icon
التغطية الحية

حكمت محسن مسبع الكارات

2021.02.12 | 00:14 دمشق

hqdefault.jpg
+A
حجم الخط
-A

الأشخاص الذين حملوا لقباً، عبر التاريخ الأدبي والفني، قلائل، نذكر بعضهم من مصر وسوريا: عميد الأدب العربي طه حسين، وفنان الشعب سيد درويش، وأمير الشعراء أحمد شوقي، وكوكب الشرق أم كلثوم، وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وسفيرتنا إلى النجوم فيروز، وشيخ الشباب فخري البارودي، وأمير البزق محمد عبد الكريم، وملك الموال محمد خيري، والقَصَّاص الشعبي حكمت محسن.

الجميل في سيرة القصاص الشعبي حكمت محسن، أبو رشدي (1910- 1968) أنه صار، وكبر، وملأ صيته الآفاق، على الرغم من طفولته البائسة، وحياة التشرد والفقر التي لازمته منذ ولادته، فهو، كما يقولون في الكلام الدارج: مقطَّع موصَّل.

ولد حكمت في عاصمة الخلافة العثمانية إسطنبول، سنة 1910، وكان أبوه صبحي محسن متطوعاً في الجيش، وحينما نشبت الحرب العالمية 1914، ودخلتها المملكة العثمانية إلى جانب الألمان، خاف عليه فأرسله مع والدته إلى موطنه الأصلي دمشق، وحسناً فعل، لأنه، أي الأب، قُتل في إحدى المعارك، وأما حكمت فعاش مع والدته في بيت خالته، واضطر لأن ينزل إلى سوق العمل وهو في التاسعة من عمره، ومنها اكتسب لقب: "مُسَبِّع الكارات"، فقد عمل بصفة أجير بقال، وأجير لحام، وأجير حلاق، وأجير كوا، وأجير فران، واستقر أخيراً في مهنة منجد اللحف.

كانت مهنة تنجيد اللحف، في تلك الأيام، رائجة، لأن الأسر الشامية كانت تنجد مفارشَ ولحفاً جديدة بدلاً من العتيقة بشكل دائم، وعندما يتزوج الشاب تنجد والدتُه لأجله عدداً من اللحف، وحتى العروس كان جهازها يتضمن شراشف ومفارش ولحفاً، وكان لهذه المهنة، بالنسبة لحكمت، فائدتان، الكفاية المادية، والاحتكاك بالناس والاطلاع على قصصهم الإنسانية التي يغذي بها فنه.

إن كلمة السر في اتجاه الطفل حكمت إلى الفن هي والدته "خيرية" التي كانت محدّثة بارعة، تحضر حفلات الاستقبال، وتتنصّت على الحكواتي في مقهى "مصلبة العمارة"

إن كلمة السر في اتجاه الطفل حكمت إلى الفن هي والدته "خيرية" التي كانت محدّثة بارعة، تحضر حفلات الاستقبال، وتتنصّت على الحكواتي في مقهى "مصلبة العمارة"، ثم تحكي بالسّهرة لحكمت ما سمعته، فكانت معلمه الأول، وأما معلمه الثاني فهو الحكواتي.

كانت تأتي إلى دمشق من مصر الشقيقة، فرقة مسرحية، وما إن حضر حكمت أحد عروضها حتى تملكته هواية المسرح، وسعى لمقابلة صاحبها، ورجاه أن يشغله معه متطوعاً، فوافق على طلبه، وعمل بصفة كومبارس في مسرحية "حَمَّام بنت الملك"، وما إن علم زوج خالته، المعادي للفن، بالأمر حتى طرده من البيت.

العداء للفن ليس جديداً في ثقافتنا، ففي تاريخنا أمثلة بارزة على ذلك، منها إقدام متطرفين على إحراق مسرح أبي خليل القباني، إضافة إلى إجبار المطربة المتميزة سلوى مدحت على الإقلاع عن الغناء، وسحب كل أسطواناتها المسجلة من إذاعة دمشق، وقد تمكن مدير الإذاعة آنذاك من إقناع زوجها بإبقاء أغنيتها "عروس المجد" التي نظمها عمر أبو ريشة ولحنها فيلمون وهبي، وفيها:

