حزب الله يمارس الألاعيب من أجل إعادة اللاجئين إلى سوريا

2018.07.12 | 16:36 دمشق

+A
حجم الخط
-A

أعلن زعيم حزب الله حسن نصر الله مؤخراً أن الحزب سيتولّى أمر إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، وبينما ألمح حزب الله إلى أن الجهود التي سيقوم بها في هذا الصدد سوف تتم بالتنسيق مع قوات الأمن اللبنانية؛ فإن الواقع يقول أن حزب الله سيتولّى مسئولية ترحيل اللاجئين السوريين بصورة منفردة، وعلى أي حال، فإن إعلان حسن نصر الله كان بمثابة رسالة واضحة مفادها أن نفوذ حزب الله يزداد قوة في الداخل اللبناني بينما يسعى الحزب إلى دعم بشار الأسد سواء في الداخل السوري أو في الخارج.

وكان حزب الله قد قام بإنشاء مراكز تسجيل، وتوفير خطوط هاتف وحسابات على مواقع التواصُل الاجتماعي لتسهيل عملية إعادة اللاجئين إلى سوريا، وقام حزب الله بإنشاء 9 مراكز في منطقة نفوذ الحزب بالجنوب اللبناني وسهل البقاع والضاحية الجنوبية من أجل إتمام عملية إعادة اللاجئين الذين يريدون العودة إلى سوريا، وستقوم أجهزة الأمن السورية بفحص أوراق اللاجئين طالبي العودة من لبنان، وبمجرد انتهاء عملية الفحص ستتم إعادة هؤلاء اللاجئين إلى سوريا بالتنسيق مع الجيش اللبناني، وبعد انتهاء تلك المرحلة سيقوم حزب الله بإقناع المزيد من اللاجئين المترددين بالعودة إلى سوريا، وليس من الواضح الأساليب التي سوف يستخدمها حزب الله لإقناع هؤلاء اللاجئين بالعودة إلى سوريا، فهناك مخاوف من قيام حزب الله بإجبار اللاجئين السوريين على العودة إلى وطنهم.

والواقع أن الهدف من قيام حزب الله بإعادة اللاجئين إلى سوريا يكمن تقويض الجهود التي يبذلها مُعارضي حزب الله في الداخل اللبناني، حيث يحاول الحزب تصوير مسألة اللاجئين السوريين على أنها تمثل تهديداً للبنان وتعُد قضية سياسية هامة للغاية.

وكثيراً ما قام حزب الله بتبرير تدخُله العسكري في سوريا على أنه إجراء وقائي لحماية لبنان من الجماعات المتطرفة التي تعمل على الأراضي السورية، وخاصة جبهة النُصرة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، لكن حزب الله لم ينجح في إقناع اللبنانيين (خاصة الذين لا يعيشون في مناطق سيطرة الحزب) بأنه يحارب في سوريا من أجل مصلحة لبنان وليس من أجل مصالحه الشخصية، وقد قام الحزب بإجراءات من أجل تغيير تلك الصورة الذهنية لدى الشعب اللبناني حيث قام في العام الماضي بعدة عمليات عسكرية على طول الحدود اللبنانية السورية من أجل تطهير تلك المنطقة من عناصر جبهة النُصرة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وتلك العمليات أسفرت عن بسط الأمن في المدن اللبنانية المحاذية للحدود السورية، كما أنها أدّت إلى تحسين صورة الحزب في الداخل اللبناني.

والآن فإن حزب الله يأمل في أن تُسفر جهوده في إعادة اللاجئين السوريين في تعزيز شعبيته على مستوى لبنان، ويحاول حزب الله تصوير عملية إعادة اللاجئين السوريين على أنها نتيجة للتدخُل العسكري الذي قام به الحزب في سوريا، وكذلك فإن حزب الله يحاول ترويج فكرة مفادها أن دعم نظام بشار الأسد سيساهم في القضاء على المتمردين ومن ثم تمهيد الأوضاع لإعادة اللاجئين السوريين، وبمعنى آخر، فإن حزب الله يحاول تصدير فكرة أن انتصارات بشار الأسد تعُد انتصارات للبنان أيضاً.

