icon
التغطية الحية

حسان عباس في "لا تغمض عينيك".. عن نصوص تثبت الشمس في كبد السماء

2021.03.11 | 15:28 دمشق

12ssthyy.png
علاء رشيدي
+A
حجم الخط
-A

عدا عن كتبه التخصصية في المواطنة (أنا أنت هم، كتاب جماعي عن المواطنة، 2002)، في الأدب (رحلة مع الهايكو، 2008) و(الجسد في رواية الحرب السورية، 2021)، وفي الموسيقى (الموسيقى التقليدية في سورية، 2018)، يأتي كتاب (لا تغمض عينيك) الصادر عن دار "بيت المواطن"، متضمناً مجموعة المقالات التي كتبها حسان عباس في السنوات الأخيرة والتي من خلالها يمكن الولوج إلى مجموع أفكاره، وخلاصة رؤاه السياسية، الاجتماعية، والفنية خلال المرحلة السورية الراهنة. عدا على أن عنوان الكتاب اليوم، بعد إغماضه عينيه عن رحلة الحياة، يكتسب شحنة عاطفية كثيفة مؤثرة في القارئ.

 الحدث السوري من الملحمي إلى العبثي:

في مقالة بعنوان (ثم يأتي العبث) يطرح عباس قراءة للأحداث السورية بناءً على نظرية الأجناس الأدبية، فيعتبر أن الحكاية السورية مرت بثلاث مراحل متتابعة: الأولى المرحلة الملحمية والتي تتمثل بالشجاعة الفريدة التي أبدتها جموع من السوريين كسرت قمقم الخوف، وقامت بمظاهرات واعتصامات للمطالبة بالحرية.

ثم انتقلت إلى المرحلة الثانية وهي المرحلة التراجيدية التي انتقل فيها الحال من الثورة إلى الحرب الداخلية، وتتميز هذه المرحلة بمميزات البطل التراجيدي من الشجاعة والإقدام أولاً، التضحية والفداء كرمى القيم السامية ثانياً، والنقاء الأخلاقي الذي يدفع به إلى خوض حرب يعرف بكامل وعيه أنها حرب بلا مخرج ثالثاً.

أما المرحلة الثالثة التي تفتتح على مشهد الخراب والموت والحزن العميم، إنها المرحلة المأساوية بامتياز، ويتحول فيها الأفراد إلى شخصيات تقوم بحربها بقناعاتها وبكامل حريتها ووعيها. الموت في هذه المرحلة ليس احتمالاً غير مستحب بل يصبح فعلاً مطلوباً.

وبعد أن يشرح الكاتب المراحل الثلاثة: الملحمية، التراجيدية، والمأساوية، يقدم نبؤة مستقبلية عن المرحلة القادمة، فينهي مقاله بالعبارة التالية: "في مرحلة قادمة، وبعد أن ينجزوا المأساة، سيجلس المتقاتلون منهكين متسولين للحل المجهز سلفاً. عندها، إن بقي لدى بعضهم شيء من الضمير، سينظرون إلى أرض الخراب ويتساءلون في قرارة أنفسهم: لم فعلنا كل ذلك؟ عندها تبدأ مرحلة العبث".

القصص في فن المقال:

يجمع عباس في مقالاته بين فن القص وفن المقالة، في نصوص مثل (مواقف) التي تروي حكايات عن نازحين سوريين في داخل مدينة دمشق، عن آباء فقدوا أبناءهم وعقولهم يهلوسون بآلامهم في وسائل النقل العامة، يتضمن أيضاً حكاية عائلة يتم ابتزازها للحصول على معلومات عن أبنائهم المختفين قسرياً، كما يروي قصة مشاركته مع الروائي (خالد خليفة) في تشييع الشهيد (ربيع الغزي) والاعتداءات التي تعرضوا لها، لتصبح المقالة عبارة عن خمسة قصص متجاورة يوصل الكاتب من خلالها آراءه عن ظواهر اجتماعية سورية.

