حسنة الحريري.. حكاءة الحزن السوري

2021.04.03 | 06:59 دمشق

maxresdefault.jpg
+A
حجم الخط
-A

وأنت تسمع حكاية الأيام الأولى عن الموت في حوران من فم حسنة الحريري لا تملك أن تصغي بقلبك ودموعك، وهنا بالضبط ثمة أمّ لا تخطئ في رواية التفاصيل الصغيرة فهي فقط تفتح قلبها الذي يجيد وصف مأساة شعب أراد التعبير ببساطة عما يريد دون حذلقة الخطابات.

لا تقف حسنة الحريري عند رواية موت أبنائها في السجون والمعارك التي شهدها الجنوب السوري بل تمضي بسلالة بدوية شاعرة برسم صور الفزع في الأقبية والجبهات، وكما نساء الكتب المعتقة تخرج حسنة في لحظة مماثلة لتروي حكاية عن الموت في القرن الحادي والعشرين حصلت في بلاد اعتادت الأنين والتباهي بموت الرجال واقفين.

لا تنتقي عباراتها الجزلة كمحلل سياسي بائس أو كمعتقل بسيط يروي مشاهد التعذيب في قبو مظلم، وفي لحظة تخالها انهارت من هول الأسى تتابع روايتها عن آلام أقرب الناس إليها، ولكنها تصدمك بلحظة بكائها هو توقيت القلب الذي رأى وسمع.

وهي تروي.. تتحدث عن استحالاتٍ ثلاث تختصر الأسى الذي يرويه معظم من طالهم الظلم في عرض البلاد وطولها (مستحيل أن أنسى أو أصمت أو أنام)، وتعدد أسماء الفتيات اللواتي تم اغتصابهن بقسوة ومن ثم رحلن دون ضجيج.

أعادني لمشاهدة روايتها مرة أخرى ما تم نشره عن قرار أردني بترحيلها مع عائلتها خارح البلاد، ومنحها مهلة أسبوعين أو تسليمها للنظام، وكنت أبحث في خفايا صوتها وحكايتها عن السبب الكبير وراء قرار كهذا يضع عنق عجوز من جديد تحت حد المقصلة، ولعلي أفهم سرّ هذه الوحشية في طرد امرأة بهذا السحر من أمانها المؤقت إلى وطن الذعر.

هل حسنة الحريري جزء كبير من مقايضات الحكومات العربية المتشابهة التي توزع فيما بينها الضحايا كي ينتشي القاتل مرة أخرى بنصر كاذب، وما المقابل الذي سيحظى به قاتلها الجديد؟

أهي صفقة قتل الحكايات الجميلة الدامية كي لا تصير أمثولة تروى عن أوطان استبيحت من أجل كرسي حقير، ولماذا الآن هذا البذح بين تلك الحكومات في إرسال طرود الوفاق على هيئة عجوز مشاغبة أبت إلا أن تستثير فينا موتاً عضضنا عليه بالنواجذ؟

ومن ثم هل هي أولى الهدايا التي ستعود مخفورة إلى الشام، ومن بعدها ستتقاطر المصائر إلى حيث يرضى المتوافقون على كتابة تاريخ كاذب كما يشتهى القتلة وأعوانهم، وتدفن الحكاية مع الراوية؟

تقسم حسنة الحريري على عدم ترك قبر ابنها في الأردن، وتحلم بعودتها حين يشرب القاتل من نفس الكأس التي سقاها إياها، هي لا تريد سوى عدالة القصاص، والعودة المنتظرة إلى بيت كان يضج ذات يوم بالحياة؟

عندما يفيض بها الشوق إلى حوران كما تروي تقف قرب الحدود وتتنفس الهواء القادم من أرضها التي لا تفصلها عنها سوى الأسلاك وقناص ينتظر عودتها ليجهز على الحقيقة.

 

 

في حنينها لا تشعر بأن الدمعة تنفر من العيون فقط.. حروف الشوق تخرج من فم مملوء بالدمع، وبالضبط عندما تعيد اسم سهل حوران مرات ليتفاقم الألم في روحها كما نفعل عندما يشتد علينا الشوق.

 

 

شرط حسنة الحريري للنسيان هي عودة سوريا، وأما النذر الكبير الذي تهمس به لروح ابنتها سعاد أنها ستعود حافية من إربد في الأردن إلى بصرى الحرير، وتعلن فرحتها بالنصر.

لم يقتلوا حكاءة الحزن السوري بعد، وإن سرقوا منها بعض أملها بالتخاذل والتواطؤ، ولكنهم اليوم يريدون حرمانها من نذرها، من خطواتها الحافية نحو الوطن.