حزب الله يضع لبنان في فوهة المدفع مجددا

2019.07.16 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

بالرغم من أنّ بعض الببّغاوات لا تزال تردّد بأنّ حزب الله هو حزب لبناني وأنّ هدفه الأساسي هو الدفاع عن لبنان وأنّ علاقته بالنظام الإيراني هي علاقة غير عضوية يتمتّع الحزب فيها باستقلالية تامة فيما يتعلق باتخاذ القرارات لا سيما المصيريّة منها، يأبى الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله إلاّ أنّ يكذّب هؤلاء وينسف أطروحاتهم بشكل مستمر ليؤكّد العكس تماماً. 

هذا المنحى ليس جديداً بطبيعة الحال، وبدأ يترسّخ أكثر فأكثر بعد أن بلغت قوة الحزب ذروتها داخل الساحة اللبنانية ولم يعد يحتاج معها إلى التقيّة لإخفاء أهدافه الحقيقيّة ولا إلى المداراة السياسيّة التي كان يتّبعها لتوسيع نطاق الدعم الشعبي له خاصة بعد أن انكشفت ألاعيبه الواحدة تلوَ الأخرى منذ اغتيال الحريري في العام ٢٠٠٥ حتى اليوم. افتخر نصرالله ذات مرّة بأنّه جندي صغير في جيش الولي الفقيه، والجندي كما هو معلوم ليس في موقع الاجتهاد والتحليل ولا يمتلك حريّة التحرّك، وإنما هو مجرّد بيدق، منفّذ صغير للأوامر، وهدفه في نهاية المطاف كما باقي الجنود حماية الملك، أو الولي الفقيه في هذه الحالة بالتحديد!

تستعر الخلافات الأمريكية- الإيرانية على خلفيّة الاتفاق النووي فيخرج حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله من لبنان ليقول إنّه إذا ما اندلعت الحرب بين الجانبين فسيكون هو وحزبه طرفاً فيها حيث سيتم فتح النار على إسرائيل انطلاقاً من الأراضي اللبنانية. لماذا؟ وما مصلحة لبنان الدولة في ذلك؟ وأين هم المسؤولون اللبنانيون من هذه التصريحات؟ وهل استشار الحزب أو أمينه العام أيّاً منهم قبل أن ينطق بها؟ 

الدولة اللبنانية غير موجودة عندما يقرر حزب الله أن يخالف قرارها السياسي ويتدخل في سوريا لحماية الأسد وقتل الشعب السوري

بالطبع لا، فالحزب ليس بحاجة إلى المسؤولين اللبنانيين أو الشعب اللبناني أو الدولة اللبنانية إلاّ عندما يتعرض هو لعقوبات أو لضربات عسكرية. بمعنى آخر، هو ينظر إليهم فقط كدرع واقٍ له أثناء قيامه بمهمّته في تنفيذ تعليمات الولي الفقيه لحماية المصالح الإيرانية. المفارقة أنّ الدولة اللبنانية والمسؤولين اللبنانيين لا يطفون إلى السطح إلاّ عندما يكون هناك حديث عنصري ضد الفلسطينيين والسوريين وغيرهم بحجّة حماية "البلد" و"الدولة". الدولة غير موجودة عندما يقرر حزب الله أن يخالف قرارها السياسي ويتدخل في سوريا لحماية الأسد وقتل الشعب السوري، وغير موجودة حتماً عندما يقرر حزب الله زجّها في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل.

قرر حزب الله أن يستفيق فجأة على خطر إسرائيل ويهدّد تل أبيب قائلاً إنّ الحرب إذا اندلعت –بين أمريكا وإيران- فلن تستثنيَ إسرائيل منها، علماً أنّه بقي نائماً على خطر إسرائيل خلال ال١٣ عاماً الماضية، مستبدلاً إيّاه بالخطر السنّي في سوريا. وبعد انتهاء التعليمات المتعلقة بدوره في حماية المصالح الإيرانية في سوريا، عاد مجدداً إلى دوره التقليدي في حماية إيران من البوابة الإيرانية. المفارقة أنّ نتنياهو ذكّر هو الآخر الأمين العام لحزب الله بشكل واضح وصريح بأنّه إذا تجرّأ وارتكب حماقة من خلال مهاجمة إسرائيل فسيتم تدميره هو ولبنان.

المسؤول الإسرائيلي لم يقل إنّه سيدمّر إيران، وإنما كان واضحاً في توجيه التهديد للبنان، وكذلك الأمر بالنسبة إلى حزب إيران في لبنان، فهو يريد أن يزجّ البلد في حرب أمريكية-إيرانية محتملة! هذه المعادلة القائمة على تدمير الدول العربية لصالح إيران ونظامها هي لبّ المشكلة في دور الميليشيات التابعة للنظام الإيراني والحرس الثوري في العالم العربي. المشكلة الأخرى هي أنّ هذه الميليشيات الطائفية تحلّل لنفسها ما تحرّمه على الآخرين، فتواصلها مع إسرائيل وأمريكا هو أمر مشروع إن كان في ذلك مصلحة للنظام الإيراني، لكنّ تواصل الآخرين هو خيانة لا تغتفر. 

تناقضات الميليشيات الشيعية التابعة لإيران في العالم العربي أصبحت جليّة للعيان، وجهل بعضهم أو تجاهلهم المتعمّد لهذه الحقائق لا يبدّل من الأمر، فالدفاع عنها وعن سلوكها وعن ولائها لإيران تحت أي حجّة أو ذريعة كانت هو تدمير للذات قبل كل شيء. يراد لحزب الله أن يكون نموذجاً للأذرع الإيرانية في المنطقة، ويتم استنتساخ نماذج أخرى على نمطه منذ فترة في العراق وفي اليمن وفي البحرين وحتى ربما في سوريا لاحقاً، لكن جلّ ما يُراد من هؤلاء فعله هو أن يكونوا بمثابة ناطقين عن المسؤولين الإيرانيين باللغة العربية ومدافعين عن إيران في العالم العربي!

الحزب يستمتع باختطاف لبنان والمتاجرة به تارة في الحرب وطوراً في المفاوضات، لكن المؤكد أنّ البلد لا يحتمل أي حرب إسرائيلية جديدة خاصة في ظل الأوضاع الإقليمية الحالية.