حلف تركي إيراني استراتيجي؟

2021.11.21 | 05:52 دمشق

000_9rn9lx.jpg
+A
حجم الخط
-A

هي ليست المرة الأولى التي نسمع فيها من يعرب في تركيا وإيران عن رغبته في تعزيز التعاون الثنائي والإقليمي وتحويله إلى تحالف استراتيجي. لكن المقبول أكثر بعد زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو المفاجأة والخاطفة لطهران بدعوة من نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان هو اللغة التي تتحدث عن "حوار مهم ومفيد في مثل هذه الظروف التي تمر بها العلاقات والأجواء في المنطقة" من أجل تطويرها. الهدف الآن هو عقد مباحثات مكثفة على مستوى الدبلوماسيين والخبراء "لصياغة خريطة طريق جديدة للتعاون الطويل الأمد"، بهدف إنجازها وتجهيزها للتوقيع مع اقتراب موعد توجه الرئيس التركي إلى العاصمة الإيرانية قبل نهاية العام الحالي.

قبل أسابيع كنا نتحدث عن تصعيد تركي إيراني على أكثر من جبهة في سوريا والعراق وعن غضب إيراني من سياسة تركيا في جنوب القوقاز المنفتحة على روسيا وأذربيجان على حساب طهران ومصالحها في الإقليم. واليوم حتى ولو سمعنا من طهران من يحدثنا عن عقوبات أميركية جائرة ضد إيران وتعاون يتحول إلى مشروع حلف تركي إيراني إقليمي جديد وضرورة التعاون المشترك لإيجاد حل سياسي في سوريا، فالمسألة ليست سهلة لأن حجم ملفات الخلاف كثيرة ومتشعبة وما زالت تنتظر كعقبات وحواجز في طريق تحسين العلاقات.

من الممكن أن يكون المعلن هو وضع رؤية استراتيجية، وتطوير خريطة طريقٍ شاملةٍ للتعاون بين البلدين لكن هل من المعقول تجاوز هذا الكم الهائل من ملفات الخلاف والتباعد ودفع العلاقات بمثل هذه السهولة والسرعة نحو تعاون استراتيجي ثنائي في الإقليم؟ زيارة جاويش أوغلو تأتي وسط أجواء توتر تركي أميركي وإيراني أميركي، وتقارب وحوار تركي عربي، وحديث عن طريق تجاري خليجي جديد يمر عبر إيران، وخط طاقة جديد من تركمنستان إلى أذربيجان يضم قرقزستان وتركيا ويتقدم باتجاه العمق الآسيوي والأوروبي على السواء، وزيارة تبعها قمة الجمهوريات التركية حيث سمعنا بضرورة الوحدة الاقتصادية والاستراتيجية بين المجموعة. الأقرب للطرح والمناقشة سيكون بحث سبل التفاهم على خارطة تعاون تبعد التوتر والشحن المتزايد في العلاقات الثنائية والإقليمية.

هل ستتجاهل بقية القوى الإقليمية والدولية أن يتحول السباق والتنافس التركي الإيراني إلى تفاهمات على ملء الفراغ الإقليمي الأميركي؟

صحيح أن هذا الانفتاح بين القوتين الإقليميتين الكبيرتين في الشرق الأوسط قد يكون له دلالاته وتداعياته على المنطقة. وحتما سيسهم الحوار التركي الإيراني في تخفيف التوتر الإقليمي في ملفاتٍ كثيرةٍ. وهناك سؤال ينتظر إجابة عليه هل نقل جاويش أوغلو من طهران رسائل إلى لبنان وبالعكس حول فرص التهدئة هناك وتخفيف التوتر الإيراني السعودي؟ لكن الصحيح أيضا هو وجود خلافات وتباعد حقيقي في الرؤى بين أنقرة وطهران حول قضايا مركزية بينها ملفات الأزمة في سوريا والعراق واليمن ولبنان والقوقاز. وأن جاويش أوغلو يغادر طهران متوجها إلى بيروت وأردوغان يتلقى اتصال شكر من نظيره الإسرائيلي على الجهود التي بذلت للإفراج عن الزوجين الإسرائيليين المتهمين بالتجسس على منزله في إسطنبول، ووزير الداخلية التركي سليمان صويلو في الإمارات لبحث ملفات أمنية ثنائية وإقليمية. إلى جانب سؤال ينتظر إجابات عليه، هل ستتجاهل بقية القوى الإقليمية والدولية أن يتحول السباق والتنافس التركي الإيراني إلى تفاهمات على ملء الفراغ الإقليمي الأميركي خصوصا إذا ما كانت التفاهمات ستتم على حساب نفوذ هذه الدول؟