تحضر القصة أيضاً في مقالة بعنوان (السيدة مريم) التي يتوقف عباس عند نماذج الأمهات الكليمات لكنهن في الوقت عينه استطعن على بث التوازن، الأمل بالمستقبل، والحث على التغيير كما هي والدة الشهيد (أيهم غزول) التي يصف النص ابتسامتها الدائمة: "هذه المرأة التي تعرف أنها تهز العالم بيسارها، ليس بالعنف والدعوة إلى القتل والانتقام، بل يفيض الإنسانية وحكمة الألم"، وفي هذا الإطار فقد ساهم عباس بتحرير وتحقيق كتاب بعنوان (شهادات أمهات سوريات) نشر بالتعاون بين الرابطة السورية للمواطنة التي كان قائماً عليها، ومجموعة (بسمة) الدولية.

في (ثمة رأس كان هنا) يجاور عباس بين قصة إنقاذ طفلة من الأنقاض وقد أطيح برأسها، وبين حادثة قطع رأس تمثال أبو العلاء المعري في بلدته المعرة: "شتان ما بين وحشية حز رأس آدمي، خاصة وإن كان طفلاً، وقطع رأس تمثال، بل لا تجوز المقارنة بين الفعلين، لكن ثمة قاسم مشترك بينهما، لا يمكننا إنكار وجوده، إنه الهمجية بكل ما تعنيه من وحشية وجهل". وكذلك لمقالة (أشياء السيد س التافهة) طابع قصصي، فالكاتب يروي حكاية عن شخصية السيد "س" الإنسان العادي الذي يعيش في دمشق، لكن حياته العادية مليئة بالأفعال البطولية، وعبر حكاية هذه الشخصية المجهولة، المقالة موجهة إلى ذكرى عمر عزيز، يحاول عباس ان يرسم معالم البطولة لكن بشكلها السوري الراهن منذ 2011، فيكتب: "إيصال صندوق حليب لأطفال مهجرين في حي بعيد، إيصال مساعدة مالية لسيدة مهجرة، مساعدة مجموعة من الشباب في تنظيم نشاطهم المدني، وإنهاء دراسة علمية لمركز أبحاث، لقاء بعض الشباب المحبطين ليحاول بعث الأمل فيهم".

الحكاية السورية ونماذج من الأدب والفن العالمي:   

 كلما عالج عباس في نصوصه موضوعة ما، قدم عنها نماذجاً من حكايات التراث الإنساني، من الأعمال الأدبية أو الشعرية

 كلما عالج عباس في نصوصه موضوعة ما، قدم عنها نماذجاً من حكايات التراث الإنساني، من الأعمال الأدبية أو الشعرية، مثل حكاية (إيلبينور) من ملحمة الأوديسة، حكاية (يهوذا الإسخريوطي) الذي أوكل له (المسيح) مهمة حفظ أموال الجماعة لكنه خان الأمانة، يروي الكاتب هذه الحكاية في إطار معالجته لموضوعة الفساد، التي لم يقصر الكاتب معالجتها على النظام الحاكم، بل تحدث عن الفساد الموجود في القوى التي تعتبر نفسها في إطار المعارضة أو الثورية، وخصوصاً الفساد في المبالغ المالية المرسلة للإغاثة. كما يعالج عباس ثقافة الإقصاء وممارساتها في مقالة بعنوان (شعارات الأقصاء)، عبر تحليل الهتافات والشعارات التي عملت على إقصاء الآخر. بينما يعالج في مقالة (متعلمو السحر)، كيف انقلب خيار النظام الحاكم بالحل الأمني والتساهل مع تسلح المجتمع والتركيز إعلامياً على الشكل العسكري، انقلب ليتحول هذا السلاح إلى أيدي الجهاديين، وتصبح سورية أرض جهاد، لقد انقلب السحر على الساحر بحسب تعابير الكاتب.

لا تخلو مجموعة المقالات أيضاً، من تحليل لأعمال فنية تعكس التجربة السورية، ومنها مقالة (مقاربتان بصريتان للنزوح السوري)، التي يحلل فيها عباس فيلمان (نحنا مو هيك، للمخرجة كارول منصور)، و(آهات الحرية، الذي يشارك د. حسان كأحد شخصياته) كنماذج سينمائية في مقاربة مسألة النزوح السوري، نماذج تطرح أسئلة الماضي، أسئلة النزوح، وأسئلة الراهن أو المنفى، فيكتب: "في الفيلم الأول الشخصيات هي الحكايات، أما في الفيلم الثاني فالمنفى هو الحكاية، وفي الحالتين نجح المخرجان، كل من وجهة نظره، وكل حسب حساسيته، في مقاربتهما البصرية لمأساة النزوح السوري".

