icon
التغطية الحية

جيمس جيفري يتحدث عن أخطاء الماضي

2020.12.11 | 07:38 دمشق

gettyimages-1177648479-1600.jpg
ألمونيتور- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في آب من العام 2016، وقع السفير الأميركي السابق إلى العراق وتركيا السيد جيمس جيفري على خطاب عام يضم توقيع أكثر من خمسين مسؤول سابق في الأمن القومي حذروا فيه من انتخاب المرشح حينها دونالد ترامب، حيث ورد في ذلك الخطاب: "إننا على قناعة تامة بأن هذا الشخص في حال وصوله إلى المكتب البيضاوي سيكون أكثر الرؤساء طيشاً في التاريخ الأميركي".

وبالرغم من هذا، وبعد مرور عامين على ذلك، قام ذلك الدبلوماسي بالخروج من فترة التقاعد لمساعدة إدارة ترامب على لم شتات مبادرات حقبة أوباما في سوريا وتحويلها إلى سياسة متماسكة وموحدة تجاه الشرق الأوسط.

وتحت سلطة وزير الخارجية مايك بومبيو، ابتدع المسؤولون في تلك الإدارة خطة يمكن بموجبها للجيش الأميركي ضمن قوات التحالف لمحاربة تنظيم الدولة البقاء في سوريا إلى حين خضوع حكومة بشار الأسد لانتخابات تدعمها الأمم المتحدة. وبالإضافة إلى مهمة محاربة تنظيم الدولة بموجب تفويض من الكونغرس، يحق للقوات الأميركية مواصلة منع الأسد من الوصول إلى حقول النفط السورية، التي تقع ضمن المناطق التي يسيطر عليها المقاتلون الكرد السوريون والذين تدعمهم الولايات المتحدة، إلى جانب قطع الطريق على الجيش الإيراني ومنعه من الوصول إلى الشام.

إلا أن ذلك لم يعجب ترامب، إذ ذكر جيفري لصحيفة المونيتور: "لم يبد الرئيس ارتياحه تجاه وجودنا في سوريا"، كان ذلك ضمن مقابلة امتدت لساعتين وجرت في بيته بواشنطن خلال الأسبوع الماضي، ولقد أضاف: "لم يكن مرتاحاً تجاه ما اعتبره حروباً أبدية".

ولكن في شهر كانون الأول من عام 2018، استبعد الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة كبار مستشاريه وأخبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه يرغب بسحب أكثر من ألفي جندي أميركي من سوريا.

فكان لابد لتلك الخطوة أن تتسبب بتحرك جنوني في عموم ساحة المعركة المتقلقلة التي يشغلها أربعة فاعلين كبار وهددت تلك الخطوة بقلب المكاسب الجلية لقوات التحالف الدولي لصالح تنظيم الدولة إلى جانب إحباط حملة الضغوطات التي تقودها الولايات المتحدة ضد الأسد.

وحول ذلك يخبرنا جيفري فيقول: "شعرنا بأننا ضعفاء للغاية، بل انتابنا شيء من الخوف. وإنني أتفهم مخاوف الرئيس وقلقه حيال أفغانستان، إلا أن المهمة في سوريا تعتبر هبة لا تنقطع عن العطاء".

وفي نهاية الأمر اقتنع الرئيس بالعدول عن قراره بعد معارضة الحلفاء الأوروبيين حسبما ذكر جيفري، ولكن بعد مرور أقل من سنة على ذلك، ومع حشد القوات التركية على الحدود السورية في تشرين الأول من عام 2019، رتب جيفري مع غيره من المسؤولين لمكالمة هاتفية أخرى بين ترامب وأردوغان.

وهنا سافر جيفري ليلم شتات الأمور، إلا أن الطرق التي تبناها ذلك الدبلوماسي للتخفيف من غلواء عدائية أنقرة باءت بالفشل، وأثارت جدلاً حاداً ضمن جلسات الاستماع الطويلة التي أقامها الكونغرس.

وقد ذكر جيفري بأن الاقتراحات التي قدمها وهي تفكيك دفاعات وحدات حماية الشعب على الحدود، والسماح للجيش التركي بالتوغل في شمال شرقي سوريا عبر تسيير دوريات أمنية مشتركة، وسحب القوات الجوية التركية عبر إصدار أمر خاص بالمهام الجوية وذلك من قاعدة العديد، كلها تنبثق من فهمه للسياسة الداخلية التركية، فيما يرى من انتقدوا ذلك بأن تلك المقترحات مهدت الطريق للعملية العسكرية التركية.

واليوم يتحدث جيفري عن الأزمة بين تركيا وقسد وكأنها قد اشتعلت على نطاق واسع، لكنه يقدم بعض التفاصيل حول توقعاته ورؤاه بخصوص تأمين مستقبل قوات سوريا الديمقراطية في سوريا، ويصر على أن قرار إدارة أوباما الذي قضى بتسليح ميليشيا كردية سورية قد أذكى ذلك التهديد الوجودي الذي يمتد لعقود ماضية ضد تركيا، والذي تمثل بحزب العمال الكردستاني.

إذ بالنسبة لهذا الدبلوماسي، تبدو عدائية أنقرة تجاه قوات سوريا الديمقراطية مجرد جانب إشكالي للبنية السياسية المعقدة التي تسعى واشنطن من خلالها إلى تسخير مصالح كل من تركيا وإسرائيل لدحر إيران ولمنع انتصار الأسد وروسيا في الحرب السورية.

