icon
التغطية الحية

حال دمشق في ظل انهيار الليرة.. عتمة وبؤس وسكر مرّ

2020.01.09 | 16:25 دمشق

43552257_303.jpg
دمشق – فايز دياب - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

إنها الرابعة والنصف بعد العتمة، لم تأتِ الكهرباء، يقول لسان حال ماهر وهو ينتظر ليصنع فنجان قهوة فوق السخان الكهربائي، فجرّة الغاز الثانية فارغة، ليستمر زمن العتمة.

يفتح "ماهر" هاتفه الجوال ويدخل إلى الفيس بوك فقد أحس أن برنامجاً جديداً للتقنين، ربما دخل حيّز التنفيذ، لم يصدمه الخبر على شبكة أخبار جرمانا بزيادة ساعات التقنين إلى أربع ساعات قطع.

شتم الشاب الثلاثيني حظه العاثر، ما هذا الإذلال. وكأن الفيسبوك صار مثل أمين سر بلاط الملك أيام زمان، عندما يخرج على حصانه في الساحات، ليقول: يا معشر الناس، الظروف قاهرة، وبيت المال فارغٌ، سنقطع عنكم النور هذا الصباح، والشمس اليوم غائبة، فيرد المارة بصوت واحد، كقطيع من الأغنام، عاش الملك، عاش الملك، سمعاً وطاعة، لوجه مليكنا النور، ولنا العتمة.. يكفينا خبز حاف، ونور وجهك.

يستفيق ماهر من الحلم، وقد بزغ صباح بائس جديد.

هي حال السوريين في بداية العام الجديد، فقد أطفئت أنوار الاحتفالات بالعام الجديد.

الشوارع معتمة ومبللة بالماء والوحل. وأمطار كانون تكاد تتجمد.

الأطفال عادوا إلى صفوفهم الباردة وأصابعهم تكاد لا تقبض على الأقلام، لتؤرخ على لوح أسود يوماً جديداً لمستقبل غامض وحزين.

وجوه المارة بائسة، الهمّ الوحيد كيف يمكن لرب الأسرة أن يؤمن لقمة العيش.

الأسعار زادت أكثر من 45 بالمئة ويكاد الدولار يلامس الألف ليرة، منذ بداية الشهر الأخير من العام المنصرم.

تقول جميلة إحدى الموجهات في إحدى المدارس العامة، "صرنا نمشي ونتكلم مع أنفسنا، أسعار السلع جنونية، لم نعد نستطيع تأمين لقمة العيش، كيلو البندورة صار بـ 650 ليرة والليمون بـ 600.. وحلّت علينا مصيبة مقتل هذا الرجل الإيراني لتزيد الطين بلّة قاسمي، سليماني لا أدري".

أما أسامة مدرس اللغة العربية، فيضحك بخبث، ويقول: يبدو أن الرد الأولي لحكومتنا، على مقتل سليماني هو زيادة ساعات التقنين الكهربائي، من باب الحداد والحزن ربما، وليس من قلة الغاز والفيول. وكأنه لم يمت من أولادنا أكثر من مليون شخص، لنعلن الحداد ونتوشح السواد.

ويستطرد أسامة بسرعة: الله يعمي عيونك يا ترمب.

في واقع الأمر سبب مقتل زعيم فيلق القدس الإيراني اللواء قاسم سليماني زيادة جديدة للأسعار، بعد انهيار جديد الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، مما زاد المشهد السوري بؤساً غير مسبوق في تاريخ السوريين الحديث.

قفز سعر الدولار قبل أيام ليصل إلى 965 ليرة سورية، ويرتفع سعر غرام الذهب إلى سعر تاريخي وصل إلى 41000 ليرة سورية الغرام الواحد من عيار 21 قيراطاً.

طابور طويل

أمام مؤسسة عامة للتجارة، في جرمانا يقف طابور طويل يذكرنا بالحقبة السوفيتية، عند سؤال أحد المصطفين عن سبب هذا الطابور، يردّ رجل سبعيني يبدو أنه من ريف دير الزور أو الحسكة: إنهم يوزعون سكراً مجانياً يا بني، صدمني الرجل المسكين ببساطته المحببة، قبل أن ترد عليه امرأة واقفة في دور النساء: لا يا عمي ليس ببلاش، الكيلو بـ 300 ليرة سورية. هم يوزعون كيلوين لكل دفتر عائلة.

تركنا الاثنين ينتظران في الجو البارد بعض السكر المرّ.

قهوة بـ 7500

صار تأمين القوت اليومي هاجساً مؤرقاً للسوريين، فقد ارتفعت الأسعار بشكل جنوني، رغم كل الحملات الفاشلة من الرقابة التموينية، بالتزامن مع حملة " الدين أخلاق. زكاتك خفّض أسعارك" برعاية وزارة الأوقاف التابعة للنظام في محاولة من الأئمة والخطباء للتغطية على الوضع الاقتصادي المنهار، وكل إجراءات النظام، التي لا تسمن من جوع، في ظلّ انهيار القدرة الشرائية لليرة السورية بشكل غير مسبوق، ولا يوجد ما يوقف جشع التجار، حتى لو كان دينياً، وشرعياً.

تشكو أم ماجد لصاحب محل القهوة، "حتى فنجان القهوة تريدون حرماننا منه، معقول أن يصبح كيلو القهوة ذو النوع المقبول بأكثر من 7500 ليرة للكيلو الواحد.. الله لا يسامح من كان سبب تعتيرنا.. زيادة المعاشات تبخرت قبل أن نستلمها..."

ترحل أم ماجد بعد أن تركت 3000 آلاف ليرة ثمنا لأقل من نصف كيلو قهوة برائحة الهال.

الدفء المقنن

التقنين الجائر في الريف حرم سكان الضواحي حول دمشق، من مصدر الدفء في فصل الشتاء الذي جاء قاسياً هذا العام.

المئة لتر من المازوت، لا تكفي أكثر من أسابيع، والغاز شبه مقطوع إلا في السوق السوداء، رغم إعلان النظام عن اكتشاف آبار جديدة للغاز، واسترداده لبعض المناطق من المعارضة.

في كل يوم جديد يتكشف للسوريين أن الحلول الاقتصادية للنظام باتت معدومة رغم كل محاولات حكومة خميس الباهتة والفاشلة، في تثبيت سعر الصرف، وانكشاف الألاعيب التي يقوم بها مصرف سوريا المركزي، بمساعدة من حيتان المال الجدد، لنهب أموال السوريين إما بشكل صريح أو على شكل ضرائب تفرض على الفقراء قبل الأغنياء، لدفعها للمقاول الروسي وإلى جانبه الإيراني المكلوم.

 
كلمات مفتاحية