حروب المرافئ.. عصر جديد في البلد الصغير

2020.08.20 | 00:59 دمشق

2020-08-19t101815z_1619094650_rc2ygi929r4k_rtrmadp_3_lebanon-security-blast-mufti.jpg
+A
حجم الخط
-A

يستعيد العالم والشرق الأوسط صوراً وأحداثاً من الذاكرة والتاريخ. تتراكم التطورات بمتشابهات تاريخية مع ما حصل قبل 100 سنة وقبلها وبعدها. في أحد جوانب الحرب العالمية الأولى، كان الصراع على مناطق النفط ومواقع النفوذ فيها.

في هذه الأيام تستعاد تلك المشاهد والصراعات والحروب، على معابر النفط وممراته. على الموانئ والمرافئ والطرق البرية العابرة للحدود والقارات. إنها المنطقة الحافلة بالتطورات والرمال المتحركة. التي تغرق فيها دول وتذوب كيانات. تطلق على بحر ابتلع تاريخياً ملايين الناس من الذين لم يجدوا مأوى أو حضنا. هذا البحر نفسه، يضجّ مجدداً بالبواخر والبوارج الحربية والعسكرية.

 شهد لبنان الأسبوع الفائت، إحدى أكبر تجليات هذا الصراع المتجدد، بعد تفجير مرفأ بيروت. والمنطقة تشهد حروب المرافئ والمدن المتشاطئة، وسط تعقيدات على صعيد العلاقات الدولية، التي وصلت إلى مرحلة وفيرة التشابك المركب. بحيث لا أحلاف ثابتة، ولا خصومات واضحة، وتتبدل أحوال العلاقات بين الدول من مدينة إلى أخرى. تفجير مرفأ بيروت، يمكن له أن يؤسس لأحد أوجه ومسببات وجود دولة في لبنان، وهو الذي وصف تاريخياً بالدولة المرفأ.

عصر جديد يدخل إلى البلد الصغير، وسط خيارات دولية متناقضة. تعيد إحياء مشاهد من الحرب العالمية الأولى. الحضور التركي الفرنسي، والتنافس بين الطرفين على الأرض اللبنانية، ليس إلا ترجمة لصراع تاريخي تجدّد جلياًّ، وانعكاس بين البلدين في كل البحر الأبيض المتوسط.

عصر جديد يدخل إلى البلد الصغير، وسط خيارات دولية متناقضة. تعيد إحياء مشاهد من الحرب العالمية الأولى

ما إن حضر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان، لإعلانه بلداً ثابتاً في مندرجات مناطق النفوذ الفرنسية، حتّى حطّ وفد تركي في بيروت أيضاً، والإشارة التركية إلى الإصرار على الحضور في لبنان بالإرتكاز إلى علاقات الصداقة التركية اللبنانية التاريخية، وفتح أبواب منح الجنسية التركية لمواطنين لبنانيين في الأصل كانوا أتراكاً.

تحدث ماكرون صراحة مع المسؤولين اللبنانيين حول ضرورة مواجهة المشروع التركي، ووصفه بالخطر، وبأن بلاده لن تسمح بذلك. فرنسا لا تريد السماح بأن يعود جزء من قواعد اللعبة اللبنانية إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، وتركيا لا تريد السماح بالبقاء أسيرة نتائج اتفاقية لوزان في العام 1923، بعد مرور 100 سنة على توقيعها.

 الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان واضحاً في الأيام الماضية عندما قال إن الذين منعوا تركيا من موارد الطاقة عبر سياسة دقيقة قبل 100 عام لن ينجحوا في ذلك شرقي المتوسط. واضح أن ما يرمي إليه أردوغان هو التحضير لما بعد انقضاء مهلة اتفاقية لوزان، وبدء تركيا بعمليات التنقيب عن النفط في البحر الأبيض المتوسط. نجح في إبرام اتفاق مع ليبيا، لاحتفاظ تركيا بقدرتها على الحركة، في مواجهة كل محاولات التطويق من قبل اتفاقات دول الطوق، أي مصر، اليونان وقبرص.

 تبدو الصورة في المنطقة منقسمة إلى خطّين، الخطّ التركي والذي يحظى بجانب منه بدعم أميركي، بدا واضحاً في ليبيا، ويضم تنسيقاً في سوريا، وحتى في لبنان يحظى الأتراك بجانب من الدعم الأميركي الذي لولاه لما دخلت الفرق التركية للمشاركة في عمليات الإنقاذ والتحقيق بتفجير مرفأ بيروت. في مقابل خطّ ثان، مصري، أردني، قبرصي يوناني، بدعم فرنسي. لا يمكن لأي من المشروعين أن يحققا مبتغاهما بدون اتضاح وحسم الموقف الأميركي، الذي حتّى الآن يستثمر في كل هذه الصراعات والخلافات، لتجييرها لمصلحته فيما بعد. بانتهاج لعبة التوازن، التي فرضها في ليبيا مثلاً، من خلال دعم تركيا لمواجهة روسيا والصين، ولكن رسم خطاًّ أحمر على حدود سرت والجفرة. شيء شبيه سيتكرر في الجهة الشرقية من البحر.

 إنها حقبة يعاد فيها رسم ملامح هذه المنطقة وحدودها من جديد. تباشير المشروع وتجلياته بدأت من العراق واتسعت إلى سوريا، التي شهدت أكبر عملية تهجير ممنهج في التاريخ، لإحداث تغيير ديمغرافي، يتلاقى مع الخوف الديمغرافي الذي تعيشه إسرائيل، وتريد الانقضاض عليه. فكان الانقضاض على الحواضر الاجتماعية العربية وضربها للوصول إلى فرض صفقة القرن، التي ستعيد أيضاً رسم حدود فلسطين الممزقة، ببقع غير متصلة، على غرار نتائج تدمير البنى الوطنية في الدول الوطنية. بما يتلاقى مع صراعات المرافئ والمعابر، من حميميم وطرطوس، إلى طرابلس في شمال لبنان، ومرفأ بيروت مجدداً، إلى حيفا وغزة، وليبيا والحديدة وسقطرى.

مجرد النظر إلى أسماء هذه المرافئ، يمكن اتضاح كثير من معاني الصراع والنزاع، بغاياتها وخلفياتها والنتائج التي ستنجم عنها.

كلمات مفتاحية