لينك فيلم (آهات الحرية):

 

 

عن الخوف والعنف في الممارسة السورية:

تفكيك آليات الخوف العنف في الثقافة والممارسة السورية يحضر كشاغل أساسي في كتابات عباس الأخيرة. في (شياطين الخوف) يبحث الكاتب في بنية ثقافة الخوف وكيفية تشكليها ومأسستها عبر أجهزة القمع والرقابة: "ثقافة الخوف هي الزيت الذي يسمح لمسننات الأنظمة الاستبدادية بالدوران"، ويروي لنا مثالاً حكاية امرأة قالت حين مشاهدتها لفيلم "طوفان في بلاد البعث" لعمر أميرالاي: "شعرت وأنا أشاهد الفيلم بالسرور، غير أني انتبهت إلى مشاعري فخفت، ثم أعدت لروي قناع الجدية بعد أن اطمأننت أن أحداً لم ينتبه إلى سروري"، لتعملنا المقالة أن هذه المرأة كانت من بين الأوائل اللواتي شاركن في المظاهرات المطالبة بالحرية. 

يعتبر الشاعر (إبراهيم اليوسف) أن عباس قدم في مقالته (الرأرأة السورية) نواة نظرية جديدة في توصيف الخوف السوري، حين يستعير مرضاً يشخص بالطب السريري العيني بالخلل في الأجهزة التي تتحكم بحركة العين يؤدي إلى حركة اهتزازية لا إرادية في العين. هذا المرض يستعيده عباس عند الحديث عن الخوف عند السوريين: "بعيداً عن الطب، كانت تلاحظ لدى السوريين في سنوات حكم عائلة الأسد حركة لا إرادية يقومون بها بعيونهم، تتميز بانحراف كرة العين عن محورها لتتجه نحو النوافذ والأبواب، في الحيز الذي يجمعهم، فور نطقهم، أو نطق أحد مُجالِسيهم بكلمة أو إشارة تنال من القائد أو الحزب أو أجهزة الأمن ومن ينتمي إليها".

أما في مقاله (تحولات في ثقافة الخوف)، فهو يتتبع الأساليب الجديدة التي اتبعت من قبل السلطات، سوآءا الحاكمة أو التي فرضت بقوة السلاح والتطرف الديني، في فرض ثقافة الخوف مجدداً بعد حدث الثورة السورية: "هنا، كان لابد للنظام من أن يستعيد ثقافة الخوف، وكان ذلك يتطلب استحداث آليات جديدة غير تلك التي هشمتها الثورة. لكن يبقى الأمل بأن شعباً كسر خوفاً متركماً من عقود، لن يعصب عليه صد خوف تتراءى طلائعه براياتها السود". أما مقاله (الوحش فينا) فهو الأكثر قسوة في نقد الذات السورية، الذي يتساءل عباس في نهايته: "ينظر السوريون اليوم إلى روايات العنف المتناثرة في فضاء بلادهم ويتساءلون: من أين جاءنا هذا الوحش؟ أم تراه كان فينا؟". 

الذاكرة الجمعية من التماثيل المهيمنة إلى توثيق الانتهاكات: 

مجموعة من النصوص تناول فيها عباس موضوعة الذاكرة السورية في مراحل متعددة وِأشكال مختلفة فيتناول ذاكرة الماضي، ذاكرة اللحظة، وذاكرة النازحين والمنفيين بعيداً عن وطنهم. عن ذاكرة الماضي يتطرق مقاله (التمثال والذاكرة الجمعية) عن دور التماثيل والمشيدات والنصب والجداريات في إغراق المواطن بحضور السلطان، ليصبح حاضراً حتى في ذاته، وفي الاقتباس التالي يشرح عباس بدقة التماثل الذي تريده السلطة بين الفضاء العام المهيمن عليه، وبين بواطن الأفراد الداخلية: "للنصب والتماثيل والجداريات تأثير نفسي مباشر على المواطنين لأنها تحول فكرة الوجود الكلي للسلطان إلى أمر ماثل في الواقع. تنقلها من مستوى المتخيل إلى مستوى المحسوس المادي. وعندما تملأ تماثيل السلطان ونصبه الفضاء المحيط بالمواطن، ترتسم أيضاً كصورة مهيمنة في فضائه الداخلي".

