حوارات دموية

2021.05.10 | 06:40 دمشق

whatsapp_image_2021-04-20_at_2.24.49_pm.jpeg
+A
حجم الخط
-A

ما يجري في المنطقة من تفاهمات بعضها فوق الطاولة وأغلبها أسفلها، هي جزء من التداعيات غير المفهومة للصراع الذي اندلع بين القوى الإقليمية إبان الربيع العربي الذي أخاف جميع حكومات العالم، دونما استثناء.. على الرغم من تأييد عدد من الدول له علانية ومعاداة بعضها الآخر له سراً أو علانية..

فالحوار المفتوح بين القاهرة وأنقرة وتسارع وتيرته يبدو أمراً غير مفهوم بل صادماً للبعض، فقبل أسابيع تبدل الموقف التركي من حكومة السيسي وبدأت السلطات التركية بترتيب أوضاع المعارضة المصرية المقيمة في أراضيها والحد من التراشق الإعلامي بين البلدين، وعلى الفور جلس الطرفان على مائدة الحوار لترتيب الملفات العالقة بينهما ابتداء من ليبيا ومروراً بسوريا ولبنان ووصولاً إلى ملف الإخوان المسلمين في تركيا..

يوزاي الحراك التركي المصري، حراك آخر اتخذ وضعية مخفية لفترة ولكن الرئيس العراقي أبرق الضوء فوقه معلناً عنه بكل فخر من يحتضن لقاء قطبي الصراع في الشرق الأوسط، السعودية وإيران، الدولتان اللتان عقدتا عدة جلسات حوار في بغداد، كانت مثمرة جداً على حد تعبير الرئيس العراقي، وربما كانت ثمار تلك الجلسات، هي في زيارة رئيس الاستخبارات السعودية إلى دمشق في الأيام الأخيرة، وليس لأحد أن يعرف إن كان الملف اللبناني وتشكيل الحكومة في بيروت ستكون انفراجة ما، أو ربما سيكون الملف اليمني هو البند التالي.

نجحت إيران في فرض أجندتها على طاولة فيينا، بحيث يدور التفاوض حول نسبة التخصيب وعدد أجهزة الطرد في كل مفاعل

يحدث كل هذا على إيقاع محادثات فيينا بين الدول الستة الكبرى وإيران، في محاولة لإعادة نظام طهران، إلى الاتفاق النووي المستجد، والذي سرت وصالت وجالت حوله إشاعات لا منتهية، حول إدراج الملف الصاروخي تارة فيه، إلى إدراج السلوك الإيراني العدائي والمنفلت في دول الشرق الأوسط، أو دعوة الدول المتضررة منه ليكون طاولة حوار دولية لحلحلة مسائل الشرق الأوسط المملة واللامنتهية.. ولكن مع انتفاء البنود الثلاثة المقترحة الأخيرة، نجحت إيران في فرض أجندتها على طاولة فيينا، بحيث يدور التفاوض حول نسبة التخصيب وعدد أجهزة الطرد في كل مفاعل، بشكل تقني بحت. فإيران أدركت التحولات الجذرية في المزاج الغربي من الملف الإيراني والتقطت بسرعة الإشارات الهامة من إدارة الرئيس بايدن حول نيته في إنجاز اتفاق نووي مستجد يقوض فكرة القنبلة النووية الإيرانية بحسب ادعائه..

لذلك سارعت واشنطن لإرسال فريق استخباراتي جاب الشرق الأوسط لطمأنة العواصم الحليفة الأساسية لواشنطن، تجاه الاتفاق النووي، عبر تجديد عهد الحماية اللامنتهي لها إن كانت تخشى التغول الإيراني على دولها..

إلى هنا كانت تعهدات واشنطن فقط، أي أنها ستقنع حلفاءها العرب بضرورة قبول فكرة سيطرة إيران على ما سيطرت عليه في العقد الأخير من الحروب.. ولربما كانت الحوارات بين الترك والمصريين والفرس والسعوديين، هي استطالات مطلوبة امتدت من فيينا، أي أنها طاولات حوار متعددة للمؤتمر ذاته، بمعنى أن نتائج الحوار بين الطاولات الثلاث ستكون مرتبطة بشكل كبير. فحلفاء واشنطن العرب يطبقون مبدأ المعاملة بالمثل مع واشنطن، على مبدأ لقد تخليتم عنا في المواجهة الكبرى فلم سنقف معكم في المواجهات الصغرى.

تلك المواجهات الصغرى، التي يراها البعض كذلك، هي مصير الشعوب العربية. وأحلامنا الديمقراطية التي ارتبطت بشكل خبيث بمصير السياسات الإقليمية.. عبر اتفاق غير معلن يتفاوض حوله المتفاوضون.. وهو باختصار: بقاء كل من نجا من عاصفة الربيع العربي في السلطة، من الطرفين... ودون استثناء، والتعاطي ببراغماتية فيما بين تلك الأنظمة. حيث تبدو واشنطن وهي تتجهز لمواجهة الجميع بملفات حقوق الإنسان والضغط على الجميع ضمن الورقة الأخلاقية التي لا يخشاها أحد بين العرب، فما قيمة التنديد والوعيد وشجب مؤسسات حقوق الإنسان المدنية لسلوكيات الحكومات التي صمدت أمام المعارك والتهديد العسكري..

الجميع بات مدركاً لهذه التوازنات التي ستسحق الشعوب، وتحمي الأنظمة القلقة والحائرة

قيم العالم تتغير، وروسيا والصين جاهزتان للدفاع عن أي نظام تهدده واشنطن أو يهدده شعبه. وواشنطن باتت حذرة من توريطها في مستنقعات الحروب التي إن ترافقت مع الكورونا فإن تداعياتها عليها ستكون كارثية، والغرب الأوروبي ينازع ويصارع للبقاء ضمن توازنات قد تطيح بريادته للمرة الأولى منذ مئات السنين.

الجميع بات مدركاً لهذه التوازنات التي ستسحق الشعوب، وتحمي الأنظمة القلقة والحائرة.. إذن لا ديمقراطية في المنطقة العربية حتى إشعار آخر، ويجب على الجميع القبول بالتنمية البشرية والاقتصادية بحسب المفهوم الصيني وإلا...

بكل الأحوال تبدو المنطقة رهينة تسويات إقليمية بين الدول الكبرى فيها، فالحروب المستمرة منذ عشر سنوات ربما تجد نهاية ترضي حكومات الأطراف المتصارعة، إقليمياً، لكن حتماً على حساب الشعوب التي ضحت واستنزفت في تلك الحروب، من اليمن وسوريا والعراق ولبنان وليبيا ومصر وفلسطين، حيث لا يوجد بند واحد على أي طاولة حوار يشمل مصير المعتقلين أو المهجرين أو الأسرى أو التقدم في إنجاز ما طالبت به الشعوب العربية من قضايا.. ولربما ستحمل قادمات الأيام لنا، طاولات حوار أشد غرابة، من مثل مشاركة الحوثي لحوار ما في أبو ظبي، أو زيارة أردوغان للقاهرة، أو ربما رؤية الجميع يقومون بالعمرة في مكة المكرمة وبرفقتهم ميشيل عون.