وإليكم المقابلة فيما يلي بعد تحريرها كونها طويلة للغاية

ألمونيتور: ذكر نائب قائد عملية العزم الصلب اللواء البريطاني كيفين كوبسي خلال الأسبوع الماضي بأننا دخلنا مرحلة الشفق لمهمة التحالف الدولي في محاربة تنظيم الدولة. وفي تموز من عام 2018، أتيتم بوصفكم المبعوث الخاص للمساهمة في إعادة مهمة محاربة تنظيم الدولة إلى الاستراتيجية الإقليمية الأميركية، خاصة في مواجهة إيران وتركيا وهي عضو في حلف شمال الأطلسي، فما هو التقدم الذي أحرزتموه في هذا المجال؟

جيفري: لقد كانت الاستراتيجية بالنسبة لسوريا عبارة عن ابن ربيب منذ أيام إدارة أوباما. فقد اكتشفت إدارة ترامب أحد الأخطاء الكبرى لدى إدارة أوباما، وهي أنها تعاملت مع إيران على أنها مشكلة أسلحة نووية على غرار ما فعلته مع كوريا الشمالية. أما إدارة ترامب فقد رأت في إيران خطراً على النظام الإقليمي، ولهذا أرادت أن ترسم سياستها تجاه سوريا بناء على ما تشتت من سياسة أوباما، وهكذا خرجت إدارة ترامب بتلك السياسة في عام 2017.

ولقد قمت مع الوزير بومبيو بإقناع الإدارة بأنك إذا لم تتعامل مع المشكلة الأساسية التي تمثلها إيران في سوريا، فلن يكون بوسعك أن تعالج تنظيم الدولة معالجة دائمة ومستمرة، هذا أول ما فكرنا به.

بعد ذلك كانت لدينا الحملة الجوية الإسرائيلية، والتي لم تبدأ الولايات المتحدة بدعمها إلا عندما أتيت على متن الطائرة، وتوجهت إلى هناك وقابلت رئيس الوزراء نتنياهو وغيره، إذ ظنوا أنهم لم يتلقوا الدعم الكافي من الجيش الأميركي، وليس من قبل الاستخبارات. فقامت معركة كبيرة داخل حكومة الولايات المتحدة، ثم فزنا في تلك المعركة.

إذ كانت الفكرة المعارضة للحملة الإسرائيلية تتلخص مجدداً بالهوس بمهمة مكافحة الإرهاب، إذ لا أحد يريد أن ينالها بسوء، سواء بسبب الخوف من تركيا أو تحويل الموارد للسماح للإسرائيليين بالعبث في سوريا، لأن ذلك قد يتسبب بضربات عكسية ضد قواتنا، إلا أن ذلك لم يحدث.

بصورة أساسية قمنا بإنكار تحقيق نظام الأسد لأي نصر عسكري، ولكن نظراً لأهمية تركيا، ولأنه لم يكن بمقدورنا تنفيذ تلك الاستراتيجية من دون تركيا، ظهرت مشكلة سيطرة الأتراك على شمال شرقي سوريا، لذا كان عملي يتلخص بتنسيق كل ذلك.

إذاً، وبصورة أساسية قمنا بإنكار تحقيق نظام الأسد لأي نصر عسكري، ولكن نظراً لأهمية تركيا، ولأنه لم يكن بمقدورنا تنفيذ تلك الاستراتيجية من دون تركيا، ظهرت مشكلة سيطرة الأتراك على شمال شرقي سوريا، لذا كان عملي يتلخص بتنسيق كل ذلك.

إذن فقد اجتمعت كل تلك الأمور معاً، أي مهمة مكافحة الأسلحة الكيماوية، ووجودنا العسكري، والوجود العسكري التركي، وهيمنة إسرائيل على الأجواء، ثم إن لدينا ركيزة عسكرية فعالة للغاية تتمثل بالجيش، لأن الركائز الثلاث تمثل الدبلوماسية والعزلة والجيش.

إذن ذلك هو الأسلوب الذي اتبعناه للجمع بين تلك الأمور ضمن سياسة موحدة تجاه سوريا تندرج ضمن السياسة الشاملة تجاه إيران. وتمخض ذلك عن نتيجة تمثلت بنجاح نسبي، لأننا أوصلنا الأوضاع إلى مرحلة الاستقرار، وذلك بمساعدة الأتراك على وجه الخصوص.

والتغير الوحيد الذي حدث على الأرض لصالح الأسد كان في جنوب إدلب بعد سنتين ونصف من الهجمات، ومن غير المرجح لتلك الغارات أن تستمر، نظراً لقوة الجيش التركي الموجود هناك، ولحجم الهزيمة التي مني بها الجيش السوري على يد الأتراك في آذار الماضي.

وبالطبع قمنا بزيادة عزلة الأسد كما زدنا العقوبات بهدف الضغط عليه، وتمسكنا بموقف عدم تقديم المساعدات اللازمة لإعادة الإعمار، بالرغم من أن البلد بأمس الحاجة إليها. إذ رأيتم ما حدث لليرة السورية، كما رأيتم ما حدث لاقتصاد سوريا بكامله، ما يعني أن هذه الاستراتيجية كانت فعالة للغاية.

