حراك لبناني وعربي لتحرير الناخب "السني" من رهانات الحريري

2022.05.11 | 06:45 دمشق

2022-05-06t065132z_201009823_rc2h1u99i2ms_rtrmadp_3_lebanon-election-expats.jpg
+A
حجم الخط
-A

يدخل لبنان في أسبوع الحسم الانتخابي، الذي ستتبلور في نهايته الصورة البرلمانية الجديدة، التي ستشكّل بدورها قاعدة الارتكاز للسلطة التي ستدير شؤون الدولة للسنوات الأربع المقبلة، ومع نهاية الرحلة الانتخابية يوم الأحد المقبل في الخامس عشر من أيار الجاري، سيُفتح البلد تلقائياً، اعتباراً من يوم الإثنين في السادس عشر من أيار، على مرحلة سياسية جديدة، ربما تكون أصعب في ظلّ المشهد النيابي والسياسي الجديد الذي ستفرزه انتخابات 15 أيار المقبل.

لكن ما هو واضح، لا بل ما هو مؤكّد، أن القطار الانتخابي يسير على سكّة إتمام هذا الاستحقاق في موعده، وبعدما أُنجزت انتخابات المغترين في المرحلتين، ويمكن القول إنّ المغتربين تخلصوا من عبء الاستحقاق الانتخابي، فيما المسؤولية باتت ملقاة على المقيمين، الذين تؤشر وقائع التحضيرات وهدير الماكينات الانتخابية إلى أنّهم مُستنفَرون في كل الدوائر المحلية الـ 15، في ظل الشحن المكثف الذي يُمارس، خصوصاً من قِبل القوى الحزبيّة.

وتشي الصورة الكبيرة في السياسة والاقتصاد بأنّ كل الأطراف المتنافسة، وعلى وجه الخصوص أحزاب السلطة وتحديداً حزب الله، قد أنزلت إلى أرض معركة "التصفية النهائية" بعد 3 أيام، كلّ ما تمتلكه من عدّة وعتاد وعديد ووسائل وأساليب لترجمتها في صناديق الاقتراع، للفوز بأكبر قدر من المقاعد، وليس خافياً صرير الأسنان السياسية والانتخابية، الذي يعكس حجم القلق الذي يعتري القوى التقليدية المسؤولة عن الكارثة، والذي يُعبَّر عنه بمخاطبة المزاج الشعبي، بالخطابات المشتعلة في مختلف الدوائر والتوعّد بتصفية الحسابات وكسر الأكثريات وخلع حصون التمثيل في هذه الدائرة أو تلك.

 ويمكن الاعتقاد أنّ الحملات والدعايات والشعارات الانتخابية قد أدّت غرضها وأصبحت شبه منتهيّة، وبالتالي لم يبقَ أمام الأطراف المتنافسة سوى مراقبة سلوك الناخبين ومدى استجابتهم وتأثّرهم بالحملات والدعايات، وترقّب ما ستبوح به صناديق الاقتراع من أسرار، تحدّد أحجام كلّ طرف في برلمان الانهيار الكبير والمرتقب في ظل ما يحكى عما ينتظر اللبنانيين بعد 16 أيار من أحداث جسيمة تمس آخر قلاع الاستقرار الاقتصادي والمالي.

سنياً يوحي المشهد بكسر قرار المقاطعة التي يروج لها رئيس الحكومة سعد الحريري وتياره الذي شهد منذ أشهر نزوحاً كبيراً لوجوه برلمانية وسياسية رفيعة، وهذا النزوح يشي بنجاح رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة مدفوعاً بدعم سعودي مصري وقطري بهدف حث السنة على الالتحاق بالاستحقاق الانتخابي وعدم ترك الساحة متروكة لحزب الله، وقرار المقاطعة الذي يرفعه الحريري والذي يسعى من خلاله لخفض المشاركة السنية ومن ثم تكريس نفسه المحرك الأبرز للسنة والقول للسعوديين والعرب إن حصرية التمثيل السني لا تزال ملك يمينه وإن الجميع مضطر للحديث معه وإلا فإن التوازن سيختل لصالح حزب الله والإيرانيين.

مقاطعة طائفة مؤسسة للدولة الوطنية وذهابها لخيارات الانكفاء سيؤثر على شكل النظام السياسي ومستقبل الحضور العربي في البلاد لصالح إيران والنظام السوري

ونجاح المقاطعة وتدني نسبة التصويت السنّي وفقاً لخطة الحريري، تؤكدان أن السنّة جميعهم يؤيدونه عاطفياً وسياسياً، وأنه صاحب قرارهم. وهذا ما من شأنه أن يفرض عودته زعيماً ورئيساً للحكومة في مرحلة ما بعد الانتخابات، ويثبت أن الفراغ الذي أحدثه خروجه من المشهد، لم يستطع أن يسدّه أحد سوى حزب الله.

