حماس في روسيا لماذا الآن؟ وما علاقة سوريا؟

2020.03.06 | 23:04 دمشق

lvl220200302094244346.jpg
+A
حجم الخط
-A

قام وفد رفيع المستوى من حركة حماس ضم رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية ونائبه صالح عاروري بزيارة للعاصمة الروسية موسكو أوائل آذار الجاري التقى خلالها وزير الخارجية سيرجي لافروف ونائبه المبعوث لمنطقتنا ميخائيل بوغدانوف ونواب ومسؤولين روس آخرين، حيث ناقش الوفد معهم، كما قال بيان رسمي للحركة ثلاث ملفات أساسية هي المصالحة الفلسطينية وصفقة القرن الأميركية والعلاقات الثنائية.

بداية لا بد من الإشارة إلى أن موسكو ماطلت فى تحديد موعد للزيارة، فبعد استضافة الحكومة الروسية حواراً فلسطينياً في شباط من العام الماضي رفضت حركة حماس التوقيع على البيان الختامي بسبب الخلاف على بند يعتبر منظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني ما أفشل الحوار، وأثار غضب القيادة الروسية التي حملت الحركة المسؤولية، وقررت عدم دعوتها مرة أخرى إلى موسكو وخلال العام الماضي وبعد تسريبات وتكهنات عن توجيه الحكومة الروسية دعوة إلى هنية لزيارة موسكو نفى بوغدانوف ذلك رسمياً. وقال إنها ليست على جدول الأعمال وقيل في التحليلات أن التصريح يعبّر عن استمرار الغضب الروسي من الحركة كما قيل أيضاً إنه جاء تلبية  لطلب من سلطة رام الله بعدم استقبال وفد حماس بعد تعثر عملية المصالحة، ولعدم التأثير على الوساطة والجهود المصرية بهذا الخصوص.

لكن على نحو مفاجىء وقبل أيام فقط أي في نهاية شباط تم الإعلان عن الزيارة المريبة من حيث التوقيت، وبدت العلاقة واضحة مع التطورات الأخيرة في سوريا، وقيام جيش الاحتلال الروسي، وبقايا جيش النظام والميليشيات الإيرانية "الموتورة" بعملية

روسيا تعمدت دعوة حماس في هذا الوقت بالذات للتغطية على جرائمها في إدلب وحلب، وكان لافتاً جداً أن تتزامن الزيارة مع تقرير لجنة تحقيق أممية اتهمت روسيا - وجيش النظام - بارتكاب جرائم حرب متعمدة ضد المدنيين ومؤسساتهم وممتلكاتهم الخاصة

عسكرية ضد المدنيين بمحافطتي إدلب وحلب في انتهاك فظ لاتفاق سوتشي ومناطق خفض التصعيد، العملية شهدت استهدافا متعمدا للمؤسسات المدنية ما أدى إلى نزوح مليون مواطن سوري على الأقل من بيوتهم وبلداتهم باتجاه الحدود التركية.

لا أشك لحظة أن روسيا تعمدت دعوة حماس في هذا الوقت بالذات للتغطية على جرائمها في إدلب وحلب، وكان لافتاً جداً أن تتزامن الزيارة مع تقرير لجنة تحقيق أممية اتهمت روسيا - وجيش النظام - بارتكاب جرائم حرب متعمدة ضد المدنيين ومؤسساتهم وممتلكاتهم الخاصة. وللمفارقة فإن اللجنة تابعة لمجلس حقوق الإنسان الذي شكل عدة لجان تحقيق في الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني وقوبلت خلاصاتها وتوصياتها بحفاوة من حماس والفصائل، وحتى من قيادة السلطة الفلسطينية نفسها.

لا شك كذلك أننا أمام استخدام كلاسيكي للقضية الفلسطينية وعدالتها لتبييض صفحة أنظمة الاستبداد والتغطية على جرائمها ضد شعوبها، كما ضد شعوب أخرى، كما تفعل روسيا في سوريا والقرم وأوكرانيا.