ألمونيتور: كانت الولايات المتحدة تدعم الحملة الجوية الإسرائيلية وتفرض عقوبات على كل من نظام الأسد وإيران، فإلى أي مدى اقتربنا من الانسحاب الإيراني من سوريا؟

جيفري: حسناً، لقد سحب الإيرانيون كثيرا من رجالهم، ويعود أحد أسباب ذلك إلى الضغط الكبير الذي يتعرضون إليه من الناحية المالية، فقد أصبحت سوريا مكلفة جداً بالنسبة لهم. وقد ازداد عدد الإيرانيين الذين أصبحوا يعزون كل ذلك الوضع الاقتصادي المتردي إلى سوريا، كما لم يعد بوسع إيران أن تضغط على سوريا لتقوم بالتسديد، اللهم إلا من خلال بعض شحنات النفط وفي ظل ظروف استثنائية تنطوي على مغامرة كبيرة، حيث يمكنها أن تحصل شيئاً عبر تلك الشحنات، وأحياناً لا تحصل أي شيء، وسأتوقف عند هذا الحد.

ألمونيتور: هل بوسعك أن تتوسع بالحديث عن تلك الظروف الاستثنائية التي تنطوي على مغامرة؟

جيفري: لقد أخبرتك بكل ما كنت سأقوله لك حول هذا الموضوع، وذلك لأن قدرة الإيرانيين على خلق تهديد لإسرائيل على غرار التهديد القائم في جنوب لبنان وذلك عبر إقامة أنظمة طويلة الأمد قد انتفت بفعل الغارات الإسرائيلية، التي دعمتها إلى حد ما الدبلوماسية الأميركية وغيرها من أشكال الدعم، ولهذا لن أبوح بالمزيد من التفاصيل حول هذا الأمر، لكنه في غاية الأهمية.

مهما كان حجم الألم الذي سببناه للإيرانيين، لن يرحل الروس أو نظام الأسد إلا برحيل إيران.

ويمكن القول إننا منعنا إيران من تحقيق أهدافها بعيدة المدى، وعرضنا وجودها الحالي لضغوطات، ولكن هل تكفي تلك الضغوطات لرحيل إيران؟ لا أعرف، وهل بوسعنا دحرهم؟ لست أدري. لكنني أعرف تماماً بأن ذلك جزء أساسي من أي اتفاق أوسع، إذ مهما كان حجم الألم الذي سببناه للإيرانيين، لن يرحل الروس أو نظام الأسد إلا برحيل إيران.

ألمونيتور: من الأهداف الأساسية للعقوبات إرغام نظام الأسد على تغيير سلوكه، فهل رأيتم أمارات التغيير في حسابات النظام نتيجة لذلك؟ وهل هناك أي توقعات حول حدوث توافق أميركي - روسي حول العملية السياسية بسوريا، وهل من المنصف أن نقول بإن عملية جنيف قد تم تحييدها؟

جيفري: حسناً، رأينا ما حدث مع رامي مخلوف، كما رأينا بقية القادة، ونحن لا ندري، لأنك يجب أن تعرف ما يحدث بالفعل داخل الدولة البوليسية، ومدى الأثر الذي يخلفه ذلك، إلا أن ذلك كان له آثار وانعاكسات. كما أن انهيار النظام المصرفي بلبنان وجه ضربة قاصمة أخرى، وقد تلحظ ذلك في الخلاف القائم بين الروس والأسد الذي تجلى في الإخفاق الكبير لمؤتمر دمشق للاجئين الذي عقد مؤخراً ولم يلق تلك الأصداء، إذ كانت تلك فكرة روسيا.

وإننا على يقين من أن الروس يدركون بأنه ليس ثمة أي انتصار عسكري، ولهذا فكروا وقالوا لأنفسهم: كيف يمكننا أن نحقق انتصاراً سياسياً؟ إن السبيل لتحقيق ذلك يتلخص باختطاف العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، وذلك عبر الاستعانة بأمور مثل ترشح الأسد لانتخابات 2021 كبديل عن الانتخابات التي ستجري برعاية الأمم المتحدة، وكذلك عبر عقد مؤتمر للاجئين تترأسه روسيا، لسحب ذلك الملف من الأمم المتحدة ومن المجتمع الدولي، ولوضع ختم روسيا والأسد عليه. ولهذا قمنا بحشد المجتمع الدولي لمقاطعة ذلك المؤتمر، ونجحنا في ذلك إلى أبعد حد.

أوضحنا أننا يمكن أن نخفف العقوبات وبأنه قد يصبح بإمكان الأسد العودة في نهاية الأمر إلى الجامعة العربية، أي أن تلك العزلة الدبلوماسية ستسقط برمتها. ونقلنا كل ذلك لبوتين في سوتشي عام 2019 عبر الوزير بومبيو.

ثم إن الأمور تعلو وتهبط، إلا أن الروس لم يلتزموا بتطبيق القرار 2254 بشكل فعلي، وقد أوضحنا أننا يمكن أن نخفف العقوبات وبأنه قد يصبح بإمكان الأسد العودة في نهاية الأمر إلى الجامعة العربية، أي أن تلك العزلة الدبلوماسية ستسقط برمتها. ونقلنا كل ذلك لبوتين في سوتشي عام 2019 عبر الوزير بومبيو، أي أنهم على علم بذلك العرض، غير أنهم لم يقوموا بأي تغيير من أجله.

