حماس واستئناف علاقتها بالأسد

2022.05.28 | 03:47 دمشق

hddbs.jpeg
+A
حجم الخط
-A

ظلَّت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" حريصةً على علاقات جيِّدة مع الدول الفاعلة في المنطقة، والدول العربية والإسلامية، عمومًا، وهي تحاول أنْ لا تخسر أحدًا، فقد دأبت، على رغم، اقترابها من إيران، على استبقاء شعرة معاوية مع الدول المناقضة لها، وأهمُّها السعودية، وهي كذلك تحافظ على علاقات جيِّدة مع تركيا، أما علاقتها بنظام الأسد فقد ساءت، بعد ثورة الشعب السوري عليه؛ ما أفضى إلى خروج الحركة، رسميًّا من سوريا.  إذ أعلن عضو المكتب السياسي لـ "حماس"، موسى أبو مرزوق، في فبراير/ شباط 2012، أنه غادر سوريا، مع باقي قيادات الحركة؛ احتجاجًا على "الحملة الوحشية" التي يشنُّها نظام بشار الأسد ضدَّ معارضيه.

 وحينذاك ألمح إلى أن عدم سعادة إيران بهذا الموقف سيكون له انعكاسٌ على طريقة تعاملها مع الحركة، في إشارة ربما للدعم المالي الذي قد ينخفض. وصاحَب ذلك موقف فعليّ؛ بمشاركة (رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة، آنذاك) إسماعيل هنية، (وكان ذلك في زمن حكم الرئيس الراحل محمد مرسي) في مسيرة حاشدة في القاهرة للمعارضين السوريين الداعين لإسقاط نظام الأسد، وقال هنية، خلال كلمة ألقاها في الجامع الأزهر، في القاهرة: "إذ أحيِّيكم وأحيِّي كلَّ شعوب الربيع العربي، بل الشتاء الإسلامي، فأنا أحيِّي شعب سوريا البطل الذي يسعى نحو الحرية والديمقراطية والإصلاح".

ومع ذلك، بقي بعض التبايُن داخل قيادات حماس، تُجاه الأوضاع في سوريا، إذ حافظت بعض القيادات على خطٍّ تصالُحي مع نظام الأسد، من خلال الاقتراب الواضح من إيران، أو على الأقل تعمَّدت الامتناع عن إصدار أيِّ إدانة لجرائم الأسد ضدَّ أبناء الشعب السوري؛ تحت ذريعة الامتناع عن التدخُّل في الشؤون الداخلية للدول العربية. كما كان من القيادي محمود الزهار، ثم من أسامة حمدان، ممثل الحركة في لبنان.

حركة حماس مُعرَّضة إلى تغيير بعض مواقفها، وقد تكون تتعرَّض لضغوط إيرانية، لتطبيع علاقاتها مع نظام الأسد

واليوم، وبعد استمرار نظام الأسد، وبعد الانقلاب على حكم الإخوان في مصر، وبعد التطورات الأخيرة في علاقة تركيا بحماس، ونظرًا لتواصل حماس القريب مع طهران، وزيادة انخراط الحركة الفعلي فيما يُسمَّى بمحور المقاومة، وعلى رأسه إيران، ومع حزب الله، مضافًا إليهما نظام الأسد، ومع إعادة تشكيل علاقاتها الإقليمية، ومحاولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الاستفادة من آفاق التعاون الإقليمي الواسع، وخصوصًا، اقتصاديًّا، فإن حركة حماس مُعرَّضة إلى تغيير بعض مواقفها، وقد تكون تتعرَّض لضغوط إيرانية، لتطبيع علاقاتها مع نظام الأسد.

وفي هذا السياق أعرب موسى أبو مرزوق، في تصريح لوكالة سبوتنيك الروسية، عن أمله في أن تتحسَّن العلاقة مع النظام السوري، وتعود إلى سابق عهدها. وفي الأسباب ذكر أن "الأساس في مثل هذه الأمور هو علاقتنا مع شعبنا الفلسطيني الموجود في سوريا".

ومن الواضح من خطابات قائد حركة حماس في غزة، يحيى السنوار، والناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة الانطلاق من كون الحركة جزءًا أصيلًا من التحالف مع إيران، في شأن المقاومة، أو بهذه الصفة. ونظرًا للتشابك الفعلي والواسع بين إيران وحزب الله، من جهة، ونظام الأسد من الجهة الأخرى، فإن الاستمرار في القطيعة الرسمية مع الأسد، قد يبدو مشهدًا غير متَّسق في الصورة الكاملة.

