حزن قادة حماس وفرحة السوريين

2020.01.06 | 14:43 دمشق

hnyt_wkhamnyy.jpg
+A
حجم الخط
-A

تنتشر عبر وسائل الإعلام العديد من التصريحات، عن قادة حماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، تعزي بمقتل القائد الشهيد قاسم سليماني، وتنتشر عشرات الصور لمجالس العزاء بهذا المصاب الجلل، برعاية ذات الجهات، مواقف مخزية أخرى، تضاف إلى عشرات المواقف والعثرات التي ترتكبها قيادات فلسطينية تتزعم التيار الإسلامي، الذي يفترض نظريا أن يكون الأكثر ثباتاً، على مواقف الحق والعدل وعدم مهادنة الطغاة.

يصدمنا كسوريين عامةً وكمناصرين لحق حماس وجميع الفلسطينيين بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، هذه المناصرة التي بذل السوريون وكثيرٌ من العرب وغيرهم، على مدار سبعين عاماً، الكثير الكثير من مالهم ودمائهم، وكانت علة نظام الأسد في تقزيم مشاريع التنمية وكبت الحريات تقديماً للأولوية الأولى، قضية فلسطين.

يصدمنا ذلك الحزن العميق، الذي ما تفتأ قيادات حماس تبديه، عقب أي مصابٍ يصيب حليفهم الإيراني، رغم انجلاء المشهد اليوم، عن حجم الإجرام الذي ترتكبه إيران في سوريا والعراق واليمن وحتى في لبنان، من تفتيت للبنية الاجتماعية وتمزيقها، عبر حروبٍ طائفيةٍ تغذيها ثقافة الكراهية المحضة.

وتتسرب التبريرات هنا وهناك، من أن حماس لولا دعم إيران لها لما استطاعت الصمود في وجه قوات الاحتلال الإسرائيلي، وهذا تبرير وضيع لا يسوغ لحماس الوقوف مع محتل إيراني هو أشد فظاعة من المحتل الإسرائيلي بأشواط.

إيران تمعن في حربها العقائدية التي تغذي بها جنودها وميليشياتها وعصاباتها في العراق وسوريا وغيرهما

إيران تمعن في حربها العقائدية التي تغذي بها جنودها وميليشياتها وعصاباتها في العراق وسوريا وغيرهما بحيث يخوضون الحرب المقدسة في سوريا على أساس حرب شيعة منافحين عن حق آل البيت ضد السنة السوريين قاتلي الحسين، والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى.

ولن ننسى كسوريين أولى شعارات الفتنة الطائفية التي أطلقها حزب الله تبريراً لدخول عناصره لمؤازرة نظام المجرم في سوريا (لن تسبى زينب مرتين).

إيران التي تعمد إلى تمزيق البنية الاجتماعية السورية وتمعن في إفسادها عبر تشويهات ديموغرافية وثقافية بقوة المال والقتل الذي تمارسه في سوريا منذ زمن حكم حافظ الأسد إلى يومنا هذا. هذا الإجرام الذي لم تبلغه دولة إسرائيل المحتلة، بالرغم من كل إجرامها وعسفها المتراكم على مدى سبعين سنة.

من موقعنا وموقفنا الطبيعي، كشعوبٍ ترفض العدوان والظلم، كجزءٍ أساسيٍ من بنيتنا الثقافية على تنوعاتها، والتي تعد الظلم من أقبح الصفات وأجرم الأفعال، وقف الشعب السوري بجميع اطيافه، مع القضية المحورية، "قضية فلسطين" وكان يكفي عبر سبعين سنة لإدانة أي بيانٍ سياسيٍ، او مشروعٍ تحرري او نهضوي أن يقال (إنه أغفل التضامن والوقوف مع الحق الفلسطيني ضد دولة الاحتلال).

لقد كان الوقوف والتضامن مع الفلسطينيين، هو السقف الأدنى الذي لا يمكن تجاوزه، لإثبات الحزم الوطني والانتماء القومي، وما يزال كل مثقفٍ سوريٍ او مناضلٍ او سياسيٍ يرى ذات الرأي إلى يومنا هذا.

واليوم تطلع علينا قيادات من حماس وحركة الجهاد الإسلامي، وهي ما تزال تخوض معركتها مع دولة الاحتلال، كما تخوض خصومتها الأعنف مع السلطة الفلسطينية، بمسوغ الانحياز للحق والعدل، بمواقف وبيانات يخجل منها كل ذي ضمير، أين هذا الانحياز وهم ينافقون اليوم لدولةٍ مجرمةٍ، تقتل السوريين والعراقيين واليمنيين وتحتل أرضهم، بشراكةٍ وتنسيقٍ عاليين مع محتلٍ يبذها اجراما وهو المحتل الروسي؟!

إن المبرر القيمي والأخلاقي لوجود حماس أصلاً، كقوة منفصلة عن الجسد الفلسطيني العام، بالرغم ما لذلك من تداعياتٍ كارثيةٍ، أقلها تمزيق الصف الفلسطيني، تفقده حماس اليوم بضربةٍ واحدةٍ، بانحيازها المعلن لإيران، وهي بهذا تضرب الحاضنة الشعبية الإسلامية والعربية، التي تخوض حربها الأكبر في ثورتها على أنظمتها القمعية.

ولو عدنا أربعين سنة إلى الوراء، ننظر الى أصداء موقف السادات بالتطبيع مع إسرائيل، وعقد صفقة سلامٍ منفردةٍ معها، لوجدناه مع رفضنا العميق له، أقرب للمنطق بمرات من موقف حماس، إذ تضع يدها مع دولةٍ مجرمةٍ مثل إيران، دولةُ نلنا من إجرامها نحن السوريين خلال عقدٍ من الزمن، أضعاف ما ناله شعب فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي، على مدى سبعة عقود. 

والذي يجد المقارنة صادمة، فليذهب إلى أخبار المعتقلات والبلدات السورية، التي تجتاحها الميليشيات الإيرانية أو المدعومة إيرانياً كحزب الله، حيث سيجد جموعاً بربريةً تسرف في القتل، وتجد له عزاءً دينياً يرضي الله ويسعد الولي الفقيه. 

وإذا أردنا أن نقارن إجرام المجرم شارون، والذي أصبح علما للقتل والمجازر في فلسطين، بما ارتكبه قاسم سليماني في العراق وسوريا، عبر عدة سنواتٍ، لوجدنا ما فعله شارون قياساً لما ارتكبه قاسم سليماني، أقرب إلى لعب الأطفال. 

وكما تؤكد الوقائع، فإن ضمير الشعوب أنقى وأطهر وأصوب من مواقف الكتل السياسية، التي تصدِّع رؤوسنا صباحا مساء بشعاراتها وقيمها الورقية، فقد أشعل السوريون مواقعهم بفرحٍ غامرٍ، كادوا من هول المصاب أن ينسوا طعمه، فرحاً بمقتل مجرم من أعتى المجرمين، وكلنا أمل أن يكون حلقة أولى لسلسة طويلة من أشباهه.