ألمونيتور: هل بحثت الولايات المتحدة عن مسارات بديلة، مثل فكرة التعامل مع أفراد ينتمون إلى الطائفة العلوية التي تعتبر القاعدة التي تدعم النظام في سوريا؟

جيفري: كلا، إذ لم يتجاوز الأمر تلك الاتصالات التي تناقلتها وسائل الإعلام حول أوستين تايس، ولا يمكنني أن أزيد حول هذا الموضوع، إلا أني لا أرى أي شيء واعد حيال هذا الأمر، ولا أعتقد أن الجميع يتفق مع ما قلته.

ألمونيتور: لننتقل إلى موضوع تركيا، فقد انتقد وزير الخارجية بومبيو أنقرة بحدة خلال اجتماع لوزراء الخارجية في حلف شمال الأطلسي، وفي مدونة صوتية صدرت مؤخراً عن ألمونيتور، ذكر ستيفن كوك وفيليب غوردون بأن الولايات المتحدة يجب ألا تعتبر تركيا حليفاً أو شريكاً مثالياً، إذن ما النصيحة التي توجهها لإدارة بايدن حول التعامل مع أردوغان بشكل مباشر؟

جيفري: في البداية يجب أن نفصل أردوغان عن تركيا.

إن أكبر التحديات بالنسبة لبايدن ستكون الصين وروسيا وكوريا الشمالية والاتفاق النووي الإيراني والمناخ، تلك هي أكبر خمس قضايا، أما القضية السادسة فهي تركيا، لأن تركيا تؤثر بشكل مباشر على قضيتين من تلك القضايا الخمس، أي على إيران وروسيا، كما تؤثر على القضية الثامنة أو التاسعة، ألا وهي الإرهاب.

وتعتبر تركيا دولة مهمة في حلف شمال الأطلسي، كما أن رادار حلف شمال الأطلسي يمثل جوهر منظومة معادية للصواريخ البالستية تقف في وجه إيران وهذا الرادار يقع في تركيا، أي أن لدينا أصولاً عسكرية هائلة هناك، ولهذا لا يمكننا أن نقوم بأي شيء في الشرق الأوسط أو القوقاز أو البحر الأسود دون تركيا، بما أن تركيا خصم طبيعي لروسيا وإيران.

ثم إن أردوغان مفكر صاحب نفوذ وقوة كبيرة، وكلما رأى فراغاً يتقدم، وثمة شيء آخر حول أردوغان، وهو أنه متكبر، ولا يمكن لأحد أن يتوقع خطواته، كما أنه لن يقبل بحل يحقق فيه الطرفان مكاسب وانتصارات، ولكن عندما يتعرض لضغوطات يتحول إلى عنصر فاعل عقلاني، وقد سبق لي وأن تفاوضت معه.

ولهذا إن كان بايدن يرى العالم كما يراه كثيرون منا، أي عبارة عن حالة تنافس بين أقران متقاربين، عندها تصبح تركيا غاية في الأهمية. انظر لما فعله أردوغان في غضون ثمانية أشهر في إدلب، وفي ليبيا، وفي ناغورني-قره باخ. أما روسيا وحلفاؤها فقد خسروا على تلك الجبهات الثلاث.

وإذا عدنا لعقلية أوباما عند انتهاء ولايته، سنجد بأننا وقتها لم تكن لدينا مشكلة جيوسياسية، بل كان لدينا مجموعات تضم مشكلات صغيرة، ومنها شراء أردوغان لمنظومة إس-400، وخلايا تنظيم الدولة في البادية، واللاجئون في لبنان، وتخصيب إيران لليورانيوم بنسبة 3.25%، واغتيال الخاشقجي، ومأساة المجاعة التي لا تنتهي في اليمن، وكل تلك المشكلات تحولت إلى مشكلات فريدة من نوعها، ولهذا خصصنا لها موارد وسياسات وحركنا بيروقراطيتنا من أجلها، دون أن نفكر كيف سنقوم بذلك على كل تلك الأصعدة.

وعليه، إذا قررت إدارة بايدن العودة إلى طريقة التفكير الغبية تلك، عندها ستخسر الشرق الأوسط، وبعدها يمكنها أن تنسى أمر آسيا.

ألمونيتور: كيف ينبغي على إدارة بايدن أن تتعامل مع أردوغان؟

جيفري: لن يستكين أردوغان حتى تظهر له أنيابك، وهذا ما فعلناه عندما تفاوضنا حول وقف إطلاق النار في تشرين الأول من عام 2019، إذ كنا على استعداد لتدمير اقتصاد بلاده.

وهذا بالضبط ما فعله بوتين بعد إسقاط الطائرة الروسية، أي أن الروس أرسلوا إشارتين واضحتين إلى الأتراك في إدلب اليوم، وذلك عندما استهدفوا كتيبة تركية، إلا أن النتيجة لم تكن كما تمناها الروس.