في المقابل حرص أبو مرزوق في تصريحاته الآنفة الذكر على إظهار ثبات العلاقة مع تركيا، إذ أكَّد أن "علاقات حماس مع تركيا مستقرة"، وقال إن "الحركة ملتزمة بالتفاهمات والاتفاقات"، مشيرًا إلى تعرُّض علاقات الحركة في أنقرة إلى ما اعتبره "تشويشًا كبيرًا؛ نتيجة سياسة تركيا بشأن تحسين العلاقات مع كلِّ الفرقاء في المنطقة".

قد تتعرَّض حماس لبعض الأضرار، لكن عند مقارنتها بوزن الأضرار الناجمة عن التحالف مع نظام إجرامي في دمشق، وعلى المدى البعيد، أيُّ الضررين أكبر؟

لكن صحيفة العربي الجديد/ الإنجليزية، نقلت عن مسؤولين كبار من حماس، في غزة، أنَّ تركيا شدَّدت قيودها على قادتها وناشطيها الذين يعيشون هناك، فضلًا عن ترحيل العشرات، ومنْع آخرين من الدخول.

وهنا سؤال مهم: هل حماس مضطرة إلى استئناف تلك العلاقة مع الأسد؟ وهل لو حافظت على مسافة منه ستتعرّض علاقتها بإيران للضرر؟

وبصيغة أصرح: هل تضحِّي طهران بورقة حماس، من أجل عيون الأسد؟

وماذا عن العامل الأخلاقي والإنساني، حتى لا نقول عامل الانتماء الذي يجمع أبناء فلسطين، ومنهم أبناء حماس مع الشعب السوري، وكلاهما يتعرَّض إلى أقسى أنواع القتل، (كما أظهرته مجزرة حيّ التضامن المروِّعة)، والظلم والتهجير والاعتقال والتعذيب، وغيره.

قد تتعرَّض حماس لبعض الأضرار، لكن عند مقارنتها بوزن الأضرار الناجمة عن التحالف مع نظام إجرامي في دمشق، وعلى المدى البعيد، أيُّ الضررين أكبر؟

ثم إن فلسطين، وهي تشغل هذه القيمة الرمزية والفعلية في شعوب المنطقة، تبقى قادرة على أن تكون المركز، ومَن يتخلَّى عنها، هو الأكثر خسرانًا، ليس قِيميًّا، فقط، بل استراتيجيًّا، أيضًا. وليست حماس بالرقم السهل في هذه المعادلة، ولا بالتي يمكن تجاهُلها، حتى مصر، وبرغم مخاضات نظامها السياسي البالغة التأزُّم والعمق، ومع اقتراب نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي غير المعهود من دولة الاحتلال، لم يستطع تجاهل حركة حماس. ومن المعلوم أن إيران شديدة الرغبة باستبقاء علاقتها مع الحركة (السُّنيَّة) في سياق محاولات تفنيدها الأبعاد الطائفية في سياساتها وأولوياتها، في المنطقة.

أما نظام الأسد فإنه لا يدَع فرصةً لمَنْ يفكّر في تغيير موقفه منه، إذ لم تنجح الجهود في إعادته إلى الجامعة العربية؛ على ما يعتري هذه الجامعة من اضطرابات، وخيبات، وخذلان، فأغلبُ الظنّ أن قيادة حماس تتعجّل (في أخفِّ التوصيفات) هذه الخطوة، وهي تُعرِّض نفسها لخسارةِ غيرِ قليلٍ من التعاطُف العربي والإسلامي والعالمي، وهي تتجاهل العواملَ التي أعلنتها سببًا للبُعْد عنه، وفي مقدِّمتها عدوانُه الوحشي على الشعب السوري. والأرجح أن هذه الخطوة لن تحظى باتفاق داخل صفوف الحركة، أو أنها ستترك ندبة في الاتِّساق الشعوري، وهم يرون هذا النظام المجرم ينجو، ويتجاوز عواقب ما اقترفه، ليس بحقِّ سوريين كثر، بل بحقِّ فلسطينيين أيضًا، وحَّد بينهم الأسد، في التنكيل والانتهاك، فوق توحُّدهم في الانتماء والشعور.