حرب الدولار في العراق!

2023.01.12 | 04:45 دمشق

حرب الدولار في العراق!
+A
حجم الخط
-A

لاحظنا أن الاقتصاد العراقي بعد العام 2003 يواجه بين فترة وأخرى أزمات خانقة كادت أن تضرب البنية العامة للدولة، رغم القدرات التصديرية النفطية العراقية الهائلة.

وقد واجهت الحكومات المتعاقبة عدة أزمات مالية خانقة نتيجة سوء الإدارة وهدر الأموال على فعاليات ومؤسسات غامضة ومنها محاربة الإرهاب الذي يبدو أنه لا نهاية له.

وكذلك الأزمات المركبة المتعلقة بجيوش العاطلين، وملايين الفقراء، ومعسكرات النزوح الداخلي، وتهالك البنية التحتية الأساسية، والفساد الذي نخر الدولة من أساساتها!

وتأتي هذه المعوقات وغيرها مع توقع معهد التمويل الدولي، أن الاقتصاد العالمي سيكون "ضعيفا" واحتمالية تباطؤ لنمو الاقتصاد العالمي إلى 1.2 بالمئة في العام 2023، وهو نفس مستواه بالعام 2009 عقب الأزمة المالية العالمية، وذلك بسبب مخاطر تحول الصراع في أوكرانيا إلى "حرب طويلة".

وهنا نتساءل كيف سيكون حال العراق في العام 2023 والذي تستند موارده بنسبة 95 بالمئة إلى واردات النفط؟

لقد أسهمت الأزمة الاقتصادية قبل عشرة أيام بتراجع قيمة الدينار العراقي أمام الدولار الأميركي إلى قرابة 1600 للدولار الواحد، وأحدثت ضجة بالأسواق المحلية ونفرة شعبية بسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطنين وبالذات مع ربط غالبية السلع بقيمة الدولار والنتيجة تسببت برفع معدلات التضخم.

ومن أهم أسباب ربط سوق الدولار بالسوق العراقية الآليات الأميركية الجديدة للتعامل المالي وبالذات مع التدقيق (الأميركي) الجديد في الحوالات الخارجية التي تشكل 80 بالمئة من مبيعات البنك المركزي العراقي اليومية وغير ذلك من الأسباب الداخلية والخارجية التي أربكت سوق العملة الصعبة وبالذات في ظل غياب برنامج حكومي مالي واضح!

قد يكون عدم ثقة المواطن أو التاجر بالإجراءات الحكومية من أسباب تقلبات أسعار الدولار في الأسواق العراقية، رغم امتلاك العراق لاحتياطات مالية تقرب من مئة مليار دولار!

وبالمقابل فإن العقوبات الأميركية على أربعة مصارف عراقية والتحذير لأربعة عشر مصرفا آخر إن لم تلتزم بالنظم المالية الضابطة لتحويل الأموال إلى خارج العراق وإلا ستشمل بالعقوبات الأميركية قد تكون من أهم أسباب أزمة سوق الدولار في العراق!

وقد يكون عدم ثقة المواطن أو التاجر بالإجراءات الحكومية من أسباب تقلبات أسعار الدولار في الأسواق العراقية، رغم امتلاك العراق لاحتياطات مالية تقرب من مئة مليار دولار!

وتتزامن هذه الوقائع أيضا مع إشارة موقع ميديل إيست أونلاين بداية العام 2023 إلى أن الولايات المتحدة أوقفت جزءا من التحويلات المالية العراقية، وبالنتيجة انهار سعر صرف العملة في إيران ولبنان وسوريا إلى جانب العراق، وأن "العراقيين ما زالوا يعانون من آثار الفقر والعوز والفاقة والبطالة وخراب البنية التحتية وانهيار قطاعي التعليم والصحة بينما كانت ثرواتهم تتسرب يوميا من خلال سوق العملة التي يقيمها البنك المركزي".

ولعل تصريح النائب جمال كوجر، عضو اللجنة المالية في مجلس النواب لقناة الحرة الأميركية قبل خمسة أيام يمكن أن يُبين حقيقة التشابك بموضوع الدولار حيث أكد بأن "الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، اتخذ قرارات خاصة بعد قضية تهريب الأموال وفساد بعض البنوك في العراق، إذ تم استبعاد سبعة بنوك من المشاركة في مزادات العملة، وفرض تشديد أكبر على الحوالات التي لم تكن تخضع لأي تدقيق كان".

ويرى محافظ البنك المركزي العراقي بحوار مع الجزيرة نت يوم 9/1/2023 أن أزمة سعر صرف الدولار مؤقتة وناتجة عن عوامل داخلية وخارجية تزامنت مع نهاية السنة، في حين اتخذ "البنك" سلسلة من الإجراءات تعزز الاستقرار النقدي وتدفع باتجاه عودة أسعار الصرف إلى وضعها الطبيعي، ومن بينها:

- السماح للمصارف المشاركة في نافذة بيع وشراء العملة الأجنبية لاستخدامها للتحويل الخارجي.