إذن عندما يتجاوز أردوغان حدوده يجب عليك أن تكون على استعداد لكبح جماحه كما يجب أن تتأكد استيعابه لذلك قبل وقوعه، فالموقف التركي ليس على حق 100%، بل لديهم بعض المنطق وشيء من الحجة، ونظراً إلى دور تركيا بوصفها حليفاً مهماً وحصناً منيعاً ضد إيران وروسيا، لذا يتعين علينا أن نصغي لحججها على الأقل، وأن نحاول أن نجد حلولاً توفيقية.

ألمونيتور: عينتم بمنصب المبعوث الخاص وأنتم تؤيدون فكرة تسريع العمل بنموذج خريطة الطريق في منبج للتخفيف من قلق تركيا حيال شمال شرقي سوريا، فهل بوسعنا أن نقول بإن هذا النهج أدى إلى وقوع نتائج عكسية؟

جيفري: يعتبر الأتراك منبج نقطة فشل بالنسبة لهم، إذ ظهرت هناك مقاومة كبيرة على يد قوات سوريا الديمقراطية وكذلك المجلس العسكري المحلي ومكتب ماك غورك. لذا فإن أي شخص كانت له صلات بحزب العمال الكردستاني أصبح عرضة لحكم قضائي استخباري على يد الأتراك والأميركان، ولم تخرج من تلك الدائرة سوى قلة قليلة.

وبصورة أساسية كنت من المصرين على الرحيل من بين مجموعة تضم عشرة أشخاص، إلا أن ذلك حدث بعد حوالي سنة، واعتقد الأتراك أننا لسنا جادين في ذلك، وذلك هو النموذج الذي حاولنا تطبيقه في شمال شرقي سوريا.

أما بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية فهم أطفال أنقياء، وأنا أعرفهم وأعرف قيادتهم بشكل جيد جداً، وهم يعتبرون ظاهرة بالفعل، بالنسبة لمعايير الشرق الأوسط، فهم بغاية الانضباط ويمثلون الفرع الماركسي لحزب العمال الكردستاني. كما لا يهمهم بشكل كبير الالتزام بأجندة حزب العمال الكردستاني، وهم لطفاء للغاية ولا يبدون أي تكبر أو تعال.

ولكن في تلك الأثناء لم يخرج علينا أحد من الخارجية الأميركية ليقول: ماذا عن تركيا؟ بصراحة، كان الأشخاص الموجودون في جيشنا المحلي وفي وزارة الخارجية المعنيون بمحاربة تنظيم الدولة يتعاملون مع الأمر وكأن المشكلة مشكلة طرف آخر وليست مشكلتهم.

فقد تعرض الأتراك لاستفزازات على الحدود، خاصة من قبلنا عندما أعلنا عن عزمنا على تشكيل قوات دفاع جديدة على الحدود في عام 2018، وبأن تعداد تلك القوات سيصبح أكبر، وأول مكان قمنا بنشر تلك القوات فيه هو الحدود التركية.

وقد حدث ذلك عندما خرجت الأمور عن سيطرة القيادة المركزية هناك، وهذا أمر تقليدي "فنحن هنا لنقاتل الإرهابيين وحسب، لذا دعوا الأنذال في وزارة الخارجية يهتمون بأمر تركيا، أما نحن فبوسعنا أن نتفوه أو نفعل ما يحلو لنا ولحلفائنا، فلن يهمنا ذلك في شيء"، إذ كان ذلك سبب وجودنا اللعين إلى أن تصبح الأمور تحت سيطرتنا، بيد أنها لم تصبح تحت سيطرتنا بشكل كامل، بوجود عدد من الأمور الهامشية، ولهذا طلب مني بومبيو أن أتولى أمور محاربة تنظيم الدولة.

ألمونيتور: لقد وجهت عملية نبع السلام ضربة للمهمة الأميركية الموجودة هنا، ولهذا وصفت بأنها تطهير عرقي، وسبق وأن قلتم بأن علينا أن نظهر لأردوغان أنيابنا، ولكن قبل العملية العسكرية، كنتم قد ترأستم الجهود الساعية لتفكيك دفاعات وحدات حماية الشعب كجزء من عملية إنشاء منطقة آمنة، فما الفكرة من ذلك؟

جيفري: لقد كان توسيعاً لخريطة طريق منبج، حيث تم تسيير دوريات مشتركة في منبج، مع انسحاب القيادة المرتبطة بحزب العمال الكردستاني. وفي المنطقة الآمنة كانت قوات سوريا الديمقراطية توجد بكاملها وكان يجب سحب الأسلحة والدفاعات الثقيلة. ولهذا فكرنا بأن ذلك قد يجدي نفعاً، نظراً للضغوطات التركية المتواصلة على الرئيس حتى يفعل شيئاً حيال هذا.

سمعنا كثيرا من الأقاويل حول مشاركة جيفري بوضع هذه الخريطة، لكنها لم تكن خريطة جيفري، وذلك لأن شخصيات عسكرية هي من قامت برسم تلك الخريطة مع الكرد، كما تم الاتفاق معهم بشأنها.

وهكذا عندما توجهت مع بولتون إلى أنقرة في كانون الثاني من عام 2019، سمعنا كثيرا من الأقاويل حول مشاركة جيفري بوضع هذه الخريطة، لكنها لم تكن خريطة جيفري، وذلك لأن شخصيات عسكرية هي من قامت برسم تلك الخريطة مع الكرد، كما تم الاتفاق معهم بشأنها.

