حلب الشهداء ترفض زيارة العيد

2022.07.13 | 06:30 دمشق

زيارة بشار الأسد لحلب
+A
حجم الخط
-A

حلب درة الشمال السوري، إحدى أكثر المحافظات السورية سكاناً، ومن أعرق المدن المأهولة في التاريخ ويقدر تاريخها بنحو 7000 عام، حيث لم يغب دورها الإنساني ولا الحضاري عبر مسار تاريخها، واكتسبت أهميتها الاستراتيجية من كونها ملتقى الشرق والغرب، تجارياً وحضارياً وثقافياً وسياسياً، وحافظت على قوتها الاقتصادية ولطالما وصفت بأنها العاصمة الاقتصادية لسوريا، فهي تسهم في ربع الناتج الإجمالي المحلي السوري تقريباً وحصتها من الصادرات السورية يصل إلى النصف بشكل تقديري، وعُرفت بصناعاتها العريقة كصناعة النسيج ومشتقاته وصابون الغار والزيوت، وتطورت صناعاتها مع تطور التكنولوجيا لتشمل الآلات والمعدات والكهربائيات، وصياغة الذهب والمشغولات الثمينة. ومن منظور آخر حلب غنية بثروة فنية وثقافية وأدبية وقيمية، أكسبتها هوية متكاملة الأبعاد، فقد كانت عاصمة "للعموريين" قبل الميلاد، وفي الحقبة المسيحية وصلت حلب إلى "أبرشية" وبنيت فيها كاتدرائية لازالت شاهدة حتى الآن، ثم احتلت صدارة المدن في عهد الأمويين، وأصبحت عاصمة "للحمدانيين". وكلما تراكم الزمن ضاعفت حلب من إنجازها الحضاري والإنساني عبر أجيالها المتعاقبة وأسواقها المتطورة باستمرار، وما أن استولى حافظ الأسد على حكم سوريا حتى بدأ يعيد صياغة المجتمع من جديد من خلال الأدوار التي تلعبها المدن والمكونات والعائلات والأفراد في سوريا، وعلى اعتبار حلب تمتاز بمكانتها وأموالها ودورها فقد كانت من أول أولويات نظام الحكم الجديد، ولكن هذه الأولوية ليست بالتنمية والتطوير بل بالنهب والإفساد والتضييق، واستمرت معاملة الحاكم لحلب في صيغ ضمنية وتحت شعارات تنموية اشتراكية واجتماعية ولكن نتائجها كانت سلبية ومعرقلة لنمو حلب، حتى وصلنا إلى عام 1980 حين استباح جنود الأسد الأب المدينة ودخلت في برنامج عقاب جماعي في مختلف مناحي الحياة، الإدارية والخدماتية والاقتصادية والثقافية والسياسية، بالإضافة إلى حملة الاعتقالات المحمومة للآلاف من الناس بتهمة مركبة وجاهزة، وهي شبهة الإخوان المسلمين.

ولم تكن علاقة الأسد الوريث مع حلب بأفضل من علاقتها بأبيه، مع اختلاف الأدوات وتغير السياق العام، فقد عمد بشار الابن إلى تفتيت البنية المجتمعية وتشويه الوجه التجاري والصناعي

ولم تكن علاقة الأسد الوريث مع حلب بأفضل من علاقتها بأبيه، مع اختلاف الأدوات وتغير السياق العام، فقد عمد بشار الابن إلى تفتيت البنية المجتمعية وتشويه الوجه التجاري والصناعي من خلال بناء شبكات أعمال جديدة عبر الفساد المدعوم من أجهزته الأمنية، وتصنيع شخصيات ضعيفة وفاسدة وفاقدة لتاريخ العمل والخبرة لتتصدر المشهد الاقتصادي، مما دفع بالكثير من رجال الأعمال الحقيقين إلى الهجرة وتهريب أموالهم لتنجو من منظومة الفساد الجديدة.

