طالبت عدة قبائل وعشائر سوريّة، الجيش الوطني السوري، بالتدخل عسكرياً لحسم ملف منبج (شرقي حلب) لصالحه، من خلال السيطرة على المدينة ووقف انتهاكات "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) بحق السكّان الذين انتفضوا في وجه "قسد" وقراراتها التعسّفية، وفي مقدمتها سوق الشبّان إلى معسكرات التجنيد الإجباري.
وبدأت احتجاجات شعبية في مدينة منبج وريفها، يوم الإثنين الماضي، رافقها إضراب عن فتح المحال التجارية، وهو ما قابله استنفار أمني لـ"قسد"، واستقدام تعزيزات عسكرية وقوات خاصة من بقية المناطق الخاضعة لسيطرتها، وإطلاق الرصاص على المدنيين ما أسفر عن وقوع قتلى وجرحى.
كيف بدأت الانتفاضة؟
مصادر محلية من منبج أكّدت لـ موقع تلفزيون سوريا أنّ ناشطين وبالتعاون مع أهالي المدينة من أصحاب المحال التجارية، أعلنوا إضراباً عاماً احتجاجاً على اعتقال "قسد" للشباب الذين يتراوح أعمارهم ما بين 18 و31 عاماً تحت قانون "الدفاع الذاتي" (التجنيد الإجباري).
وقال الصحفي المنحدر من منبج جاسم السيد، إن الدافع الرئيس للانتفاضة الشعبية هو قرار "قسد" بتجنيد شبان المدينة قسراً في صفوفها، علماً أن القرار يعدّ الثاني من نوعه، بعدما أوقفت الأول قبل نحو عام، نتيجة الرفض الشعبي.
وأضاف "السيد" في حديث لـ موقع تلفزيون سوريا أنّ سكّان مدينة منبج وريفها تظاهروا، خلال اليومين الماضيين، احتجاجاً على قرار "قسد"، لكن الأخيرة واجهت بالرصاص الحي، ما أدّى إلى مقتل 8 مدنيين، وإصابة نحو 26 آخرين.
وتركزت المظاهرات في حي السرب داخل مدينة منبج، وطريق الجزيرة، والساحة العامة بقرب المربع الأمني وسط المدينة، تزامناً مع تسيير "قسد" عربات عسكرية في المنطقة، وسيارات "بيك أب" مزوّدة برشاشات متوسطة وثقيلة.
إدانات ودعوات لعمل عسكري
دانت عدة مؤسسات سوريّة، في مقدمتها الائتلاف الوطني السوري، والحكومة السورية المؤقتة، ورابطة المستقلين الكرد السوريين، ممارسات "قسد"، من إطلاق للرصاص على المدنيين وترويع للسكان، داعيةً الولايات المتحدة والمجتمع الدولي إلى التدخل ووقف الانتهاكات بحق المدنيين.
اقرأ أيضاً.. "الحكومة المؤقتة" تطالب المجتمع الدولي بحماية أهل منبج
اقرأ أيضاًَ.. مجلس القبائل والعشائر السورية يدعم الاحتجاجات في منبج ضد "قسد"
وعقدت القبائل والعشائر شمال غربي سوريا اجتماعاً في ديوان القبائل بريف حلب الشمالي، بهدف التدارس والتشاور والخروج بموقف موحد مما يحصل في منبج، وأعلنت العشائر في بيان صدر عنها بعد الاجتماع أن "الأحزاب الانفصالية الكردية وأذرعها العسكرية مجموعات إرهابية تخدم مشاريع انفصالية وأجندات غير وطنية".
ودعت العشائر، الجيش الوطني إلى دعم الأهالي في منبج من خلال القيام بعمل عسكري للسيطرة على المدينة، كما ناشدت الحكومة التركية لـ "رعاية وقيادة الأعمال العسكرية تأكيداً منهم على وحدة الهدف وتكامل التطلعات".
حشد عسكري بمحيط منبج
أرسل الجيش الوطني السوري المئات من عناصره إلى الجبهات المحاذية لمدينة منبج، كما استهدف مواقع لـ"قسد"، بقذائف هاون والرشاشات الثقيلة.
ونشرت حسابات مقربة من الجيش الوطني فيديوهات تظهر أرتالاً عسكرية، قيل إنها انطلقت من مدينة جرابلس وريفها، نحو نقاط التماس مع قسد بمحيط منبج.
— محبي فرقة الحمزة - قوات خاصة (@alhamza_lovers) June 1, 2021
وأشار النقيب محمد حاج علي - الناطق باسم "فرقة الحمزة" التابعة للجيش الوطني - إلى رفع الجاهزية القتالية واستنفار جميع القوى في الفرقة، من أجل "تنفيذ المهام العسكرية الملقاة على عاتق الجيش".
وذكر "حاج علي" لـ موقع تلفزيون سوريا أنهم بانتظار توجيهات قيادة الجيش الوطني مِن أجل التحرك نحو منبج، وإخراج "قسد" منها، ولمنع نظام الأسد من استثمار الحراك الشعبي في المدينة، ولقطع الطريق عليه.
