حماة.. إدلب.. المجازر مستمرة

2020.02.05 | 23:13 دمشق

2018-04-20t131147z_1005953696_rc146215a0d0_rtrmadp_3_mideast-crisis-syria.jpg
+A
حجم الخط
-A

ليس من السهولة الحديث عن مجازر حماة في ذكراها هذا العام، بعدما مرَ عليها ثمان وثلاثون سنة، ومع أن ما كُتب عنها ليس بالقليل، إلا أن ما ظهر من معلومات وما نُشر من أسرار، يجعل إعادة دراستها عملاً في صميم مايحدث للثورة السورية اليوم، فنتائجها لاتزال تفعل فعلها راهناً لتشمل الأرض السورية كلها، بل تكاد تُطل برأسها على الوطن العربي، وربما منطقة الشرق الأوسط.

 أظننا نرى ونسمع أصداء استمرار التدميرالذي تستلذ به عنجهية قوة التدمير الشامل وإذلال المستضعفين، طالما أن المحاسبة للبرابرة المتوحشين غائبة، وقوانين الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب تنفذ وفق ما يُقال: فيك الخصام وأنت الخصم والحكم...

في المقلب الآخر فإن ما يجعل العودة إليها ليس فقط استعادة للذكرى، وإنما بسبب ضعف استخلاص دروس العمل السياسي والثوري مما وقع، فمع أن ما حدث مثَل كارثة إنسانية قلَ مثيلها تاريخياً إلا أنَ- وللعجب- لم تعتبر النخبة السياسية والثقافية السورية منها ما كان يجب أن يوظف  في التعامل مع ثورة آذار 2011 ، وكأن النظام الأسدي وحده هو من أخذ العبرة وحفظ الدرس وقطف ثمار نجاحه في إبقائه متربعاً على عرش سورية ومراهناً عليه لتحويل سورية إلى الأبد تحت اسم المملكة الأسدية السورية.

أما الدرس الثاني فهو: القضاء على أي نشاط ديموقراطي، ودفع الثائرين لردود الفعل الطائفية والشعارات الإسلامية المتطرفة.. فقد نصب نظام الأسد الأب فخاً لديموقراطيي حماة من خلال اجتماع بالمركز الثقافي

ألم يرُد بشار على من حذره من الحل العسكري بعد اندلاع المظاهرات السلمية لثورة آذار، بأن ذلك الحل هو ما أبقى والده على كرسي الحكم وسمح بتوريثه له بعد ذلك؟! وهو ما سيترك الكرسي تحتهم إلى الأبد، أما إن سها بعضٌ من بطانته عن ذلك الدرس فإن النفوذ الإيراني -الذي كفل دعمه ومساندته في حال ضعفت سيطرته على الأمور- كفيل بخلق الظروف المناسبة لنجاح حلِ حماة كما نجح في المرة الأولى.. وهكذا بدأ بشار وبطانته يَتلون دروس حماة ويمشون في طريقها خطوة خطوة. منذ أن فاحت رائحة مطالبة الشعب بالتغيير، أما تلك النخبة والتي كان عليها أن تبدأ وقبل اندلاع الثورة العفوية بالتحضير الجاد لتلك الدروس، فكأنها لم تسمع بحماة، صحيح أن ما حدث في ظروفه الداخلية والخارجية كان أكبر من أي تحضير، إلا أن النتائج مع التحضير، ربما، كانت ستعطي حالة أقل مأساوية.

أما الدرس الأول فكان ضمان الموقف الدولي ولاسيما موقف الدولتين العظميين منه، لم يكن الأسد محتاجا لسبر رضا روسيا،، فهي مضمونة مسبقاً بما لها من مصالح في شرق البحر المتوسط ومن خلال تشابه النظامين، أليست حماة مثل غروزني الشيشانية؟! أوليست مدن سورية الثائرة اليوم تشابهها أيضاً، وأمريكا التي أعطى داهيتها " كيسنجر" الضوء الأخضر لوالده عندما شكا له اضطراب مدينة حماة وخشيته منها، ووفَى له بتكميم أفواه وزارة الخارجية الأمريكية بعد البيان الذي أشارت فيه إلى أحداث تجري في حماة، وبعدها سكت الإعلام العالمي كله ونسيت البشرية ما حدث بحماة ، فلِمَ تتذكر اليوم ما سيحدث بسوريا؟ ألم تتكرر التصريحات الأمريكية بأنها لاتريد إسقاط النظام إنما تتمنى إصلاحه، والأسديون أعلم بما تريده أمريكا من معنى الإصلاح الذي تعلن عنه.. وهكذا ضَمٍن الوريث كوالده الموقف الدولي المؤثر وتجاهل من بقي من المجتمع الدولي الذين ليسوا بذي بال،  فهناك من يماثلونهم في التأثير العالمي  ممن يؤيدونه.. فهل وعت النخبة السياسية السورية هذا الدرس وأوجدت طُرق معالجته؟