وعن ذاكرة اللحظة يكتب مقاله (حراس الذاكرة) كإهداء للدور الذي قام به النشطاء والناشطات، في توثيق انتهاكات الحرب السورية: "فالانتهاكات المسجلة وثيقة لا بج منها لمل بناء لسيرورة عدالة انتقالية". أما عن ذاكرة النازحين قسراً والمنفيين فيعتبر عباس في مقاله (سورية لا أم لها) أن ذاكرة السوريين في علاقتهم مع وطنهم أصبحت مشوهة: "الذاكرة الجمعية السورية عن الوطن كمكان جامع لمواطنيه حبلى بندوب البتر والاستئصال والاقتطاع". 

الحب والثورة التوق إلى المشتهى:

في مقالة (الحب في زمن الثورة) يقارب عباس: "بين الحب والثورة قواسم مشتركة، منها أن كليهما ينهض على توق لتجاوز حال قائم إلى حال مشتهى. الحب طاقة جوانية تشع من إنسان وتصبو إلى تماه في آخر، أو حاجة لجوجة لا تنصرف حتى تجد اشباعها في الآخر. والثورة، خروج على وضع لم يعد مقبولاً، وفعل يهدف إلى خلق وضع آخر"، ويجمع الكاتب في هذا النص مجموعة من شهادات-قصص تجمع بين الحب والثورة، واحدة عن شاب أنقذ متظاهرة من أيدي الأمن لتنشأ بينهما قصة حب، وحكاية أخرى تروي فيها المرأة المتظاهرة: "كنت أتذرّع باشتياقي لأهلي فأذهب إلى مدينتي كل خميس. لكن غايتي كانت المشاركة بمظاهرات الجمعة، ليس لأنني مع الثورة كليا فقط، لكن لأنه كان ينتظرني، يمشي مع المجموعة التي تحمي النساء المشاركات في المظاهرة، لكنني كنت أعرف أنه كان هناك ليحميني. عشقته مرتين: لأنه هناك، ولأنه هناك ليحميني".

سورية كمكان، والأمكنة في سورية:

تعج كتابات عباس أيضاً بالأمكنة السورية من المدن الكبرى، إلى البلدات، إلى الأحياء الصغيرة والفرعية، أبرز المقالات في هذا الإطار كتبه عن مخيم اليرموك تحت عنوان (تاريخ إلى غبار): "في هذه الأثناء، وأنا أكتب هذا النص، يرج زجاج نافذتي من أصوات القذائف المنطلقة من أرض ومن سماء باتجاه المخيم. قذائف لا تفرق نارها بين فلسطيني وسوري". أما مقالة (حيث لا مكان)، فهي لا تتعامل مع مكان محدد، بل مع مفهوم المكان بالمطلق، يتناول هذا النص حجم الدمار الذي حل بسورية، ورغم أن الكاتب يتفاءل بالأجيال القادمة إلا أنه يخشى في نهاية النص ألا يجدوا مكاناً أو وطناً اسمه سورية، أن تتحول سورية إلى اللا مكان. 

وعن المكان-البيت، يدرس عباس في مقالة بعنوان (البيت الموؤود) علاقة البشر بمنازلهم، في ظل انتشار الدمار، النزوح القسري هرباً من الموت، تهدم أحياء بأكملها، وظاهرة التعفيش وسرقة المنازل، لكن الكاتب يقارب في هذا النص علاقة الإنسان ببيته مقاربة حميمية-نفسية-فلسفية: "البيت هو روح صاحبه، والإنسان هو روح بيته، فالعلاقة بين الإنسان وبيته هي أكثر من علاقة، هي حياة"، ويقدم الكاتب مقارنة حساسة بين جثة الشهيد التي لا تُغسل بل تكفي في ثياب صالحة للكفن، والبيوت الشهيدة التي لا تنظف ولا تغسل ولا تكفن، بل تبقى أشلاؤها المتقطعة تحت رحمة عيون الغرباء".