وأكّد حامد أبو الليث - الناطق الإعلامي باسم المكتب العسكري لمدينة منبج - أن الجيش الوطني حشد واستنفر قواته في محيط منبج منذ، يوم الإثنين، وقال إنّ القوات انتشرت على طول خط التماس شمالي المدينة، ابتداءً من جبهة الياشلي، وصولاً إلى قرية توخار صغير.
واندلعت اشتباكات بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة على طول خط الجبهة بين "قسد" وفصائل الجيش الوطني، كما استهدفت الفصائل مواقع عسكرية لـ"قسد" في قرى التوخار والجات والهوشرية شمالي منبج، حسب "أبو الليث".
وأضاف أن "الجيش الوطني استنفر قواته ورفع الجاهزية القصوى تحسباً لتطور الأمور، فيما ينسق مجلس منبج العسكري مع جميع فيالق الجيش الوطني ويتابع التطورات بشكل دقيق".
ما الذي يمنع الجيش الوطني من دخول منبج؟
من المعروف أن مدينة منبج كانت خلال السنوات الماضية، محل صراع بين الولايات المتحدة وتركيا وروسيا، وفي الوقت الحالي تسيطر "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من أميركا على المدينة، مع وجود لقوات النظام في بعض القرى والبلدات بريفها.
وينسق الجيش الوطني في مثل هكذا حالات مع الحكومة التركية، التي تملك قرار الحرب أو السلم، وذكر الكاتب الصحفي، حسن النيفي، أن تركيا تنسق بدورها مع الأطراف الدولية وأبرزها روسيا.
وقال "النيفي" لـ موقع تلفزيون سوريا إنّ دخول الجيش الوطني إلى منبج متوقف على قرار الحكومة التركية، والذي هو رهن للتفاهمات مع روسيا، ولذلك من المستبعد أن يحدث صدام بين أنقرة وموسكو بهذا الخصوص.
ويتفق الصحفي فراس علاوي مع هذا القول، حيث استبعد دخول الجيش الوطني إلى منبج في الوقت الراهن، وقال إن "قرار الجيش غير سيادي، كونه مرتبطاً حتماً بالحكومة التركية".
وأوضح "علاوي" لـ موقع تلفزيون سوريا أنّ تركيا حاولت في وقت سابق التدخل في منبج والسيطرة عليها، لكنها قوبلت بالموقف الأميركي، وكذلك فإن سيطرة الجيش التركي على المدينة مرتبطة بتوفير الغطاء الإقليمي والسياسي للعملية العسكرية المفترضة.
النظام يتحرك.. ما المتوقع خلال الأيام المقبلة؟
يؤكد "النيفي" وجود نوايا لدى "قوات سوريا الديمقراطية" للتفاوض مع روسيا، في محاولة لإدخال قوات النظام إلى مدينة منبج، الأمر الذي وصفه بالكارثي، كون المدينة تحتضن الآلاف من المطلوبين للنظام.
بدوره، ذكر الصحفي جاسم السيد، أن "قسد" أرسلت وفداً من المشايخ المحسوبين عليها وعلى النظام، للتفاوض مع الأهالي، لكن المفاوضات لم تسفر عن جديد، بسبب تعنت "قسد"، وقتلها عدة مدنيين.
وتوقّع "السيد" أن تخف وتيرة المظاهرات الشعبية خلال الأيام المقبلة، مقابل تراجع "قسد" عن قرار التجنيد الإجباري، كما حذر من أي مساع لإدخال النظام إلى منبج، بالتالي نزوح الآلاف من المدينة وريفها.
ورجّح "النيفي" أن يتحول المشهد في منبج إلى حالة من العصيان المدني، في حال واصلت "قسد" تعنتها، وحينها لا يمكن استبعاد اختراق نظام الأسد للحراك السلمي، ليزيد من التصعيد، رغبة منه بمفاوضة "قسد"، التي قد ترضخ له، عند عجزها عن السيطرة على الحراك.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة هي وحدها من تستطيع كبح جماح "قسد"، باعتبار الأخيرة أداة تنفيذية لها، لذلك يجب أن تتوجه الجهود والمناشدات لواشنطن من أجل التدخل ووقف سياسات "قسد".
وتتصارع عدة أطراف منذ سنوات للسيطرة على منبج، حيث تسيطر "قسد" على مركز المدينة ومساحات واسعة في ريفها، مع انتشار لقوات النظام على أطرافها.
وكان الجيش الوطني السوري مدعوماً بتركيا قد حاول أكثر من مرة انتزاع المدينة من قبضة "قسد"، آخرها في تشرين الأول عام 2019، بالتزامن مع بدء عملية نبع "نبع السلام" شرق الفرات، لكن وزارة الدفاع الروسية أعلنت - حينذاك - سيطرة قوات النظام بشكل كامل على منبج وجميع البلدات المحيطة بها، وتسيير دوريات على الحدود الشمالية الغربية للمدينة، بعد تنظيم تعاون مع الجانب التركي.
ومنذ ذلك الحين لم تتعرض المدينة لهجمات حقيقية، إذ تقتصر التحركات العسكرية على اشتباكات روتينية بين الجيش الوطني و"قسد"، تسفر في بعض الأحيان عن وقوع قتلى.