وفي الوقت الحالي، يوجد على الأراضي اللبنانية مليوناً من اللاجئين السوريين المسجلين، حيث يمثل هؤلاء اللاجئين أكثر من 20% من تعداد لبنان، وبالإضافة إلى ضخامة عدد اللاجئين السوريين في لبنان فإن البلاد تُعاني من ضعف البنية التحتية وعدم توافر الخدمات والموارد، وقد أدّى ذلك بالتبعية إلى أن باتت قضية إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم بمثابة أولوية قومية بالنسبة للبنان، لذا فإن حزب الله يريد أن يكون مركز الثقل بالنسبة لتلك العملية من أجل تدعيم نفوذه السياسي على مستوى لبنان.

والواقع أن قرار حزب الله بتولّي مسئولية إعادة اللاجئين السوريين لم يتم اتخاذه في أروقة الحزب، وإنما تم اتخاذه في دمشق.

وقد جاء إعلان حسن نصر الله عن خطط الحزب بشأن إعادة اللاجئين السوريين بعد يوم واحد من مغادرة مئات اللاجئين السوريين لبلدة عرسال الحدودية حيث تم إعادتهم إلى مناطق قريبة من العاصمة دمشق، لكن نية دمشق الحقيقية سنعرفها حين نعلم أن النظام السوري رفض عودة مجموعة أخرى تتألّف من عدة مئات من اللاجئين، وقد جاء هذا القرار من أجل الاحتجاج على محاولات لبنان للاستفادة من تلك القضية سياسياً واقتصادياً، والأهم هو أن دمشق لم تكُن راضية عن كون عملية عودة اللاجئين قد تمّت عبر القنوات الأمنية وليس الدبلوماسية.

والحقيقة أن النظام السوري يُصِرّ على أن يتولّى حزب الله إعادة اللاجئين السوريين في لبنان من أجل تلميع صورة الدبلوماسية السورية النشطة، كما أن تلك العملية تُضفي الشرعية على بشار الأسد باعتباره طرفاً في هذا النشاط الدبلوماسي، وكذا فإن تلك العملية تُساعِد على ظهور حزب الله وكأنه جزء من الحكومة اللبنانية، علاوة على ذلك، فإن ذلك سيؤدي بدوره إلى إقناع دول أخرى سواء في الشرق الأوسط أو في أوروبا بأن استعادة القنوات الدبلوماسية مع بشار الأسد سيساهم في عودة اللاجئين إلى سوريا.

والواقع أن قرار حسن نصر الله بترحيل اللاجئين السوريين على نطاق واسع هو قرار سابق لأوانه كما أنه قرار خطير للغاية، فالوكالات التابعة للأمم المتحدة وكذا منظمات حقوق الإنسان أكّدت مراراً على أن الظروف غير مُهيّأة لعودة اللاجئين السوريين، تلك العملية التي تتطلّب الوصول إلى تسوية سياسية عادلة لإنهاء العنف الدائر على الأراضي السورية، ومن ثم فإن عملية إعادة اللاجئين لو تم استئنافها دون مراعاة الأخطار الناجمة عنها فإن المجتمع الدولي يجب عليه – على أقل تقدير – أن يبذل الجهد من أجل تعيين مراقبين مستقلين في مراكز تسجيل اللاجئين التابعة لحزب الله، للتأكد من أن سُلطات حزب الله لن تجبر هؤلاء اللاجئين على العودة إلى سوريا دون رغبتهم.

وتقع المسئولية على عاتق المجتمع الدولي لبذل أقصى جهد ممكن من أجل حماية اللاجئين ضد قيام حزب الله وبشار الأسد باستخدامهم كورقة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية.

كلمات مفتاحية