icon
التغطية الحية

حلب أقدم مدينة في التاريخ.. كيف كانت عام 1938؟

2022.06.15 | 14:10 دمشق

shap_import_61942-1568x980.jpg
مدينة حلب
أحمد العربي
+A
حجم الخط
-A

مع بدء الاستعمار الفرنسي لسوريا ولبنان بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، كان الفرنسيون يخططون للبقاء في سوريا إلى أمد طويل، ما دفعهم لاستقدام العديد من علمائهم وباحثيهم لدراسة واقع البلاد، وإعداد الخطط لاستثمار مصالحهم.

ويندرج كتاب "حلب في النصف الأول من القرن العشرين - دراسة في الجغرافية العمرانية والاقتصاد السياسي الاجتماعي" لمؤلفه المهندس شارل غودار - نقله إلى العربية الدكتور محمود حريتاني عام 2009 - واحداً من الأبحاث الفرنسية عن تاريخ سوريا، وبالأخص مدينة حلب عاصمتها الاقتصادية.

  • حلب.. أقدم مدينة مأهولة في التاريخ

يبدأ المؤلف كتابه الذي يعتبر أشبه بتقرير دراسة حالة، بالحديث عن مدينة حلب من جانبها التاريخي، وأنها تقع على ارتفاع نحو 350 م عن سطح البحر، معتبراً أن أهم موقع فيها هو "قلعة حلب"، حيث توضح الدراسات الآثارية فيها أنها تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وأنها تعتبر من أقدم المدن المأهولة في التاريخ.

وتعد المدينة مركزاً قديماً للتقاطعات التجارية على طريق الحرير، ومركزاً لصراعات الإمبراطوريات المختلفة عبر التاريخ.

وكانت حلب المدينة الثانية في الحجم السكاني والتجاري بعد دمشق أيام تدوين الكتاب عام 1938، وبلغ عدد سكانها في ذلك الوقت نحو 300 ألف نسمة فقط، معظمهم من المسلمين، وفيها من المكونات المجتمعية الأخرى، مسيحيون عرب من مذاهب مختلفة، إلى جانب الأرمن، وعدة آلاف من اليهود.

  • حضارات عمرانية

وكانت مدينة حلب تاريخياً متمركزة حول قلعتها، التي تمتد على مساحة 500 × 400 متر مربع تقريباً، حيث تمتد حلب القديمة في أحياء كثيرة، ونمط العمران تقليدي يتميز بنوع حجارة بنائه الكلسية البيضاء والمرصعة بالأحجار السوداء، المأخوذة من مقالع الأحجار الموجودة في جوارها.

وتقسم المدينة إلى حلب القديمة وحلب الجديدة التي أخذت بالتوسع فيما بعد، أما القديمة فهي محاطة بسورها الذي بني على عدة فترات في الماضي، حيث كانت حلب على طرق الصراع بين القوى المسيطرة في كثير من مراحل التاريخ، ومر عليها "الروم والفرس والأمويون والعباسيون والأيوبيون والحمدانيون والمغول والتتار والعثمانيون حتى فترة الاستعمار الفرنسي".

وتمتاز حلب القديمة داخل السور بشوارعها الضيقة وخدماتها التقليدية، المياه التي تصل إليها عبر أقنية مائية، من نهر قويق الذي يصل إلى المدينة ويؤمن لها ماء الشرب لفترة من السنة، وينقطع في بعض الأشهر، لذلك كان لا بد من البحث عن مصادر أخرى للمياه، عبر حفر الآبار أو جر المياه من أنهار اخرى، وهو ما حصل فيما بعد حيث تم جر مياه نهر الفرات إلى المدينة بعد ذلك بعقود طويلة.

وطرح الكاتب المهندس خططاً للتوسع العمراني في حلب الجديدة خارج الأسوار، وأن يتم اعتماد النمط المديني الغربي. سواء بالشوارع العريضة، والبناء الطبقي، وترك نسبة من أرض البناء فارغة للتهوية والتنوير وغرس الأشجار إن أمكن، وتشييد حدائق عامة في مواقع مختلفة من حلب.

  • الخدمات

تحدث الكاتب بالتفصيل عن الجانب الخدمي لمدينة حلب: مثل الطرق وامتدادها ومدى صلاحيتها، وضرورة إصلاحها وتوسعيها، لتصل إلى الأحياء المخطط لها أن تستحدث في المدينة.

وأسهب في حديثه عن مشكلة المياه في المدينة التي تكبر يوماً بعد يوم، مؤكداً أن مياه نهر قويق ليست كافية، وأن شكل نقل المياه عبر الأقنية يهدر الكثير من المياه، هذا غير حصول الأوبئة وأهمها الملاريا نتيجة المستنقعات وتكاثر البعوض عليها.

وتطرق كذلك إلى مشكلة الصرف الصحي السيئة، الأمر الذي أدى لتلوث مياه الشرب وانتشار الأوبئة والأمراض.

