حواجز النظام.. لصوص باللباس العسكري

2021.12.07 | 05:22 دمشق

maxresdefault_1.jpg
+A
حجم الخط
-A

رغم كل خطابات النصر التي يرددها النظام السوري، إلا أنه ما يزال يحافظ على طابع الحياة العسكرية في جميع المناطق الخاضعة لسلطته، وذلك من خلال إبقائه على الكثير من الحواجز سواء داخل المدن أو على مداخلها أو بين حدودها.

وهذا المظهر العسكري يقصد منه بالدرجة الأولى الإبقاء على حالة الإرهاب والترهيب التي يتعمد النظام خلقها بين المواطنين والتذكير الدائم بإمكانية استخدام القوة ضدهم فيما لو صدرت منهم أية إشارة خارجة عن السياق المعتمد، وبالتالي فإن هذه الحواجز مخصصة لحراسة الصمت، لحراسة حالة الإذلال والعبودية التي يصر النظام على فرضها بالقوة كقانون وحيد يتحكم برقاب المواطنين..

جيش التنبيش وتسعيرة لكل حاجز..

في هذا الإطار، يمكننا تفسير حالة استمرار حواجز النظام بعد النصر المزعوم، على أنها مشاركة في الحرب الاقتصادية التي تلت النصر العسكري اعتماداً على كلام رأس النظام، أما كيف تشارك تلك الحواجز في تلك الحرب فمن خلال الإتاوات التي تفرضها على المواطنين، والمبالغ التي تتقاضاها منهم، ولربما كان ذلك ما قصده رأس النظام في حديثه عن طرق مواجهته للحرب الاقتصادية..

من هنا يمكن إطلاق مسمى جديد على جيش النظام وهو جيش "التنبيش"، وذلك بعد المسميات العديدة التي أطلقت عليه من مثل جيش التفييش ومن ثم جيش التعفيش، فاعتماداً

على مهمته الاقتصادية الجديدة، بات نطاق مجاله الحيوي هو تنبيش جيوب المواطنين العابرين من منطقة إلى أخرى وفرض مبالغ مالية عليهم مقابل مرورهم ومقابل حركتهم الاعتيادية.

لقد تحول هذا الجيش إلى ظاهرة تشبه ظاهرة "الفتوّات" التي انتشرت في مصر في التاريخ الحديث قبل قيام الدولة بشكل رسمي، والتي كتب عنها الروائي نجيب محفوظ العديد من الروايات وضّح من خلالها خطورة سيطرة مجموعات مارقة عن القانون على حي أو بلدة وفرض "الخوة" على سكانها تحت طائلة التهديد بالأذى والتعدي والضرب وحتى القتل بحق المعترضين، غير أن هذه الظاهرة تتكرر في سوريا القرن الواحد والعشرين عبر القوات الحكومية ذاتها، وبشكل أكثر عنفاً وتوحشاً وهمجية، وهي تخلو تماماً من نخوة الفتوة، وتقتصر على البلطجة وحدها..

ربما كانت ظاهرة وحيدة ومتفردة عبر تاريخ الجيوش والمخابرات، أن تتحول القوات التي من المفترض أن تطارد اللصوص إلى لصوص، لصوص لديهم كل السلطات وهم فوق المحاسبة، ذلك ليس غريباً على جيش قتل أبناء شعبه بدل أن يحميهم، ثم تحول إلى لص في العلن يسرق من لم يقتل على يديه، ولا يستطيع المواطن رفض طلبه أو الاعتراض عليه، بل على العكس، فعليه أن يدفع مبالغ مالية من دون أي مقابل لبلطجية حكوميين ومفروزين من العصابة الحاكمة لهذا الغرض بالذات، مع صلاحيات كاملة في التعامل مع المواطن كما يشاؤون بدءاً من السماح بإهانته وضربه واعتقاله وصولاً إلى قتله..

