جيش التحرير الفلسطيني في سوريا.. ليس ميليشيا

2021.01.22 | 00:03 دمشق

unnamed.jpg
+A
حجم الخط
-A

"نداء فلسطين يجلجل، وعزة القدس تتراءى، في بندقية مقاتلٍ، عَشِقَ العنفوان والكبرياء، فترجم عشقه، إلى امتثال وبذلٍ وعطاء..".

بهذه الكلمات كان المذيع "عمر عيبور"، يفتتح الدعاية التلفزيونية، التي تدعو لانتساب الفلسطينيين السوريين، لجيش التحرير الفلسطيني.

على مدخل مقر التدريب العسكري، لجيش التحرير الفلسطيني في "مصياف"، ستطالعك على الترتيب، العبارات التالية: منظمة التحرير الفلسطينية – جيش التحرير الفلسطيني – والشعارات: وحدة وطنية، تعبئة قومية، تحرير.. فيما ستجد وسط اللوحة، بالخط العريض: "مدرسة الشهيد باسل الأسد للتدريب العسكري الفلسطيني"..!

نبذة تاريخية:

يعود تاريخ التأسيس الرسمي لجيش التحرير الفلسطيني إلى العام 1964، قبلت دول الطوق – عدا لبنان – والعراق تأسيس قوات عسكرية نظامية فلسطينية على أراضيها، تتبع نظرياً لمنظمة التحرير، وفعلياً للأنظمة العربية الموجودة فيها، فأسست في مصر  قوات "عين جالوت"، وفي الأردن قوات "اليرموك"، التي أصبحت لاحقاً تُسمى قوات "بدر"، وفي العراق قوات "القادسية"، وفي سوريا قوات "حطين"؛ لم تطبق سوى سوريا نظام التجنيد الإجباري على الفلسطينيين، حيث يخضعون لقانون خدمة العلم؛ تالياً انتهت جميع قوات جيش التحرير في الدول العربية، ولم يبقَ منها، سوى جيش التحرير الفلسطيني في سوريا، وقوات "بدر" في الأردن.

تذكر مصادر أن الدعوة الأولى لتأسيس جيش نظامي للفلسطينيين، صدرت من العراق عام 1959، زمن "عبد الكريم قاسم"، لكن الحقيقة أن سوريا كانت سباقة للتأسيس الفعلي لنواة جيش نظامي فلسطيني، عام 1949، حيث أنشأ ضباط المكتب الثاني، "فصيلة الفدائيين الفلسطينيين"، التابعة لجهاز الاستطلاع في الجيش السوري، ثم قام "عبد الحميد السراج"، في عهد الوحدة بتسميتها: الكتيبة (68) استطلاع، وتولى قيادتها ضباط فلسطينيون، من خريجي الكلية الحربية في حمص.

شارك جيش التحرير الفلسطيني في كل الحروب التي خاضها الجيش السوري، بل وشارك في بعض الحروب بديلاً عن الجيش السوري، كما حصل في أيلول الأسود، الأردن 1969، حيث كان الضباط والجنود من قوات جيش التحرير، فيما كانت الدبابات، والمدرعات للجيش السوري، طُليت بأعلام منظمة التحرير.

الهيكلية والإدارة والتنظيم:

يتكون جيش التحرير الفلسطيني، من ثلاثة ألوية قتالية – تعادل فرقة عسكرية – وعدد من الإدارات العسكرية، وهي: لواء "حطين" في قطنا، لواء "أجنادين" في جبل الشيخ، وهما يتبعان للفرقة العاشرة السورية، ولواء "القادسية" في السويداء، ويتبع للفرقة الخامسة السورية، واختصاصات تلك الألوية متنوعة: مشاة، مدفعية، دفاع جوي، مدرعات، وغيرها، كما تتميز بأن معظمها تتضمن أفواج مغاوير، وصاعقة، وإنزالا جويا، وهو الدور الرئيسي الذي اختارته القيادة السورية لجيش التحرير.

أما الإدارات: رئاسة هيئة الأركان ومقرها في "عرطوز"، وتتبع لها عدة أقسام: إدارة التسليح، إدارة الإمداد والتموين، إدارة القضاء العسكري، إدارة التوجيه السياسي والمعنوي، شعبة التنظيم والإدارة؛ أما الإدارات الملحقة: إدارة الاستطلاع (المخابرات العسكرية) ومقرها في "المزة"، إدارة المركبات، والسجن العسكري في "جرمانا"، المشفى العسكري في "مخيم اليرموك"، مركز الأغرار، ودورات الصاعقة في "مصياف"..

القيادة والتبعية العسكرية والسياسية لجيش التحرير:

الحقيقة أن جيش التحرير الفلسطيني في سوريا، لا يملك ضباطاً فلسطينيين..!

كيف يكون ذلك، وجيش التحرير فيه مئات الضباط الفلسطينيين من رتبة ملازم، وصولاً لرتبة لواء ركن؟

في الواقع أن أي فلسطيني يرغب بالتطوع كضابط في جيش التحرير، عليه أن يتقدم للكليات العسكرية السورية، وحين يتخرج منها برتبة ملازم، يصدر صك عن إدارة شؤون الضباط  في وزارة الدفاع السورية، بإعارتهم لجيش التحرير الفلسطيني، فهم إذن، وبحسب القانون: "ضباطٌ سوريون" مُعارون لجيش التحرير، رغم أنهم فلسطينيون، ولا يحملون الجنسية السورية، والأمر ذاته ينطبق على الضباط "المجندين"، حيث يؤدون تدريبهم لمدة ستة شهور في الكليات العسكرية السورية، وبعد دورة الصاعقة الإجبارية لجميع العسكريين الفلسطينيين، يصدر صك بإعارتهم لجيش التحرير الفلسطيني، وفرزهم على قطعاته.