وكذلك التيار الكهربائي في المدينة الذي كان بحاجة إلى مولدات كهربائية مع شبكة لتمديده وتحويله إلى سلعة ممكنة الاستفادة منها من جميع سكان مدينة حلب.

هذا إضافة للحديث عن القطارات المتنوعة والمختلفة السرعة والمنتقلة في داخل حلب وخارجها، وذلك من أيام العثمانيين. حيث كان يمر في حلب قطار الشرق السريع الواصل، بين بغداد والموصل وبلاد الشام وصولاً إلى المدينة المنورة ومكة المكرمة، وكذلك وسائل النقل بالقطار الكهربائي المسمى "ترامواي". وضرورة أن يتم الاهتمام بكل ذلك وتوسع أعماله وصيانته.

  • ضرائب على كل شيء

وتطرق الكاتب إلى مشاريع وخطط تطول كل الخدمات، بحيث يحتاج ذلك إلى مئات ملايين من الفرنكات الفرنسية، وأن ذلك سيتم عبر قروض تقدم من بنوك فرنسية، بفوائد عالية، وأن الأموال التي ستدفع ستكون من مالية بلدية مدينة حلب، التي يتم جمعها عن طريق الضرائب التي كانت تطول كل شيء في حياة الإنسان.

وفرضت فرنسا في ذلك الوقت، ضريبة شخصية سنوية، وضريبة على الزرع، وعلى المواشي، وعلى البيع والشراء، وعلى الاستهلاك، هذا غير أثمان الماء والكهرباء وضريبة المسقفات على البيوت السكنية، وضريبة الأعمال التجارية والصناعية، كل شيء عليه ضرائب. وكل ذلك مكتوب وموثق ومحدد.

وتكشف الأرقام التي أوردها الكاتب أن المنفذين للمشاريع فرنسيين، وهم المستفيدون أولاً من هذه المشاريع، وأن الأموال العائدة للبنوك مع الفائدة كانت أكثر من التحصيل الضريبي، وهذا يعني حصول فائدة مركبة، حيث تتحول بلدية حلب إلى بلدية مكبلة بالديون للبنوك وتدفع فوائد القروض مضاعفة.

ولم يوضح الكاتب مأزق البلدية في هذا، بل نحن نستنتج من الأرقام المصاحبة، التي ظهرت أن كل الأعمال كانت في السالب من حيث الإيفاء بالمطلوب الذي يقدر بمئات الملايين من الفرنكات الفرنسية، التي تراكمت ديوناً على بلدية حلب حتى عام 1938، والتي من المتوقع أنها بقيت إلى فترة الاستقلال وربما بعدها.

  • مدينة الصناعة والتجارة

لم يتوسع الكاتب في الحديث عن الحياة الاجتماعية والسياسية في مدينة حلب، ويعود ذلك إلى كون البنية المجتمعية الحلبية، عريقة وممتلئة بحسها الوطني وقدراتها التجارية والصناعية، وأنها تعاملت مع المستعمر الفرنسي، على أنه عابر، كما كان كل المستعمرين عبر التاريخ.

وتكشف الأرقام الواردة في الكتاب عن الصناعة والتجارة في حلب ومدى عراقتها وتوسع سوقها ومواردها ومبيعاتها، حيث وصلت إلى كل أطراف العالم وقتها، من أوروبا وحتى شرق آسيا؛ إذ تميزت بالخيوط وصناعة الجلديات وتصدير الموارد الزراعية.

ووصل الميزان التجاري للتجار الحلبيين في ذلك الوقت إلى ٥٠٠ مليون فرنك فرنسي سنوياً، وهذا رقم كبير جداً في مقاييس ذلك الزمان وتلك الظروف.

  • البحث العلمي منهج دافع للعمل

كما لم يتوسع بالحديث عن المؤسسات المجتمعية التقليدية، سواء الدينية منها أو العائلية أو وجهاء حلب وتجارها وصناعها الكبار، بما تحمله من أبعاد إنسانية وحضارية وثقافية ودينية، في ظل تنوع جوامعها وكنائسها ومدارسها ومراكزها الأهلية المجتمعية، إلى جانب الدور الفني والموسيقي العريق للمدينة.

وبالعودة إلى أهمية الكتاب في توقيت تأليفه، ودور كاتبه، الذي جاء من فرنسا إلى حلب، بهدف تقديم تصور عن تطوير المدن في ظل الاستعمار، متابعاً كل تفاصيل الحياة في حلب، وكيف يمكن أن تتحول إلى مدينة عصرية، من خدماتها وعمرانها إلى حيز استثماري تستفيد منه فرنسا.

وفي نظرة علمية للكتاب والكاتب، يدفعنا ذلك للتفكير بأهمية العمل على البحث العلمي والإنساني في سوريا، ثم الانتقال للجانب العملي عبر التنفيذ، انطلاقاً من مبدأ "مشكلة – حل – عمل".