كم لنا من ميسلونٍ نفضتْ

عنا جناحيها غبارَ التعبِ

كــم نَـَبـتْ أسيافُـنـا فـــي مـلـعـبِ   

وكَـبَـتْ أفـراسُــنــا فـــــي مـلــعــبِ

جاء في موقع "الحرس القومي السوري" أن أول ترجمة لمواهب حكمت محسن الفنية كانت في المسرح، وكان يومئذ في الرابعة عشرة، وراح يتابع عروض فرقة أمين عطا الله المصرية في دمشق، فأحب فن التمثيل، وانضم إلى الفرقة إبان عروضها في سوريا ولبنان. وبعد عودة الفرقة إلى مصر، قام حكمت محسن مع لفيف من أصدقائه بتشكيل فرقة تمثيلية، بدأت بتقديم التمثيليات في بعـض البيوت الدمشـقية الكبيــرة، كما كانت تقدم الأغاني والمونولوجات الناقدة.

وبسرعة استقطبت الفرقة جمهوراً كبيراً، وكانت المونولوجات التي كتب كلماتها تهاجم الاستعمار الفرنسي. ثم انتقل مع فرقته ليقدم عروضه على المسارح، ومنها مسرح "العباسية" الذي كان أكبر مسارح دمشق وقتئذٍ. وفي أثناء ذلك اطلع على المسرحيات العالمية المترجمة، ليتعرف منها أصول الكتابة المسرحية.

في بيروت قالت له الممثلة فكتوريا حبيقة:

- أنت باين عليك ابن ناس أوادم، اسمع مني وارجع لبلدك، لا تغتر بحياتنا، نحن شحادين بتياب ملوك، حرام عليك.

ولكن كلاماً كهذا لا يفيد مع مَن تملكته الهواية، ومن حسن الحظ طبعاً أن حكمت محسن بقي غارقاً في بحار الفن، فقد حقق منه ما لم يحققه غيره، ولا أدل على ذلك على أن أول صوت سُمع من إذاعة دمشق يوم افتتاحها بتاريخ 3 شباط 1947 بعد صوت رئيس الجمهورية شكري القوتلي، هو صوت حكمت محسن إذ غنى واحداً من مونولوجاته الفكاهية الناقدة.

ينتمي حكمت محسن، فكرياً ووجدانياً وإنسانياً إلى الشعب السوري، والشامي بشكل خاص، وهناك حكاية له مع صديقه الذي كان يراهن على إفلاسه، إذ قال له:

- كلما خلص شهر رمضان بقول خلص، أبو رشدي بده يفلس، من وين بقى بده يجيب حكايات جديدة؟

فرد عليه حكمت: طوال ما أبو رشدي قاعد في دكانه، وعم يشوف الناس رايحين جايين، بيبقى عم يكتب، وإذا شي يوم تطلع وما شاف ناس رايحين جايين، نعم، بيفلس!

كان لحكمت محسن تسعة أولاد أكبرهم أيمن، ولدى سؤاله، في مقابلة تلفزيونية نادرة، من قبل مجموعة فنانين بينهم شاكر بريخان ونهاد قلعي، عن سبب تسميته "أبو رشدي" وليس "أبو أيمن"، يوضح أنه قدم أولى تمثيلياته وهو خائف من الجمهور باسم مستعار، هو أبو رشدي، وعندما نجحت نجاحاً باهراً اطمأن وصار يكتب باسمه الصريح، ولكن اسم أبو رشدي علق بذاكرة الناس، وما عاد ممكناً أن يمحى.

في المقابلة ذاتها جرى الحديث عن مسلسل "مذكرات الحرامي". كانت فكرة المسلسل أن رجلاً صاحب عيال، كان يمشي مخبئاً تحت ثيابه بعض الأشياء، فاشتبه به الناس معتقدين أنه حرامي، وعندما وقع في أيدي الشرطة اعترف لهم بأنه زعيم عصابة كبيرة، وأبدى استعداده لأن يعرف الشرطة على أفراد العصابة، فاصطحبهم إلى داره، وهناك عرفهم على أسرته التي تحتوي على زوجة وجد وجدة وأولاد من مختلف الأعمار، وقال لهم:

- هاي هي العصابة اللي أنا مسؤول عنها!

أخيراً، يجدر القول أن حكمت محسن هو أول من اخترع الكاراكتر الكوميدي، وأهم كاراكتراته: أبو فهمي، وأبو رشدي، وأم كامل، ودرة، ولست متأكداً مما إذا كانت شخصية أبو صياح من ابتكاره، رحمه الله.     

كلمات مفتاحية