أما الدرس الثاني فهو: القضاء على أي نشاط ديموقراطي، ودفع الثائرين لردود الفعل الطائفية والشعارات الإسلامية المتطرفة.. فقد نصب نظام الأسد الأب فخاً لديموقراطيي حماة من خلال اجتماع بالمركز الثقافي، طلبت السلطات وقتها أن يتحدث  من أراد عن المطالب التي يريدها وضمنت لهم الحرية التامة في ذلك، وتحدث الديموقراطيون وقدموا برامجهم الإصلاحية، وكانت النتيجة أن سيقوا جميعاً للذبح أو الاعتقال القاتل أوالتهجير بالترعيب أو الترغيب.( فحوادث ملاحقة الحراك النقابي الذي كان يُصدر البيانات تحت شعار" الدين لله والوطن للجميع" معروفة وموثقة، كما أن مقتل الدكتور عمر شيشكلي وإلقاء جثته على طريق منتجع "أبو قبيس" ذي التركيبة السكانية العلوية من أجل إثارة الطائفية، ومقتل الدكتور الخاني بعد تعذيبه وقلع عينيه، وغيرهم الكثير).. وهكذا فرغت حماة من الأصوات الديموقراطية أفراداً وتجمعات سياسية أو نقابية، كذلك فعل الوريث فقص العشب الديموقراطي النامي مرة بعد الأخرى بالاعتقالات والترعيب وملاحقة المنتديات الهادفة إلى توعية الجمهور بمشكلاته وبدوره في حلها، منذ اشتم رائحة النضال الديموقراطي في لجان المجتمع المدني وبيانات إعلان دمشق الذي طالب بإصلاح تدريجي سلمي، لتخلو الساحة من أصواتهم وتلعلع أصوات التطرف الطائفي والجهل والإرهاب الذي صنَع معظمه.. فماذا فعلت نخبتنا لتدارك مثل هذا المصير؟

والدرس الثالث وهو الأكثر أهمية.. موقف جيش النظام، القوة الضاربة بيد الأسد التي جرَبها بحماة وأعطته نتائج باهرة، لقد تشبعَ ذلك الجيش بعقيدته القتالية الأسدية والتي بُني عليها الجيش العقائدي(كما كان يُسميه النظام الأسدي): الأعداء هم كل من يُنازع الأسد على كرسي السلطة، فالأسد هو ثورة الكادحين وهو المقاوم الشرس للمخططات الامبريالية-الصهيونية وهوالوطن وهو سوريا.. ولذا فإن كلَ من يعاديه يرتكب الخيانة العظمى ويستحق مايوقعه عليه من أفانين الوحشية، وهكذا كان الجندي السوري، وبخاصة إن كان من الفرق والكتائب المصطفاة، يذبح الأطفال ويقطع أيدي النساء وآذانهن من أجل الحلي ويغتصب النساء ويتلهى باصطياد الرجال ولعلعة النيران بأجسادهم لينال رضا ضباطه وآمريه.. بل وصل بعض أولئك الضباط إلى اختراع طُرق للهو بالإذلال والقتل والتمثيل بالأحياء مما لايدركه خيال أعتى المرضى الساديين بالتاريخ الماضي والحاضر، فهل استوعبت نخبتنا أن هذا الجيش بتلك البُنية يمكن أن يُشابه الجيش التونسي أو المصري أو الجزائري أو أي جيش وطني بعالم اليوم؟ هل أدركت المشقة الكبرى التي سيعاني منها العسكري المنشق وعائلته حتى لا يرتمي بحضن من تختلف أجنداته عما يُضحي السوريون من أجله؟ وأن مثل هذا الجيش المجرب بحماة لايمكن أن يتعامل مع حمص ودرعا والغوطة وحلب ودير الزور وإدلب إلا بأسوأ مما تعامل مع حماة؟

أما الدرس الرابع.. فهو المحاسبة، صحيح بأن بعض المناضلين نشطوا بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان مع بدء الثورة كالروائع رزان ورفاقها، ولكنَ مركزاً واحداً لم يكن كافياً ولا اثنين أو ثلاثة

أما الدرس الرابع.. فهو المحاسبة، صحيح بأن بعض المناضلين نشطوا بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان مع بدء الثورة كالروائع رزان ورفاقها، ولكنَ مركزاً واحداً لم يكن كافياً ولا اثنين أو ثلاثة، ما حدث ويحدث يلزمه عشرات المراكز التي تملك الوثائق المعترف بها لإدانة هذا النظام دولياً وسورياً فيما بعد، وبأسماء مرتكبيها كائناً من كانوا، ولو أُتيح مثل هذا التوثيق لِما جرى بحماة ، ولو حوسب النظام على أفعاله الإجرامية وقتها، بل لو حوسبت الطليعة المقاتلة للأخوان المسلمين بمحاكم عادلة، ربما كانت مدن سوريا كلها اليوم آمنة، صحيح أن بعض الناشطين اليوم تداركوا الموقف مؤخراً وحققوا نتائج جيدة لكن ما حدث ويحدث أكبر من ذلك بما لايُقاس والمطلوب تعاوناً أكبر من كل من يستطيع فعل شيء من أجل التوثيق والمحاسبة أن يتقدم للعمل.

أما درس دفع المعارضة للتسلح وتيسيره لهم كما حدث بحماة، والذي أعاد توظيفه الأسد الإبن بنجاح منقطع النظير، فهل كان بإمكان الثورة السورية تجنبه؟ حتى لوبذلت النخبة كل ما تملك من إمكانيات أم أن دورها، لو وعت الدرس، كان يمكن أن يتحول إلى ترشيده والإقلال من نتائجه المدمرة ما أمكن ذلك.

هناك دروس أخرى متعددة كالإعلام، والتهجير، وما ذُكر قد يكون الأهم والأكثر مشاركة بين ما حدث سابقاً في حماة وما يحدث اليوم في مدن سورية وأريافها، وفي المقدمة الآن إدلب،  فالمجازر مستمرة وصارمن المشروع القول: لولا حماة ما وصل السوريون إلى إدلب اليوم، فهل بدأت نُخبنا وشبابنا مراجعة تلك الدروس لتجنيب من بقي من السوريين ما بعد إدلب وما بعد بعد إدلب؟ أم أن الأوان قد فات؟

 

كلمات مفتاحية