وما إن اندلعت الثورة  المباركة على امتداد الأرض السورية، حتى أعلن الأسد بلسان قواته الأمنية "الأسد أو نحرق البلد" ولكن نصيب حلب من الحرق والتدمير كان نصيب الأسد مع الأسف الشديد، فقد دمرت قواته حلب بنسبة تصل إلى 75٪ ولم يدخر نوعاً من الأسلحة إلا وضرب بها المدينة وريفها، والشواهد كثيرة جداً، من "جبل بدرو" في حي الصاخور حيث أطلق عليه الصاروخ  المدمر "سكود" وذلك بتاريخ 17/2/2013 والذي لا تطلقه الجيوش عادة إلا في حروب دولية أو عالمية وكانت الضحايا بالمئات، وقبلها بشهر تقريباً ألقت طائرات النظام صاروخين متفجرين في جامعة حلب وذلك في أول يوم للامتحانات حيث يتجمع آلاف الطلاب، وارتقى حينها حوالي 86 ضحية، وكذلك في شهر نيسان تم تدمير مئذنة الجامع الأموي والتي يبلغ عمرها أكثر من 1000 عام، وكانت ضربة موجعة لهوية هذه المدينة ولتاريخها، ترافق ذلك مع سياسة الأرض المحروقة لسوق حلب القديمة ومرواً بتدمير ممنهج للمشافي والمخابز والمرافق العامة عموماً، بالإضافة إلى سلاح الحصار والتجويع وقطع كل أنواع الإمدادات وسبل الحياة. 

ماذا يريد بشار من زيارة حلب؟

 

لا شك أن زيارة بشار الأسد لمدينة حلب التي دمرها وشرد سكانها، مرفوضة بكل المعايير والمقاييس، ولكنه استغل الظرف السياسي الدولي والإقليمي، واستأذن من مشغليه بزيارة يوجه من خلالها عدداً من الرسائل

لا شك أن زيارة بشار الأسد لمدينة حلب التي دمرها وشرد سكانها، مرفوضة بكل المعايير والمقاييس، ولكنه استغل الظرف السياسي الدولي والإقليمي، واستأذن من مشغليه بزيارة يوجه من خلالها عدداً من الرسائل، وأول رسالة هي ذاتية يحاول من خلالها أن يقنع نفسه بأنه ما زال يشغل حيزاً من موقع الرئاسة في سوريا ويستطيع أن يزور مدينة وهو مطمئن بأنه دمرها وشرد معظم أهلها ممن قالوا له ارحل. والرسالة الثانية يوجهها للمواطنين في الداخل ليقنعهم بأنه ما زال في موقعه وقد انتصر على معارضيه، وهو يدرك بأن السوريين لم يعودوا ينظرون إليه إلا من كونه وكيلاً لمشروعات دولية وحارساً لمصالح الروس والإيرانيين. والرسالة الثالثة يريد أن يخدع من خلالها أهالي حلب مرة أخرى وليست أخيرة، حيث أطلق وعوداً بإعادة إعمار ما قام بتدميره، وفي الوقت ذاته يريد أن يتسول تمويلاً دولياً من خلال استعراضه لمناطق الدمار والخراب، أما على الصعيد الدولي فلا أعتقد أن بشار الأسد في موقف يؤهله لتوجيه رسائل سياسية على المستوى الدولي، والأطراف الإقليمية والفاعلة في الشأن السوري تتعامل مع مشغلي بشار الأسد وليس معه بشكل مباشر.

ومن خلال رصد ردود الأفعال المختلفة والمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي أو التواصل المباشر  عبر المجموعات وجماعات الاتصال، فقد بدا جلياً أن هذه الزيارة مرفوضة وغير مرحب بها جملة وتفصيلا، لا من السوريين الذين يقيمون في حلب ولا من السوريين الذين يقيمون خارجها أو خارج البلاد، وحتى الأرض في حلب الشهباء عبرت عن رفضها من خلال تسجيل مركز رصد الزلازل بوقوع هزة أرضية في مدينة حلب بلغت حوالي 3 درجات على مقياس رختر، وذلك صباح يوم السبت، يوم زيارة الشؤم.