جيوسياسة "بعث" الأسد

2019.01.15 | 00:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تتسارع خطوات بعض الأنظمة العربية في محاولة لإظهار الود أو إعادة العلاقات السياسية والدبلوماسية مع النظام السوري، بالرغم من أن بعضها اتخذ موقفاً علنياً حاداً من نظام الأسد وجرائمه بحق الشعب السوري مع بدء الثورة السورية عام 2011، بل وحتى شارك في دعم المعارضة السورية السياسية منها أو العسكرية.

اليوم وبعد أن تمكن الأسد من السيطرة على معظم المناطق السورية التي كانت يوماً ما تحت سيطرة المعارضة السورية المسلحة لا سيما في حلب والغوطة الشرقية والقلمون والرقة وغيرها يشعر الأسد أنه استعاد شرعيته عسكريا ولذلك عليه أن يعمل على استعادتها سياسيا وذلك لن يتم له بالنسبة له سوى عبر البوابة العربية مع استحالة تحقيق ذلك عبر البوابة الغربية الأوروبية منها أو الأميركية على الأقل في الوقت الحالي.

لقد جمّدت جامعة الدول العربية عضوية عدد من الدول العربية خلال تاريخها والأشهر في هذا الإطار كان تعليق عضوية مصر بعد معاهدة السلام مع إسرائيل في عام 1979 ، وبالتالي فتعليق عضوية النظام السوري ليست جديدة في هذا الإطار وكان سبقها تعليق عضوية نظام القذافي في ليبيا مع بدء الربيع العربي، كلتا الحالتين كانت تقوم على العنف الأقسى الذي مارسه النظامان الليبي والسوري بحق شعبيهما مع بدء المظاهرات السلمية في عام 2011 والتي تطالب بإدخال إصلاحات سياسية جذرية على شكل النظام السياسي بما فيها الحق في تغيير الرئيس وانتخابه شعبياً.

في عام 2011 كان مجلس التعاون الخليجي شديد التماسك ويمتلك الاستقرار السياسي الكافي والموارد المالية الضرورية للتأثير في قرار جامعة الدول العربية وتحويلها بالاتجاه الذي يرغب

في عام 2011 كان مجلس التعاون الخليجي شديد التماسك ويمتلك الاستقرار السياسي الكافي والموارد المالية الضرورية للتأثير في قرار جامعة الدول العربية وتحويلها بالاتجاه الذي يرغب ولذلك نجح في تعليق عضوية كل من النظامين الليبي والسوري، في حزيران من عام 2017 ومع فرض كل من السعودية والإمارات والبحرين حصاراً على قطر تفكك مجلس التعاون الخليجي وانهارت منظومته الأمنية وأصبحت دوله تقيم تحالفات بناء على مصالحها الخاصة دون النظر إلى مفهوم الأمن الجماعي المشترك الذي طوره في مجلس التعاون الخليجي ولذلك ليس غريبا بعد ذلك أن ينهار الموقف المشترك الذي طوره مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بنظام الأسد.

فبعد انقلاب 30 يونيو 2013 في مصر اتخذت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين دوراً رئيسياً في دعم الرئيس السيسي سياسيا ومالياً وإعلاميا وهو الموقف الذي اختلفت معه دولة قطر، بعدها وضعت السعودية والإمارات مواجهة الإخوان المسلمين كأحد أهم أعمدة سياستها الخارجية وتضمينها فيما يسمى قوائم الإرهاب الخاصة بها والتي تصدرها، كما بقيت الإمارات متحفظة على تصوير الحرب في سوريا بوصفها بين "إرهابيين متطرفين" وبين نظام سياسي شرعي كما تدعي روسيا على الأقل، والتي كان لتدخلها العسكري في سبتمبر 2015 الدور الحاسم في نصر الأسد عسكريا على المعارضة لكن بتكلفة وثمن تعدت أرواح مئات ألاف من القتلى وملايين من اللاجئين السوريين ودمار كامل للبنى التحتية من مشافٍ ومبان وممتلكات خاصة.

وهكذا وفيما بدا أنه في عام 2015 تبلور محور عربي جديد قائم على الموقف من ثورات الربيع العربي، وبحكم أن معظم الأنظمة العربية لم تر في الربيع العربي إلا "مؤامرات" تهدف إلى إسقاط الأنظمة الحاكمة و تهدد عروشها بدل أن ترى فيها فرصا لتجديد شرعية الدولة العربية وفرصة لضخ دماء جديدة وحقيقية في أوردتها السياسية التي تكلست، فكان من الطبيعي أن تحتفظ الكثير من الأنظمة العربية بعلاقات مع الأسد حتى خلال سنوات الحرب وحتى في أسوأ لحظات مجازره ضد الشعب السوري بما فيها استخدام السلاح الكيماوي كالجزائر والعراق ولبنان بل إن العراق ساندته على أساس طائفي وبضغط من إيران في إمداده بالسلاح والميليشيات الطائفية التي لعبت دوراً في استعادة النظام بعضا من المناطق بسبب انعدام المخزون البشري لديه.

المحور المتشكل ضد الربيع العربي اتخذ خطوة أبعد بضم بشار الأسد إلى هذا المحور بعد أن كان متحفظاً بسبب الرأي العام العربي داخل الدول العربية على المجازر العلنية

أما الدول الأخرى فبقيت تتحرج الفرصة حتى تعلن تغييراً كاملاً في موقفها السياسي بناء على موقفها الجديد وتحفظاتها القديمة ضد الربيع العربي وثوراته وهو ما وجدناه في زيارة مفاجئة للرئيس السوداني عمر البشير إلى سوريا ولقائه الأسد وإعلان موريتانيا عن زيارة قريبة لرئيسها إلى دمشق، وإعادة الإمارات والبحرين لفتح سفارتيهما في دمشق، وزيارة علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني المتهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية إلى القاهرة للقاء مسؤولين أمنيين مصريين وغير ذلك، مما يكشف أن المحور المتشكل ضد الربيع العربي اتخذ خطوة أبعد بضم بشار الأسد إلى هذا المحور بعد أن كان متحفظاً بسبب الرأي العام العربي داخل الدول العربية على المجازر العلنية التي ارتكبها الأسد بحق الشعب السوري ونقلت عبر الأثير العربي وعلى قنوات التلفزة العربية بشكل مباشر وآني مما خلق انطباعاً شعبياً عربياً بفظاعة ما ارتكبه الأسد وصعوبة قبوله أو تأهيله مجدداً. رغم عدم وجود محكمة إقليمية عربية ولا وجود لولاية قضائية لمحكمة الجنايات الدولية لمحاكمته وإدانته قانونياً.