لكن المعادلة تبدو غير منطقية، فمقاطعة طائفة مؤسسة للدولة الوطنية وذهابها لخيارات الانكفاء سيؤثر على شكل النظام السياسي ومستقبل الحضور العربي في البلاد لصالح إيران والنظام السوري وهذا ما يدركه الحريري بدراية منه وسيؤسس لمرحلة يكون السنة ملحقاً مذهبياً بمشاريع كبرى دون رأي أو تأثير وتحديداً هذا ما جرى في العراق ويكرره سعد الحريري اليوم في لبنان.

وعليه فإن الحراك السعودي المغطى عربياً وفرنسياً في لبنان لتحفيز السنة على المشاركة باستحقاق 15 أيار القادم ينطلق من هذا المسار وهو مسار مرتبط بعوامل إقليمية انطلقت من اليمن بمجلس رئاسي جديد مدعوم من الرياض وأنقرة والدوحة وأبوظبي، فيما جهود تركية مع السعودية وقطر تنصب على الخروج بحل سياسي في العراق يوقف الاستعصاء السياسي الذي أنتجته إيران وتفرضه، أما في الشأن السوري فيعود الحديث عن إعادة دعم المعارضة وتأطير جهودها بشكل عملي، وهذا الموقف كان محط نقاشات مستفيضة بين أردوغان وبن سلمان وستستكمل بتنسيق عالي المستوى حول المرحلة المقبلة سورياً.

وهذه التحركات لن يكون لبنان بعيداً عنها في ظل توقف المفاوضات الإيرانية مع الدول الكبرى في فيينا ومراحل الحوار المستمرة بين إيران والسعودية برعاية العراق وقطر، لذا فإن خيار المقاطعة السنية وما سينتج عنها كان من ضمن نقاشات جمعت مسؤولين ودبلوماسيين وأمنيين عرباً أول أيام العيد في إحدى العواصم العربية وجرى المرور على الملف اللبناني والجهود المبذولة لوقف مسلسل الانهيار السني والذي تسببت به سياسات الحريري بالتوازي مع الأداء السعودي والعربي الهزيل منذ سنوات في لبنان عبر ترك تيار المستقبل مستمراً في سياسات التسويات والخضوع لحزب الله وجبران باسيل.

لا يمكن إغفال حضور التيار المدني في البيئة السنية والتي بقيت لسنوات طويلة أسيرة خيارات الحريري وتشتت خطابه بين الطائفي تارة والمدني تارة أخرى

ووفقاً لهذا النقاش جرت مساع عربية مع الحريري من قبل دولتين عربيتين لثنيه عن قرار المقاطعة وعدم إصدار أي موقف سلبي يفضي إلى تسليم البلد على "طبق من ذهب" لحزب الله عبر ترك الساحة السنية مشرعة للحزب لفوز حلفائه السنة في مقاعد بيروت وطرابلس وباقي الأقضية اللبنانية، والتي يشكل بها الصوت السني ميزاناً فعلياً، وهناك وفد رفيع ضم مسؤولين من دولتين عربية وخليجية التقيا مع الحريري في مقر إقامته في أبوظبي وطلبا منه الدعوة لمشاركة السنة بشكل كثيف في الاستحقاق الانتخابي، خصوصاً قبل مغادرته في زيارة إلى الولايات المتحدة الأميركية، والذي سيعقد فيه لقاءات مع مسؤولين أميركيين أيضاً، لكن كل التوقعات لا توحي باتخاذ الحريري هكذا موقف لعدم وجود ضمانات فتح أبواب الرياض له مستقبلاً.

بالمقابل لا يمكن إغفال حضور التيار المدني في البيئة السنية والتي بقيت لسنوات طويلة أسيرة خيارات الحريري وتشتت خطابه بين الطائفي تارة والمدني تارة أخرى، وهذا الحراك المدني من المرجح أن يخترق العبث الطائفي الجاري بفوز مجموعة من الشخصيات المدنية والتي انطلقت من رحم 17 تشرين وهي امتداد لحراك مدني عمره عقد ونيف قد يترجم بحضور طفيف في البرلمان المنتظر وهذا ما يزعج حزب الله أكثر، الأمر الذي يجعله أكثر تمسكاً بالصيغة المتفق عليها منذ عقود.