المفارقة هنا هي أن على المواطن الذي يتعرض للسلب من قبل تلك الحواجز، -وهو يعي تماماً أنها تسرقه بصورة مباشرة-، ليس أن يدفع ما يطلب منه وحسب، بل أن يشكر سارقه ويتصرف كما لو أن عناصر الحواجز قد فضلوا عليه بقبولهم للأموال التي أخذوها منه عنوة، ثم عليه أيضاً أن يرد "الجميل" لهم بمديح الجيش ووصفه بالباسل والوطني وحامي حمى الديار والضمانة الوحيدة لوحدة سوريا، وما إلى ذلك من التوصيفات المفروضة من قبل النظام نفسه وما على المواطنين إلا السمع والطاعة وترديد تلك الشعارات..

ميزانية ابتزاز..

الأمر ينطبق أيضاً على كل المواطنين الذين يودون العودة إلى بلدهم أو زيارتها، ففي جردة الحسابات والتكاليف التي يجب على المواطن أن يضعها في ميزانية رحلته إلى سوريا مجموعة من النفقات التي تدخل في حسابات خطة الأسد الإستراتيجية في الحرب الاقتصادية التي يخوضها اليوم بعد انتصاره العسكري، منها مبالغ مخصصة لفروع المخابرات بدءاً من اضطرار المواطن -حتى الموالي- للكشف عن اسمه في الفروع الأمنية وما إذا كان مطلوباً لها، ودفع المطلوب لقاء ذلك، مروراً بمبالغ الابتزاز التي عليه أن يحسبها بدقة قبل قرار الدخول إلى سوريا، وليس انتهاء بالميزانية التي عليه أن يخصصها للحواجز، ومن الطريف والمتوحش في آن واحد أن المواطن بات يعرف جيداً تسعيرة كل حاجز، تسعيرة حواجز الجيش، تسعيرة الجوية، تسعيرة الأمن العسكري، تسعيرة الفرقة الرابعة، وهكذا..، والأطرف/الأقسى، أنه بات على المواطن أيضاً أن يتعامل مع هذه الأسعار على أنها جزء من المصاريف الشهرية الاعتيادية التي يجب عليه أن يدخلها في ميزانيته..

عمن تبحث الحواجز؟

ليس ثمة منشورات لدى المواطنين في سوريا، ليس ثمة سلاح، ولا معارضون يمكن أن يخشى النظام جانبهم، حيث كل المعارضين في الداخل محكومون بالصمت والتظاهر بأنهم

مؤيدون، لم يبق أمام تلك الحواجز إذاً سوى التفتيش عن النوايا، غير أن المضحك أن عناصر الحواجز أنفسهم لم يعودوا معنيين حتى بالبحث عن المعارضين، فلا هم لهم سوى "الإتاوة"، أما المهددون بالقبض عليهم فهم فقط أولئك المطلوبون للانتقام، أو من تثبت عليهم تهمة الوطنية بالدليل القاطع، لأن ذلك فقط هو ما يشكل خطراً على العصابة الحاكمة..

لقد تحمل السوريون المؤيدون عشر سنوات مما سمّوه "الحرب على سوريا"، وفي أثناء تلك الحرب لم يعانِ هؤلاء كما يعانون اليوم بعد انتصار النظام، وأصبح حلمهم الأكبر مغادرة الوطن الذي طالما تغزلوا بقائده، وحكمة قائده، إلى أن قادتْهم تلك الحكمة إلى طريق الخلاص الوحيد وهو الهرب من تلك الجنة الموعودة، جنة الحواجز والابتزاز والتهديد، والأهم: الانعدام الكلي لأي أمل وأي مستقبل..

ثمة جائعون بين عناصر تلك الحواجز بالطبع، ولكن ذلك لا يبرر لهم أن يقتاتوا على المواطن الجائع أيضاً، ولكن أغلبهم نهمون وجدوا في الحرب الاقتصادية المزعومة وسيلة مضمونة للإثراء وجمع الأموال، وأصبح ذلك هدفهم الوحيد من خلال عملهم في الجيش والمخابرات، أما الوطن، فليذهب إلى الجحيم..