وكان من المفترض بالنسبة للكرد أن يقوموا بتفكيك تحصيناتهم، لكنهم لم يفعلوا، وتلك من أهم الشكاوى التي حملها أردوغان. كما أن بولتون لم يكن يرغب بأي وجود تركي في تلك المنطقة، وكان ذلك من بين الحجج التي ناقشتها معه في أنقرة. حيث اتفقنا على عدم إبراز الخريطة، وقررنا الاكتفاء بنقل فكرة الخريطة للأتراك.

أبرمنا الاتفاقية أخيراً في تموز وآب، وشملت تسيير دوريات تركية على طريق إم 4 الدولي، بحيث يمكن للأتراك أن يحافظوا على الـ30 كم الخاصة بهم، إلى جانب وجود تركي دائم، إلا أن هذه النقطة بقيت غامضة إلى حد ما، دون أن نتمكن من تحديد مكان وجود تلك القوات بالضبط.

كانت تلك تسوية جيدة، وقد نجحت بالفعل، إلا أنها لم ترض الأتراك، لأنهم يعرفون بأن قوات سوريا الديمقراطية ماتزال تسيطر على المنطقة، ولأنهم لم يصدقوا أن قوات سوريا الديمقراطية ستقوم بتفكيك تحصيناتها، وهذا صحيح، ولهذا واصلنا الضغط على قوات سوريا الديمقراطية لتقوم بذلك، فلم تصلنا سوى الكثير من الأعذار.

ألمونيتور: لماذا انهارت؟

جيفري: لم يرض الرئيس عن وجودنا في سوريا، كما لم تعجبه فكرة الحروب الأبدية بنظره، وهذا شيء يجب ألا ننتقده لأجله، فقد قضينا على دولة الخلافة ثم بقينا هناك. ولهذا ظل ترامب يسأل: "لماذا مايزال جنودنا هناك؟" لكننا لم نقدم له إجابة شافية على ذلك.

ولو قال أحدهم حينها: "كل ذلك من أجل الإيرانيين"، لكان على حق، غير أن المسؤول عن ذكر السبب الحقيقي لبقاء الجنود هناك هو وزارة الدفاع، التي ظلت تستعين بتفويض الكونغرس لاستخدام القوة العسكرية وتقول: "إننا هناك لنحارب الإرهابيين".

إذن فالسبب الذي دفع ترامب لسحب الجنود من هناك باعتقادي هو ملله من تبريراتنا المختلفة لوجودنا هناك، وكأننا نعده ضمنياً ونقول: "لن نرتكب أي أخطاء هناك، فنحن نتعامل مع الأتراك كما نتعامل مع الروس" وبعد كل ذلك حدثت تلك المصائب.

لم أطلع الرئيس على ذلك، بل بومبيو هو الذي فعل، وقدم له حججاً طيلة تلك الفترة، ركز من خلالها على إيران. إلا أن ترامب لم تعجبه فكرة بقاء هؤلاء الجنود، وكان يثق بأردوغان الذي سيستمر في طرح تلك القضايا حول حزب العمال الكردستاني، ثم سيتوجه الرئيس بسؤاله إلى الشعب الذي بدوره سيكون صادقاً وسيقول: "اعترفوا! بالطبع الأمر أعقد من ذلك بكثير، وذلك لأن الحروب معقدة. وهكذا اطلع الرئيس على الأمر، كما سمع من أردوغان، وأردوغان مقنع إلى حد بعيد.

ثم إننا في وزارة الخارجية لم نذكر أي رقم حول تعداد الجنود للرئيس، فذلك ليس من اختصاصنا، أي أننا لم نحاول أن نخذعه، بيد أنه واصل ذكر أعداد مختلفة أمام الناس إلا أنها كانت أقل بكثير من الأعداد الحقيقية، ولهذا عندما كنا نخاطب الإعلام أو الكونغرس نتوخى الدقة أو نتجنب الحديث عن الأمر. كما أن الأعداد كانت مضحكة، فهل بوسعك أن تدرج أعداد الحلفاء الذين لا يريدون أن يعرف أحد بوجودهم هناك؟ هل قمتم بعد قاعدة التنف العسكرية؟ هل قمتم بعد فرقة برادلي التي كانت تدخل وتخرج؟

ولقد أصبنا بخجل وتوتر كبير عندما أصدر الرئيس ثلاث مرات أوامر بالانسحاب، إذ كان ذلك بمنزلة ضغط وتهديد مستمر لسحب الجنود من سوريا. وهكذا شعرنا بضعف شديد، كما انتابنا شيء من الخوف لأن الأمر بدا منطقياً بعض الشيء بالنسبة لنا، فأنا أتفهم قلقه ومخاوفه حيال أفغانستان، إلا أن المهمة في سوريا هي هبة لا تتوقف عن العطاء، ومانزال نحن وقوات سوريا الديمقراطية نسيطر على شمال شرقي سوريا.

وكان الكرد يحاولون على الدوام دفعنا باتجاه التظاهر بأننا سندافع عنهم وسنقف في صفهم ضد الجيش التركي، كما ضغطوا على قوة المهام المشتركة، بالرغم من كل اعتراضاتي، وذلك لتبدأ بإنشاء نقاط على الحدود التركية. لم تعجبني تلك الفكرة على الإطلاق، لأنها لا تحمل سوى استفزاز للأتراك.

