حرب تشرين.. ثمن باهظ لنصف انتصار

2022.10.10 | 06:23 دمشق

1
+A
حجم الخط
-A

لم يدفع شعب في العالم ثمن حرب تحرير كما أرادها البعث أن تكون مثلما دفع السوريون، ولم تكن في نهاية المطاف سوى نصف هزيمة ونصف انتصار كما يصفها أكثر المتفائلين، وهكذا بات عليهم بعد نهاية الحرب أن يدفعوا من جيوبهم فوق أرواحهم ثمن الانتصار المزعوم في السادس من تشرين 1973، وأن يحنوا رؤوسهم للنظام وأعوانه بدل أن يرفعوها وهم من أذلوا كما يقول النظام نفسه الجندي الإسرائيلي الذي لا يهزم، واخترقوا خط (آلون) وصولاً إلى بحيرة طبريا في حين اخترق الإسرائيليون خط الجبهة إلى (سعسع) على بعد كيلومترات قليلة من دمشق لولا تدخل القوات العراقية التي شاركت في الحرب.

كان على السوري أن يدفع بعد الحرب ثمن الولاء لأكثر من نصف قرن ليس لوطنه المزهو بانتصاره بل للقائد وأتباعه ثم ابن القائد وحاشيته وميليشياته التي حاصرت المدن ودمرتها، أليسوا هم أولياء النصر والدم؟؟.. أوليسوا هم من أنقذوا البلاد من ذل النكسة- رغم أنهم لم يحرروا شبراً- ومهانة الاحتلال وقسوة الهزيمة؟.

كان على السوري أن يدفع بعد الحرب ثمن الولاء لأكثر من نصف قرن ليس لوطنه المزهو بانتصاره بل للقائد وأتباعه ثم ابن القائد وحاشيته

ثم لم تتوقف المأساة عند حدود الولاء الأعمى فكان لا بد من التقشف حد الجموع كثمن كبير لمواقف النظام تجاه العالم ومحيطه العربي، والمغامرات الحمقاء في معارك الجوار، وقوات الردع العربية التي أكلت لبنان وجعلت منه عدواً بالغريزة لكل سوري فقط لأنه ينتمي لتلك البقعة التي حكمها البعث، ولم تسلم من مجازره مخيمات اللاجئين الفلسطينيين (تل الزعتر) ومن ثم تبعات الاجتياح الإسرائيلي للبنان التي قضت على كل أشكال المقاومة الوطنية لتوضع بدلاً منها بيضة حزب الله التي أنتجت كل هذا القيح الحاقد، ومهدت الطريق للغة الكراهية التي استجلبت إيران فيما بعد تحت راية مسح إسرائيل من الوجود وتحرير القدس عبر بوابات احتلال العواصم العربية.

باسم اليد العليا للبعث لم يعد للسوري أي مكان في وظيفة الدولة إن لم يكن بعثياً أعمى، وأما حلم الموز والسمنة والمناديل المعطرة فهو مجرد رفاهية يجب أن تسقط مقابل الشعارات الكبرى التي طرزت جدران المدارس والبيوت وواجهات مؤسسات الدولة، وأما صورة القائد الرمز فهي في كل مكان لم تنجو منها حتى جدران المساجد، وهو وحده صاحب الفضل والنصر والتعليم والإنجازات الكبرى وسورية الحديثة التي اكتشف السوريون بعد هروبهم الكبير أنها لم تكن سوى سجن كبير محكوم بكذبة كبرى أخرجت لهم -عندما صرخوا- بنادق الحقد، وحولت السلاح الذي اشتروه لمحاربة إسرائيل إلى صدورهم وبيوتهم وحتى قبور أجدادهم.

باسم اليد العليا للبعث لم يعد للسوري أي مكان في وظيفة الدولة إن لم يكن بعثياً أعمى، وأما حلم الموز والسمنة والمناديل المعطرة فهو مجرد رفاهية يجب أن تسقط مقابل الشعارات الكبرى التي طرزت جدران المدارس والبيوت

ثمن الولاء كان له تبعات على نسيج وصورة المجتمع السوري فخرج من بين ظهرانيهم مواطنون كاملو الوطنية ومنزهون عن الشبهة هم وحدهم من يستحقون البقاء في هذا الوطن لأنهم من دافعوا عنهم فباتوا أهله حتى لوكانوا (أفعاناً وإيرانيين وروساً وشيشاناً) فالأوطان ملك من يحرسها أما من هربوا من الموت بالقصف والرصاص فأولئك خونة يستحقون الطرد وفي أضعف الإيمان أن يبقوا خارج سور البلاد على حدودها حيث تغرق خيامهم وأحلامهم.

اليوم باتت الصورة باهتة، والأغاني التي كان تصدح من إذاعة دمشق خفتت فقد ارتفعت أصوات انفجارات المطارات، وعبارات الانتقام والوعيد حل مكانها حق الرد الذي لن يأتي، وتكشفت حقائق الغدر بالسوريين شعباً وأرضاً في أن بلاداً تم استعبادها بشعارات فضفاضة وأسقطتها طغمة حاكمة تواطأت على الدم والمستقبل الذي بات مرهوناً بأيدي الآخرين فلا النظام قادر عن الوفاء بوعوده ولا المعارضة الانتهازية قادرة على تغيير الحال إلا أمل من بعيد في أن تتلمس أصابع السوريين الجدد أضواء مستقبل دون بعث وشعارات واهية.