- تسهيل تمويل تجارة القطاع الخاص وتلبية طلب التحويلات الخارجية من خلال تعزيز أرصدة المصارف لدى مراسليها بعملات أخرى.

ومن الأسباب الواضحة للأزمة المالية العامة ضعف وهشاشة القطاع الخاص، واعتماد نسبة ليست قليلة من المواطنين على التوظيف الحكومي كمصدر للرزق، وبالذات مع قرارات حكومة محمد شياع السوداني بتثبيت المتعاقدين على الملاك الدائم، وربما صار في العراق أكثر من تسعة ملايين موظف، وغالبيتها العظمى بطالة مقنعة.

ومن بين الأسباب عدم وجود أرضية صالحة لاستقدام الشركات الأجنبية للاستثمار في العراق، وغير ذلك من الأسباب التي تهز الاقتصاد العراقي بين حين وآخر.

والغريب مع هذه الأزمة المالية فإن موازنة العام 2023 لم ترسل حتى الآن من الطرف الحكومي للبرلمان لإقرارها، رغم تأكيدات بعض أعضاء اللجنة المالية البرلمانية بأن الموازنة ستصل قريبا للبرلمان، ولكن، حتى الساعة، لم ترسل أي ورقة تتعلق بالموازنة للبرلمان، وأن الموازنة قد تتجاوز مبلغ 140 ترليون دينار عراقي (مئة مليار دولار تقريبا، وهي الأكبر في تاريخ العراق)، وأن سعر برميل النفط وفقا لوزارة المالية حُسِب بـ (65) دولارا، في حين ثُبِت سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي عند: 1450”.

ورغم غياب سياسة اقتصادية رسمية واضحة بالبلاد سجلنا محاولة بعض الحكومات وبالذات في عهد حكومتي مصطفى الكاظمي السابقة وحكومة السوداني الحالية التأكيد على أنهما يحاربان الفساد المالي والسرقات ومنها ما سُمي بسرقة القرن التي لم تكتشف خيوطها كاملة حتى الساعة!

والسرقة التي كشف عنها في (20 تشرين الأول/ أكتوبر) ويقال بأنها أكبر سرقة في التاريخ العراقي المعاصر، والتي استهدفت أمانات التجار المتعاقدين مع الدولة والمودعة لدى هيئة الضرائب الرسمية كتأمينات تسترد بعد استكمال المشاريع، التي بلغت 3.7 تريليونات دينار عراقي، والتي سرقت لصالح خمس شركات وتمّ الدفع لها من خلال 247 شيكا من مصرف الرافدين الحكومي.

تؤكد بعض الأطراف الرسمية وغير الرسمية أن ما سرق يتراوح ما بين 350 – 500 مليار دولار منذ العام 2003!

والحقيقة أن (سرقة القرن) تمثل أقل من 2 بالمئة من مجموع ما سرق من العراق وفقا لرئيس الجمهورية السابق برهم صالح والذي قدر ما هُرب من الأموال المسروقة لخارج العراق بـ(150) مليار دولار، في حين تؤكد بعض الأطراف الرسمية وغير الرسمية أن ما سرق يتراوح ما بين 350 – 500 مليار دولار منذ العام 2003!

إن من أهم أدوات معالجة تذبذبات السوق العراقية وجود حكومة وطنية تقف بحزم وصلابة أمام الفاسدين، وتضع خطة تنموية لا تركز على النفط كمصدر أساسي لإيرادات الدولة، وتعمل على تطبيق إصلاحات جذرية، وتنويع مصادر الدخل، وتشجيع القطاع المختلط والخاص، وضبط سوق بيع العملة الأجنبية في البنك المركزي، ومحاربة التهريب والأسواق السوداء، وتجفيف منابع غسيل الأموال!

ومع جميع هذه الحقائق يفترض ترتيب رؤية اقتصادية قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى لتفعيل دور الوزارات الخدمية والصناعية والزراعية، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لمعالجة البطالة والفقر في البلاد!

والأهم من جميع الخطوات السابقة ضرورة تسليم تلك الوزارة الحيوية لمختصين بالاقتصاد والمال وعدم إدخال هذه الوزارات ضمن الحسبة الحزبية والمحاصصة السياسية!

ويفترض مواجهة هذه المشكلات المالية المركبة بخطط وطنية قائمة على ترميم النظام المالي وتفعيل الرقابة على الفساد المالي والإداري، وضرورة تنويع موارد الدولة وعدم الاكتفاء بمصادر النفط المالية والتي قد تنهار بأي لحظة، وذلك لأنه في حال عدم السعي لهذه الحلول فإن ثورة الجياع قادمة في العراق لا محالة!

وهكذا فإن العراقيين اليوم في حرب مع الدولار، وأن المضاربات السياسية والإعلامية والاستراتيجية جميعها تؤثر على سوق العملة الصعبة في العراق، وبهذا فهي حرب من أجل البقاء على قيد الحياة لشعب يعيش فوق خيرات لا مثيل لها!