ولكن لم يكن بوسعي أن أوقف كل ذلك، ولكن كان بإمكاني أن أقف في وجه إنشاء مزيد من النقاط العسكرية، إذ لا معنى لوجودها. كما أن الجيش الأميركي ليس مكلفاً بضرب الأتراك، الذين بوسعهم أن يقودوا مركباتهم حول تشكيلات الجيش الأميركي بكل بساطة.

فكانت تلك إشارة واضحة للأتراك لئلا يثقوا بنا ثقة عمياء، وبأن لدينا مخططا لإقامة دويلة دائمة في شمال شرقي سوريا يديرها حزب العمال الكردستاني لتتحول هذه الدويلة إلى نقطة للضغط، تماماً كما ظن كثير من الأتراك أن الهدف من سياستنا مع اليونان أو قبرص أو أرمينيا هو الضغط على الأتراك.

فكانت تلك إشارة واضحة للأتراك لئلا يثقوا بنا ثقة عمياء، وبأن لدينا مخططا لإقامة دويلة دائمة في شمال شرقي سوريا يديرها حزب العمال الكردستاني لتتحول هذه الدويلة إلى نقطة للضغط، تماماً كما ظن كثير من الأتراك أن الهدف من سياستنا مع اليونان أو قبرص أو أرمينيا هو الضغط على الأتراك، وقد أخطؤوا في ذلك. لأن تلك هي الطريقة التي تعامل بها البريطانيون والفرنسيون مع الإمبراطورية العثمانية.

وقد تم التلاعب بتلك السياسة في الكونغرس وعبر الإعلام وكأننا وضعنا تلك السياسة لنصبح حصناً منيعاً في مواجهة الأتراك، بعد ذلك غير الرئيس سياسته على الأرض في حوار له مع أردوغان.

صدقني، كنت مع القائد العسكري في شهر كانون الأول 2018 عندما كان الأتراك على وشك التوغل، وكنا نحاول أن نفكر بما يجب أن يفعله الجيش الأميركي، إذ لم تكن لدينا خطة، كما لم يكن لدينا مخطط للرد على تركيا، لأنه لم يكن لدينا أمر بذلك، كما أن ذلك لا يندرج ضمن الهدف الذي قامت مهمتنا من أجله.

وقد شرحنا موقفنا للأتراك، أعني أنا والوزير بومبيو وآخرون، وقلنا لهم: حتى لو لم نوقفكم عسكرياً، وهذه ليست سياستنا، إلا أننا سنتخذ إجراء ضدكم سياسياً، والأهم من ذلك أن الكرد سيستنجدون بالروس. بيد أن الأتراك لم يأخذوا ذلك على محمل الجد، بل استخفوا به وظلوا كذلك حتى ما بعد العملية العسكرية التي بدأت في السادس من تشرين الأول.

أرسل الرئيس رسالة لأردوغان، حذره فيها من أنه إن لم يتوقف خلال 24 ساعة، فلابد وأن يتواصل مظلوم مع الروس ليستنجد بهم، وعندها لن تقف الولايات المتحدة في طريقهم. وعندما فرغت من نقل تلك الرسالة، شكك الطرف التركي بها، إما لأنهم اعتقدوا بأن الروس لن يهبوا لنجدة الكرد، أو أننا لابد وأن نوقفهم، كما سبق وفعلنا مع فاغنر في حقل كونوكو للغاز بدير الزور.

وهكذا تدخل الروس، وفجأة أصبح الأمر عبارة عن كش ملك، ولكن هل بوسعي أن أزعم بأن المشكلة التركية قد انحلت؟ لا، لا يمكنني فعل ذلك، إلا أن الترك موجودون حالياً في شمال شرقي سوريا، ولم يعد لديهم كثير من المخاوف تجاه قسد.

ألمونيتور: هل كانت لديهم أية مبررات ليخافوا من قسد؟

جيفري: بالطبع، وبكل تأكيد. لقد كانوا على وشك شن حرب ضد سوريا في عام 1999 بسبب وجود عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني فيها. ثم إن وحدات حماية الشعب تمثل حزب العمال، أتذكر عندما دخلوا الرقة؟ أتتذكر الملصق؟ تلك هي المشكلة (صوة أوجلان في وسط الرقة). فأردوغان لا يريد دويلة أخرى مثل قنديل تتمتع بحماية الولايات المتحدة أو روسيا في سوريا.

لقد قتل 40 ألف تركي على يد حزب العمال، ولذلك يعتبر خطراً وجودياً بالنسبة لتركيا، ولهذا ينقسم الكرد في تركيا، فنصفهم يوجد في جيوب كردية، بينما اندمج النصف الآخر ضمن المجتمع التركي. وسنشهد نموذجاً مماثلاً لنموذج البوسنة ورواندا في حال تمكن حزب العمال من حشد الكرد فعلياً لدرجة تدفع الغالبية التركية إلى تبني المقولة: "الكردي الطيب الوحيد هو الميت" وهذا هو الخطر الوجودي المتمثل بحزب العمال على تركيا.

ويجب على أردوغان ألا يقلق حيال الفكرة القائلة بإن الولايات المتحدة تلعب عمداً هذا الدور ضمن مخطط طويل الأمد حتى تبقي تركيا ضعيفة.