ويشترط بمن يرغب التطوع في جيش التحرير الفلسطيني، أن يكون عضواً في حزب البعث.

أما نظامه الداخلي: كالترفيع، والنقل، والتسريح، والتدريب، والتسليح، والتموين، وتوزيع الانتشار، والمناورات والقتال، فهي صادرة بالكامل عن القيادة السورية، وليس للضباط والجنود الفلسطينيين إلا التنفيذ، تحت طائلة الخضوع لقانون العقوبات العسكري السوري.

كما أن أعضاء هيئة أركان جيش التحرير الفلسطيني، لهم مكاتب مخصصة في وزارة الدفاع السورية، كضباط القيادة السوريين.

بينما تتبع شُعَبُ تجنيد "فلسطين" في كل المحافظات، لمديرية التجنيد العامة، ويترأسها ضباط سوريون حصراً، وتطبق قانون خدمة العلم السوري، وتمنح الفلسطينيين دفاتر الخدمة السورية، وتصدر لهم أذونات التأجيل، والزواج، والسفر، وغيرها..

وعليه، فإن جيش التحرير الفلسطيني تابعٌ بشكلٍ كاملٍ، وبغطاءٍ قانوني للقيادة السياسية، والعسكرية السورية، وليست له أية تبعيةٍ سياسيةٍ، أو عسكريةٍ لمنظمة التحرير الفلسطينية.

جيش التحرير الفلسطيني والثورة السورية:

لجيش التحرير الفلسطيني تاريخٌ غير مشرفٍ مع نظام الأسد باتجاهين متناقضين، الأول: عصيان، تمرد، وانشقاقات سابقة لضباط، وجنود، وتشكيلات جيش التحرير، ولا سيما في حرب لبنان، حيث كانت طلائع القوات السورية التي دخلت لبنان عام 1976، من جيش التحرير الفلسطيني، التي انشق عدد من ضباطها، وجنودها بسلاحهم، وعتادهم، وانضموا لقوات الراحل "ياسر عرفات"، وخرجوا معه إلى تونس، فيما رفض ضباط وجنود آخرون، أوامر جيش "الأسد" بالاشتباك، أو بالانسحاب، فكان مصيرهم الموت في سجن تدمر العسكري، كالمقدم "عطية عوض"، وهذا ما دفع النظام السوري لعدم زج جيش التحرير الفلسطيني في القتال بداية الثورة السورية، وحين أصدرت وزارة الدفاع نهاية العام 2011، أوامر إيقاف التسريح، واستدعاء الاحتياط، استثنيت قوات جيش التحرير الفلسطيني، لسنواتٍ لاحقةٍ.

الثاني: تسخير الأسد قوات جيش التحرير الفلسطيني في اعتداءاته وجرائمه، في الأردن ولبنان، وأخيراً سوريا، حين أُمِرَت قوات جيش التحرير الفلسطيني بالمشاركة في القتال، العام 2013، ابتداءً من جبهة الغوطة الشرقية.

خلال الثورة، وقعت انشقاقات في جيش التحرير، شملت ضباطا وصف ضباط، ومجندين، من أبرزهم العقيد الركن "قحطان طباشة"، والعقيد الركن " خالد الحسن" وكلاهما قائدان لكتيبتي مغاوير، من لواء "القادسية"، وقد شكلا مجموعات عسكرية تابعة للجيش السوري الحر، ضمت ضباطا، وصف ضباط، وجنودا منشقين عن جيش التحرير؛ استشهد العقيد "طباشة في معارك درعا 2012، بينما استشهد العقيد "الحسن" في معارك مخيم اليرموك 2015، وحاول آخرون غيرهم الانشقاق فاعتقلوا، وماتوا في المعتقلات، وغيرهم انضموا لفصائل الثورة، بعضهم ما زال موجوداً في الشمال السوري، وبعضهم فروا خارج سوريا.

بالمقابل شاركت قوات جيش التحرير الفلسطيني بقتال الثوار مع قوات النظام، وسقط منهم مئات القتلى، وما زال العديد منهم يَقتُلون، ويُقتَلون..

خلاصة القول: إن جيش التحرير الفلسطيني ليس ميليشيا، بالمعنى القانوني، والواقعي، ذلك أنه قوات عسكرية نظامية، وهي جزء من جيش النظام السوري، ويُعد فرقةً من فرقه العسكرية، وهو ما لا يجعله يندرج تحت مسمى القوات الرديفة، أيضاً.

لكن، ما ينطبق على الجيش السوري، بتحوله من "جيشٍ" دولةٍ ووطنٍ، إلى "ميليشيات" تحمي نظاماً مجرماً، ينطبق على جيش التحرير الفلسطيني؛ مع عدم خلو "الجيشين" من عناصر وطنية شريفة، فضلت الانشقاق، والدفاع عن إخوتهم، أو الموت في المعتقلات، أو التهجير.

وليس لمجرمٍ جنسيةٌ أو وطنٌ.. كما ليس لجَسُورٍ إلا نصرٌ أو كفن.