حقيقة إن تراجع النفوذ والدور الإقليمي العربي أعطى أنقرة وطهران فرصاً استراتيجية كبيرة للتموضع والتمدد أكثر فأكثر داخل المساحة الجيوسياسية والجيواقتصادية العربية. حقيقة أخرى أن الانتشار التركي الإيراني على خط صنعاء ومقديشو لا يتم في إطار تقاسم جغرافيا أو نفوذ بل هناك مواجهات تدور بينهما في السر والعلن ومع ذلك لم تنجح القوى العربية في كسب أحدهما إلى جانبها لقلب المعادلات والتوازنات. فهل التحرك التركي الإيراني الجديد هو لقطع الطريق على احتمال من هذا النوع وتقديم مصالحهما على أي سيناريو انفتاحي تركي عربي أو إيراني عربي في الإقليم؟ وهل البديل لذلك بعد تراجع النفوذ الأميركي هو التقارب العربي مع إسرائيل أو روسيا مثلا؟

الهدف التجاري المعلن في العلاقات التركية الإيرانية هو 30 مليار دولار سنويا لكن الأرقام الرسمية المعلنة لا تصل إلى النصف حتى. الذريعة هي وباء كورونا لكن الحقيقة الثالثة تقول إن السبب هو الاصطفافات الاقتصادية المتباعدة بين البلدين في الأعوام الأخيرة.

هناك عربيا من يتلهى بموضوع عامل ودور العرق والدين والإيديولوجيات في التقارب التركي الإيراني وأن كلا البلدين في خندق واحد ضد المجموعة العربية، لكن الحقيقة الرابعة هي عامل الواقعية أو البرغماتية المحمية في علاقاتهما التي تفور نحو الذروة ثم تتراجع وتهدأ حتى العمق حيث يجدان أن مصالحهما الاقتصادية عرضة للخطر. عندما تقف أنقرة وطهران إلى جانب قطر في أزمة الخليج فعلى البعض عربيا أن يبحث عن السبب في مكان آخر بعيدا عن محاولة الاكتفاء برمي الكرة في ملعب الاصطفافات والمخاطر التركية والإيرانية على الإقليم.

الهاجس التركي والإيراني حيال أي مشروع انفصالي كردي في العراق وسوريا يقربهما لكن ردة الفعل العربية حيال تفتيت البلدين لم نرصدها بما فيه الكفاية. تجاهلت طهران التحرك التركي الاستراتيجي في طرابلس الغرب والدعم الواسع المقدم لحكومة الوفاق لأنها كانت تعرف أهمية ارتدادات ذلك على مصالحها وحساباتها الخليجية والاصطفافات التي تخوضها مع العديد من العواصم العربية فظهرت الأمور وكأن هناك حالة من التنسيق التركي الإيراني في ليبيا مع أن التحرك العربي المفقود هو من يتحمل مسؤولية ذلك. يبدو أن الإمارات بعد قطر هي من تنبه لهذه الخرائط الاستراتيجية الجديدة ولذلك نراها تذهب وراء تحسين علاقاتها مع تركيا وإيران في وقت واحد.

لماذا لم تستغل طهران فرصة تصفية علاقاتها مع حكومة العدالة والتنمية وتدعم إضعاف تركيا في ملفات إقليمية عديدة كان على طرفي نقيض واضح في التعامل معها كما حاول أن يفعل البعض؟

تقول التقارير الدبلوماسية في أنقرة إن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف أجرى ثلاثة اتصالات بنظيره التركي مولود جاويش أوغلو ليلة وقوع المحاولة الانقلابية الفاشلة قبل 5 سنوات معلنا دعم بلاده للشرعية في تركيا. لماذا لم تستغل طهران فرصة تصفية علاقاتها مع حكومة العدالة والتنمية وتدعم إضعاف تركيا في ملفات إقليمية عديدة كانت على طرفي نقيض واضح في التعامل معها كما حاول أن يفعل البعض؟ الإجابة لا بد أن تأخذ بعين الاعتبار أسباب الحديث عن تنسيق استراتيجي تركي إيراني طويل المدى وأصوات تركية إيرانية تتحدث عن ضرورة التعاون لقطع الطريق على سيناريوهات أصعب قد تواجههما في المرحلة المقبلة.

تقول القصة إن رجلا ذهب إلى الحلاق يدعوه لقص شاربه الذي تعب من الاعتناء به لسنوات طويلة. ولما استغرب الحلاق قال له "استيقظت من نومي وفأرة صغيرة تعبر بسرعة البرق فوق الشارب فلا بد من تلقينها الدرس كي لا يتحول الأمر إلى مربض فرس". ذهب الشارب بالرخص فالفئران حتما لم تتعظ لأن ما كانت تبحث عنه هو صحن الطعام المنسي على مقربة من السرير. تغليب لغة المصالح هو الذي تحكم في أكثر الأحيان برسم مسار العلاقات التركية الإيرانية.