ألمونيتور: ولكن أليست لديكم أية أدلة حول قيام قسد بنقل الأسلحة أو المقاتلين إلى تركيا؟

جيفري: ليس عبر شمال شرقي سوريا بكل تأكيد، فهذا جزء من الاتفاق الذي أبرمناه معهم.

ألمونيتور: هل تعتقدون بأنه مايزال بوسع الولايات المتحدة أن تتوصل إلى توافق بشأن وجود تركيا في شمال شرقي سوريا، نظراً لإصراره على أن حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب جزء لا يتجزأ من تنظيم حزب العمال الإرهابي؟

جيفري: لست أدري، وذلك لأنك عندما تتكلم عن شمال شرقي سوريا ستكتشف بأن أهم شيء هنا هو السياسة الداخلية التركية، كونها رفيقة أردوغان في معركته، ويمكن تلخيص ذلك بجملة واحدة: كل ما يهم هو الأجندة القومية التركية التي لا يوجد فيها مكان للكرد.

إلا أن هذه الأجندة لا تمثل أجندة حزب العدالة والتنمية بكل تأكيد، وذلك لأن حزب الحركة القومية في تركيا يقف في وجه أردوغان الذي كانت سياساته تجاه الكرد وحزب العمال أفضل بكثير ممن سبقوه.

إلا أن أردوغان إذا أحس بالحاجة لنصر ما بهدف استثارة المشاعر الوطنية والقومية، عندها قد يفعل ما هو أكثر من ذلك. بيد أن المشكلة تكمن في أنه يتعين عليه أن يقوم بذلك بالتزامن مع الروس، لأنني لا أعتقد أنه سيتوجه إلى جنوب طريق إم 4، إذ لطالما أعلن هو وجماعته بأنهم لا يعنيهم ما يحدث جنوب إم 4، أي كوباني مثلاً، إلا أن هذا يحتاج إلى إبرام اتفاقية مع الروس.

وقد أوضح الروس أنهم لا يريدون أي توسع للوجود التركي داخل سوريا، وقد أبلغت السلطة العليا بذلك.

إلا أن الكرد يصرون على أن الروس قالوا لهم بإن الأتراك على وشك التوغل، وهذا تهديد روسي، نسجه الروس من عندهم لإبعادنا حتى يتمكنوا من الوصول إلى حقول النفط، بيد أن ذلك مجرد أسلوب ضغط روسي صرف، ولا أظنه قد يحدث في يوم من الأيام.

ألمونيتور: لقد شكك قائد قسد مظلوم عبدي بإمكانية عقد اتفاق مع نظام الأسد في المستقبل القريب، فما هو وضع المحادثات بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي؟ وكيف ستنتهي الأمور بالنسبة لقسد؟

جيفري: إليكم جواب جيم جيفري الساخر من كل هذا: وهو الجواب على سؤال ديف بيترايوس: كيف ستنتهي كل تلك الأمور؟ إنها مسألة نسبة وتناسب، إذ ليست لدينا خريطة طريق مثالية، وإذا كنت ترغب بتخصيص موارد محدودة، فلا بأس، ولا ضير في ذلك فقط لأن ذلك يمثل الطريقة الأساسية التي يمكن من خلالها لعملية المنافسة بيننا أن تتقدم.

فالمجموعات الكردية المختلفة ستصبح جزءاً من المحصلة النهائية للأزمة السورية، على الصعيدين السياسي والعسكري، وذلك لأنهم يمسكون بزمام كثير من الأمور.

ألمونيتور: هل بوسعهم أن يشاركوا في جنيف؟

جيفري: من يدري؟ فنحن نعيش في عالم شعوب كشمير وناغورني-قره باخ

ما أريد أن أقوله هنا هو أن الإبقاء على قسد يعتبر الخطة ب بالنسبة لنا. إذ لدينا الخطة أ، وهذه الخطة لا يمكنها أن ترد على السؤال: كيف ستنتهي كل تلك الأمور؟ وذلك لأن الغرض من الخطة أ هو ضمان عدم حصول الروس والأسد والإيرانيين على إجابة شافية بالنسبة للطريقة التي ستنتهي بها كل الأمور، ولعل ذلك قد يدفعهم للقبول بالخطة ب في يوم من الأيام. وحتى يحين ذلك سيظل هؤلاء مكبلين ولن يستطيعوا أن يعتبروا سوريا انتصاراً بالنسبة لهم.

ألمونيتور: هل تعتقد أنه بوسع مظلوم إخراج كوادر حزب العمال من شمال شرقي سوريا؟

جيفري: سنرى ذلك. أعتقد أنه يفعل كل ما بوسعه ليوازن بين مصالح حزب العمال ومصالح الأتراك والروس والأميركان حتى يحافظ على الحماية المقدمة لشعبه، وهم الأكراد الذين يعيشون في شمال شرقي سوريا أولاً، وثانياً من يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها والتي تضم أعداداً كبيرة من العرب، لذا فإنه يقوم بما كنت سأقوم به بالضبط في ظل هذه الظروف.

وقد يختلف حجم الضغوطات المفروضة على كادر حزب العمال بسبب هذه السياسة من حين لآخر، إلا أن تلك الضغوطات هي الشيء الذي سنواصل زيادته نحن والأتراك بكل تأكيد.

المصدر: ألمونيتور