أما فيما يتعلق بالأجندة فلا أعتقد أن شيئاً جدياً وعملياً سينتج عن الزيارة لأن روسيا ليست بوارد الانخراط في جهود المصالحة الفلسطينية المتعثرة أصلاً لأسباب ذاتية والتي عجزت حتى صفقة القرن – على كارثيتها - عن تحريكها أو تذليل العقبات أمامها.

وفيما يخص صفقة القرن فالموقف الروسي منها جد خجول ولا يتجاوز الحديث السياسي الدبلوماسي العام والفضفاض، وموسكو لم تبدِ الاستعداد الجدي لمواجهتها أو تقديم مقترحات ومشاريع مضادة لها في مجلس الأمن أو أي من المؤسسات الدولية الأخرى.

 هنا لا بد من التذكير بسحب السلطة الفلسطينية مشروعها المعارض والمدين للصفقة في مجلس الأمن بعد موقف روسي دولى وحتى عربي غير مبالٍ أو باردٍ في أحسن الأحوال، وغير راغب في التصدي لإدارة ترمب المنحازة لإسرائيل والمتجاوزة للقانون الدولي.

لا بد من الانتباه كذلك إلى ما يقوله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دائماً عن تعاون القيادة الروسية معه ضد إدارة باراك أوباما في مجلس الأمن-2016- لمنع إصدار قرارات ضد الدولة العبرية، وجرائمها الممنهجة بحق الشعب الفلسطيني.

إلى ذلك تحدثت الصحافة الإسرائيلية الأربعاء-4 آذار- عن رغبة حماس في الاستعانة ببوتين للضغط على نتنياهو من أجل الالتزام بتفاهمات واستحقاقات التهدئة في غزة. إذا صح هذا فإنه بالتأكيد ساذج أو منفصم عن الواقع فى أحسن الأحوال لأن بوتين فشل في إقناع نتنياهو بلقاء محمود عباس في موسكو، رغم ترحيب وحتى اندفاع هذا الأخير للقاء.

في بند العلاقات الثنائية جرى الحديث عن دعوة روسيا للقيام بمشاريع إنسانية وإغاثية والمساهمة في رفع أو تخفيف الحصار الإسرائيلي ضد غزة، وبعد تحولها فعلاً إلى مكان غير قابل للحياة، كما تقول الأمم المتحدة علماً أن القضية لم تكن مطروحة يوماً على جدول الأعمال الروسي بشكل جدي.

عموماً في الأخير، يمكن تفهم واستيعاب موقف أو مبررات حماس للزيارة، وعلى الأقل وضعها في سياق سياسي، حيث إن روسيا دولة عظمى ولو من الدرجة الثانية – حسب التعبير الشهير والساخر لباراك أوباما - كما يمكن تفهم دوافع الحركة ورغبتها في القيام بواجباتها وبذل كل الجهود الممكنة من أجل مواجهة وإفشال صفقة القرن الهادفة لتصفية القضية، والتمسك فى المقابل بالثوابت والحقوق الفلسطينية المشروعة.

ومع ذلك يجب على الحركة الانتباه للاستغلال الخبيث للزيارة من أجل التغطية على الجرائم الروسية الموصوفة في سوريا، وهو ما اتضح جلياً عبر الاحتفاء المبالغ به من قبل الحشد الشعبي الإعلامي الروسي وحتى الإيراني، ما يقتضي ضرورةً لموقف أو بيان أو حتى تصريح من حماس داعم لعملية درع الربيع وحق تركيا في الدفاع عن أمنها ومصالحها، وحماية المدنيين السوريين ووقف جرائم النظام وروسيا بحقهم، وفي الحد الأدنى دعم الجهود السياسية والدبلوماسية التركية للالتزام باتفاق سوتشي، والتهدئة في مناطق خفض التصعيد وصولاً إلى عملية سياسية وفق قرارات الأمم المتحدة مع التأكيد على حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه على كامل ترابه الوطني، تماماً كما تطالب حماس لنفسها وللشعب الفلسطيني.