان مطالبات معارضين سوريين للنظام بإطلاق سراح المخطوفات العلويات، وكلا المطلبين ينعشان الروح السورية الحقّة ويشكلان ترياقاً ضد سم الطائفية الذي يُضَخ دورياً في روح السوريين.

معركة درعا بين محاولة انقلاب على الملك عبد الله الثاني والمشاريع الاقتصادية

لكن الهجوم الأخير على درعا قد يكون له بعد عربي وإقليمي هذه المرة، فليس بعيدًا عن درعا، وإلى جنوبها حيث الأردن الذي ضاق ذرعاً بالحصار الدولي المفروض على النظام السوري، الأمر الذي كبّد هذا البلد خسائر فادحة من جراء إغلاق المعابر الحدودية مع سوريا، الأمر الذي زاد أزمة الأردن الاقتصادية المزمنة سوءًا، ودفع بتحركات عشائرية واجتماعية طالب بعضها الملك بالإصلاح، وجرت ما تشبه محاولة انقلاب داخل القصر بدعم جهات عربية، محاولة تم تطويقها بسرعة، ما دفع بالملك الهاشمي لزيارة واشنطن لطرح مشروع ينقذ فيه الاقتصاد الأردني إنما ليس دون التسويق لبشار الاسد وطرح مبادرة تبقيه في السلطة وتعيده إلى الجامعة العربية. لقد كانت محاولة الانقلاب على ما يبدو رسالة ضغط على الملك عبد الله الثاني من دول مجاورة لتغيير موقفه من نظام دمشق.

سيجري ذلك بالتضامن مع سلطات بلدين عربيين آخرين هما العراق ومصر، وبمباركة إيرانية ضمن ما سمي "مشروع الشام الجديد"، وهو مشروع اقتصادي كما قيل غير أن الاقتصادي ليس سوى الأساس الأعمق لما هو سياسي، وطالما أن الأمر على هذا النحو فإن الحديث عن خط الغاز العربي (المصري الإسرائيلي) الذي يعبر أراضي الأردن وسوريا ويمدهما بالغاز، وصولًا إلى تركيا ثم أوروبا، أعيد طرحه للتداول، سيكون مدخلًا قويًا لمشروع تثبيت الأسد، فهذان المشروعان الاقتصاديان "الشام الجديد" وخط الغاز العربي الإسرائيلي الذي يعبر أراضي الأردن وسوريا، لا يتمّان دون الشراكة مع "سوريا الأسد"، ولهذه الأسباب الاقتصادية مجتمعة ولأجل تثبيت الأسد وإعادة شرعنته لا بد من إنهاء حالة درعا الثورية وتسليم درعا بالكامل للنظام ليمد سيطرته عليها.

رغم معارضة روسيا أو اتخاذها موقف المتفرج، فالحملة الإيرانية الأسدية على درعا تؤكد أن مشروع الملك عبد الله يمضي قدماً بعد نيله موافقة أميركية مبدئية على ما يبدو، ويؤكد أن إيران ليست بعيدة عما يطبخ، واجتياح درعا وتهجير أهلها إلى الشمال السوري -كما طالب وفد مفاوض من درعا- سيكون من صالح شركاء خط الغاز العربي، وسيؤمن لإسرائيل في حال تهجير سكان مدينة درعا، سلامًا مديداً لها وللجولان، الذي أكد مسؤولون إسرائيليون أخيراً أنه لن يعود إلى سوريا أبدًا.

أخطر سؤال في الثورة والحرب

لكن معركة درعا الأخيرة بعد محاصرة النظام لها من كل الجهات وقصف بيوت سكانها رغم الهدنة بين الطرف الروسي ولجنة مفاوضات الثوار، يطرح أحد أهم أسئلة الثورة والحرب السوريتين وهو: لماذا تترك درعا وحيدة في معركتها مع النظام، فلا تساندها في ذلك منطقة مجاورة مناهضة للنظام؟

تكررت هذه الحال مئات المرات خلال السنوات العشر المنصرمة بحيث أن كل منطقة مناهضة للنظام كانت تنتظر أن يشن الأخير عليها حملة عسكرية حتى تصد عن نفسها، دون أن يساندها أحد من الجوار، الأمر الذي وصم العمل الثوري المسلح بالجهوية بل والمناطقية والارتهان للداعمين الإقليميين.
فهل السوريون مصابون بلعنة المناطقية والجهوية أيضا إضافة لإصابتهم بلعنة المذهبية والطائفية؟
وإلى متى تترك درعا وحدها، بعينيها تقاتل كل وحوش المنطقة ومشاريعها المشبوهة؟