المدرسة التعبوية والتعليم الأحادي الفكر:

يولي عباس الكثير من الأهمية إلى النظام التعليمي السوري ودور المدرسة في تكوين الفكر الجمعي، فيفتتح مقاله (المدرسة السورية، إلى أين؟) بالعبارة التالية: "المدرسة هي مصنع المواطنة، هكذا تقول أدبيات المواطنة"، وينتقد فيها الكاتب فرض الفكر القومجي الذي يرى في المدرسة جهازاً تعبوياً، وظيفته تنشئة أجيال مشبعة بالفكر الأحادي الذي نصب نفسه قائداً للدولة والمجتمع، وغياب الثقافة المواطنية عن مناهج التعليم السورية. ويتوقف عند مستقبل التعليم السوري وخصوصاً مما أحاق بالطفولة السورية من تسرب من التعليم، من النزوح القسري، وحياة المخيمات التي لا تملك ما يكفي من مقومات التنشئة المستقبلية للأجيال، ويتوقف في نصه عند الدمار الذي أحاق بعدد كبير من المدارس. وفي مقاله (رؤوس التبن) يستعرض أساليب المدرسين العنيفة والتعابير اللفظية القاسية التي يستعملونها في مخاطبة التلاميذ.

الانشغال بمستقبل الطفولة السورية:

أمام صور مذبحة قرية البيضا، تدفعنا الرغبة إلى القول لكل سوري، ولكل من شارك في هذه المجزرة وفي غيرها، لكل الأطفال الذين يقضي آباؤهم، ومن يقود آباءهم، على مستقبلهم؛ يدفعنا الغضب للصراخ في وجه العالم المطعون في إنسانيته: لا تغمض عينيك

المقالة التي يحمل كامل الكتاب عنوانها (لا تغمض عينيك)، عنوان يتضمن شحنة عاطفية قوية بعد مغادرة الكاتب للحياة، مهداة إلى أطفال مذبحة قرية البيضا. المقالة تتناول عنف المشاهد القادمة من هذه الجريمة، تناقش قدرة العين والعقل على تحمل قسوة هذه اللقطات والصور وتباهي الجناة بفعلتهم في الفيديوهات، يشبه بصريات هذه المجزرة بلوحات الفنان الإسباني (فرانشيسكو غويا)، وأفلام (بيير بولو بازوليني)، وروايات الفرنسي (سيلين)، وفعل الأمر "لا تغمض عينيك" موجهة في المقالة إلى ضمير الإنسانية: "أمام صور مذبحة قرية البيضا، تدفعنا الرغبة إلى القول لكل سوري، ولكل من شارك في هذه المجزرة وفي غيرها، لكل الأطفال الذين يقضي آباؤهم، ومن يقود آباءهم، على مستقبلهم؛ يدفعنا الغضب للصراخ في وجه العالم المطعون في إنسانيته: لا تغمض عينيك".

يتتبع عباس حال الطفولة السورية التي تشكل مؤشراً دقيقاً لما يعانيه المجتمع برمته، فالطفولة السورية هي حاملة الأسئلة الأخلاقية الأقسى على الضمير العالمي. في مقاله (إذا نزل النبي) يبين الكاتب أن الطفولة السورية تنوس بين مأساتين، مأساة الطفل حمزة الخطيب الذي أدت وفاته، ليس إلى الشرارة التي أطلقت الثورة، لكن إلى شحذ الحراك الشعبي بمزيد من الغضب والاحتجاج، ومأساة الطفل محمد القطاع الذي أعدم من قبل القوى الدينية المتشددة للتجديف الذي لفزه بلحظة غضب. كأن المقال يقول بأن الطفولة السورية أيضاً تعيش بين استبدادين استبداد النظام الحاكم واستبداد القوى المتطرفة دينياً.

في (صناعة التفاؤل) يعتبر حسان عباس أن سؤال السوريين الراهن هو الحال بين التشاؤم والتفاؤل، ويستشهد بتعريف المصور الفرنسي بيكابيا عن المتشائمين بأنهم أولئك الذين يرون النهار منحصراً بين ليلين، أما المتفائلين فهم الذين يرون الليل منحصراً بين نهارين. وبترجمة المعادلة على الوضع السوري، تقدم المقالة مقاربة خاصة للتشاؤم الثوري الذي يتوجب أن يكون دوره الأول صناعة التفاؤل، مما يعني أن التشاؤم هو الدافع الذي يحرك المناضلين لبناء مستقبل أفضل: "قد لا يكون غدنا نحن السوريين مشرقاً، لكن علينا فعل المستحيل لنثبت الشمس في كبد السماء".

كلمات مفتاحية