حصيلة عام 2019 في سوريا وجوارها

2019.12.29 | 18:31 دمشق

mkhym.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم ينته العام الدموي هذا في سوريا إلا مع حملة عسكرية جديدة على محافظة إدلب، من قبل الطيران الأسدي – الروسي، أوقعت مئات الضحايا المدنيين، وخلفت المزيد من دمار العمران والمرافق الحيوية، وأدت إلى موجة نزوح جديدة لمئات آلاف الفارين من جحيم الحرب، في برد الشتاء.

وكأن هذا لا يكفي، استدعت السعودية بضع عشرات من السوريين إلى اجتماع في الرياض لاستبدال 8 مستقلين في هيئة التفاوض، لكسر هيمنة المحور التركي – القطري عليها، فيما يستعد مقاتلو لواء السلطان مراد وفيلق الشام للسفر إلى ليبيا، بقرار تركي، للمشاركة في القتال هناك لمصلحة حكومة السراج ضد قوات الجنرال حفتر.

يبدو هذا المشهد سوريالياً حقاً، إذا نظرنا إليه من منظور بواكير الثورة السورية التي كانت واعدة بإسقاط نظام الأسد ليقرر السوريون مصيرهم بحرية، بعد نصف قرن من العبودية. فهل من عبودية أشد من هذا الاستتباع المخزي، سياسياً وعسكرياً، لدول إقليمية بأجندات متضاربة لكنها متفقة على شيء واحد هو القبول ببقاء النظام الكيماوي؟

لا يعني استهجاننا لاجتماع "الرياض 3" دفاعاً عن هيئة التفاوض التي أعلن بعض أركانها رفضهم للاجتماع المذكور. فالهيئة المستتبعة، كما الاختراق السعودي لها، يمثلان وجهين للتفسخ نفسه الذي ضرب عرض الحائط بثورة السوريين ودماء شهدائها، واندرج تحت الظل الثقيل للاحتلال الروسي باسم سراب تسوية سياسية لن تأتي.

أما المرتزقة فيما يسمى بـ"الجيش الوطني" الذين تستعد أنقرة لإرسالهم للقتال في ليبيا، فقد سبق وباعوا أنفسهم للشيطان حين تخلوا عن قتال قوات الأسد وارتضوا بتلقي أوامرهم من الضباط الأتراك فشاركوا في معارك لا علاقة لها بالثورة على نظام الأسد، بل في خدمة المصلحة الوطنية التركية. تتألم عظام أبي فرات وعبد القادر الصالح وأمثالهم من الثوار في قبورهم أمام هذا الانحطاط الذي بلغه ما كان يسمى يوماً "الجيش السوري الحر".

شملت الموجة الجديدة الجارة إيران أيضاً التي أوغل نظامها الثيوقراطي في دماء السوريين والعراقيين

هذه التطورات المشؤومة ليست، لحسن الحظ، قدراً لا مفر منه لشعب أراد الحياة فتكالبت عليه كل قوى الشر بهدف تدمير بذرة التمرد وروح الحرية ودفنهما إلى الأبد. فمقابل هذا المسار المنحدر، شهد العام 2019 بداية موجة ثانية لثورات الشعوب، استوعبت هزيمة الموجة الأولى وتعلمت من دروسها، وشكلت رداً قوياً على الثورة المضادة. فقد حققت ثورتا الجزائر والسودان، إلى الآن، إنجازات مهمة، كإسقاط البشير ومحاكمته وإلغاء ترشيح جثة بوتفليقة لمنصب الرئاسة للمرة الخامسة، وإن كان أمام الثورتين الكثير من التحديات بعد. ثم جاءت ثورتا لبنان والعراق المجاورين لسوريا الجريحة من شرق ومن غرب، لتعيدا الاعتبار إلى الثورة السورية المهزومة وتمنحاها الأمل من جديد، على رغم كل الانحطاط السياسي والعسكري المذكور فوق. ولم يقتصر الأمر على البلدان العربية الأربعة، بل شملت الموجة الجديدة الجارة إيران أيضاً التي أوغل نظامها الثيوقراطي في دماء السوريين والعراقيين وهيمن تابعه اللبناني، حزب الله، على سلطة طبقة اللصوص في لبنان. ثورتا لبنان والعراق، بهذا المعنى، لا تقتصران على أفق تغيير سياسي عميق يطال نظام المحاصصة الطائفية وطبقة اللصوص الحاكمة في البلدين، بل تستهدفان أيضاً تقويض النزوع الامبراطوري لنظام الملالي في إيران الذي بلغ ذروة صعوده ودخل طور الانحدار، بدلالة ثورة الشعب الإيراني نفسه. هذه الثورة التي يضربها نظام الخامنئي بيد من حديد، لكنها تعود إلى الاندلاع من جديد بعد كل حملة قمع دموية، بإصرار لا بد أن يؤتي ثماره ولو بكثير من التضحيات.

هذا الوصف الموجز لأهم أحداث العام المنتهي، يعطينا أيضاً إشارات إلى منحى التطورات المتوقعة في العام القادم. سيكون اللبنانيون والعراقيون والإيرانيون في واجهة التحولات الكبرى في الإقليم، تحولات عنوانها العريض هو تقويض الحلم الإمبراطوري للنظام الإيراني، وربما سقوطه هو نفسه بنتيجة انتفاضات الشعوب الثلاثة. من شأن ذلك إخراج الإيرانيين من معادلات الصراع في سوريا أيضاً، بما يجعل روسيا بوتين تنفرد في الهيمنة على "سورية النظام"، من غير أن يمنحها ذلك القدرة المطلقة على تقرير مصير سوريا.

لا أحد يمكنه التكهن بشأن مآلات الثورات المذكورة، لكن ما رأيناه منها، إلى اليوم، يدعو للتفاؤل.

لا تكتمل اللوحة بدون الحديث عن الكرد الذين شهدت مناطقهم تطورات كبيرة في العام 2019. فقد تمكنت أنقرة من إقناع الأميركيين والروس بهواجسها الأمنية، فغزت قواتها مع الفصائل السورية التابعة لها منطقة ثالثة، بعد "درع الفرات" وعفرين، هي المنطقة الفاصلة بين تل أبيض ورأس العين بعمق 30 كلم، فيما أطلقت عليه اسم "عملية نبع السلام". وهو ما أدى إلى تقويض "الإدارة الذاتية" للفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، بعدما انسحبت القوات الأميركية من المناطق المحاذية للحدود التركية.

وقد أعلن الرئيس التركي أن الهدف من العملية العسكرية الجديدة هو توطين نحو مليون من اللاجئين السوريين الموجودين على الأراضي التركية، إضافة إلى الهدف الرئيسي المتمثل بطرد "وحدات حماية الشعب" من المنطقة الحدودية.

وقد شهد صيف العام 2019 تضييقاً على اللاجئين السوريين في تركيا، وخصوصاً في مدينة إسطنبول، بعد سنوات من سياسة إيجابية من الحكومة تجاههم، تمهيداً لتبرير التوغل التركي الجديد.