حصاد نسائي لجوائز نوبل

2020.10.13 | 00:03 دمشق

08726349.jpg
+A
حجم الخط
-A

أربع سيدات من دول مختلفة حصّلن على أربع جوائز نوبل هذا العام في مجالات الكيمياء والفيزياء والأدب، ما يمثل نقلة جديدة في تفكيك الصورة النمطية للمرأة وإثبات قدرتها على الإبحار إلى أعماق جديدة.

تألقت المرأة في عصرنا الحديث في كل المجالات تقريباً، وعلى الرغم من ذلك ما زالت تناضل في بعض المجتمعات لتحصيل حقوقها وأدنى تلك الحقوق، هو الاعتراف بها كصنوٍ للرجل في صناعة الحضارة على قدم المساواة.

شكّل حصول أربع نساء -بجدارة-  على جوائز نوبل مادة دسمة للسخرية والاستهزاء لدى شريحة لا بأس بها من رواد وسائل التواصل الاجتماعي، وإنه لأمر مؤلم ويحزّ بالنفس، فلا بد من تصحيح

العديد من التعليقات التي وردت أشارت إلى أن جائزة نوبل مسيسة وفوز السيدات الأربعة مرضاة للنسويات، وما في هذا إلا محاولة للتقليل من قيمة فوزهن وشأن إبداعهن

الصورة الذهنية للمرأة في عقل الكثير من الذين ما زالوا يعيشون في ظلمات العصر الخشبي، لا يمكن لخبركهذا أن يكون مثار سخرية أو محلَّ تندّر البتة.

إننا في القرن 21 ورغم الشعارات الطنانة والرنانة المطالبة بالحرية والديمقراطية ما زالت تتحكم بعقولنا صورة نمطية عن النساء كوّنتها شعارات وخطب وممارسات ظلت تتكرر على مدار عقود.

العديد من التعليقات التي وردت أشارت إلى أن جائزة نوبل مسيسة وفوز السيدات الأربعة مرضاة للنسويات، وما في هذا إلا محاولة للتقليل من قيمة فوزهن وشأن إبداعهن.

قد أتفق أن نوبل مسيسة أحيانا وليست حيادية كما يجب، ولكن لم أسمع انتقادات هؤلاء الجهابذة عندما كان الفائزون من الرجال الذين يكونون أحيانا من غير المستحقين للجائزة! ولنفرض جدلا أن هذا الكلام صحيح لماذا السعي للتقليل من شأن هذا الفوز لمجرد أنهن سيدات؟ ولم لا يؤخذ من الموضوع إيجابيته وزاويته التي تبرز دور المرأة العالمة والشاعرة والمبدعة؟!

محاولات كثيرة عبر الماضي صوّرت أن إعطاء المرأة بعض حقوقها هو منّة وفضل، وكل هذا نتيجة عوامل اجتماعية وثقافية واقتصادية، نحتاج لسنوات من العمل الجماعي لتغييرها والأهم تحتاج لجرأة أكبر من النساء في مجتمعنا للخوض والانخراط في مجالات غير تقليدية مع إيماني بأن مفهوم النسوية بحاجة لتطوير وتجديد بما يتناسب مع تطور المجتمعات.

لن أقول إن نساء سوريا كن أكثر المضحيات والمناضلات وأكثر من خسر في السنوات التسع الماضية لأنه أصبح كلاماً معروفاً، لكن سأتحدث عن واقع فرض نفسه الآن، فنساء سوريا يشكلن أكثر من نصف عدد السوريين، ودخلن في كل مجالات الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والمهنية والإعلامية؛ وأثبتن جدارتهن وقدرتهن على العمل والقيادة، ومع ذلك ما زلنا للأسف عند كل استحقاق سياسي أو نقاش بالشأن السوري ندخل في جدلية نسبة تمثيل النساء في كل مفاصل الدولة لا سيما مواقع صنع القرار، وطرح نسبة محددة هو من باب التمييز الإيجابي فقط وليس لحصول المرأة على مكان لا تستحقه  فرضته "الكوتا" كما يزعم البعض.

لكن الحقيقة التي يرفض أن يراها وأن يقرّها الجميع أن سوريا المستقبل لن تبنى إلا بالمشاركة الأكبر لسواعد النساء وعملهن، الانتقال بالمرأة من وضعها السابق لدى نظام الأسد كديكور تجميلي لقبح نظامه إلى وضع الفاعل والشريك والقائد في سوريا الجديدة، فسنوات الثورة عمقت تجربة المرأة السورية وفرضت عليها مسؤوليات وأعمالاً لم تكن لتقوم بها سابقاً وأثبت قدرتها في شتى المجالات، المرأة السورية بجهدها وجهادها وبذلها وتضحياتها فرضت دورها ومكانها في سوريا الجديدة بما يليق بقدراتها ومكانتها.

 

سادتي الأعزاء

صناع القرار والسياسيين والصحفيين قادة المجتمع وقادة الرأي العام والمعلمين والمثقفين ورجالات الأعمال والآباء والأزواج والإخوة والأبناء

المطلوب منكم هو دعم وتشجيع وإفساح المجال للمرأة السورية كي تحصل على الجوائز العالمية التي تستحقها، فمن أجدر منها بجائرة نوبل للسلام مثلاً؟! إن سوريا بحاجة لنسائها الآن كما في المستقبل؛ فكل الدول التي خرجت من صراعات دامية وطويلة، عمرتها سواعد النساء، ليس لأنهن كما يقال -بحق- "صانعات السلام"؛ بل لأنهن قادرات على البناء جديرات به، لا أقول بناء العمران فحسب، بل بناء الإنسان.