
بفوز تأخر إعلانه أياماً، توّج السياسي الديمقراطي المخضرم جو بايدن، 77 عاماً، مسيرته السياسية الطويلة التي تمتد لنحو 47 عاماً مليئة بالأحداث، بتوليه منصب الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة الأميركية، محطماً أحلام سلفه دونالد ترامب، الذي قاتل بشراسة للاحتفاظ بإدارة البيت الأبيض لدورة رئاسية جديدة.
فمن هو جو بايدن، وما هي مسيرته السياسية، وكيف يرى قضايا العالم الساخنة؟
ولد جوزيف بايدن في تشرين الثاني من العام 1942، في مدينة سكرانتون بولاية بنسلفانيا، في عائلة من أصل إيرلندي، درس التاريخ وعلم السياسة بجامعة ديلاوير، وتخرج فيها عام 1965، ثم انضم إلى كلية الحقوق بجامعة سيراكوس، وتخرج فيها عام 1968.
ظهرت أحلام بايدن أثناء دراسته في كلية الحقوق، حينها اعترف لزميلته نيليا هانتر، التي أصبحت زوجته فيما بعد وأنجبت له ثلاثة أبناء، برغبته في أن يكون سيناتوراً في مجلس الشيوخ قبل أن يصبح عمره ثلاثين عاماً، ثم سيصبح رئيساً للولايات المتحدة في وقت ما.
وتحقق حلمه بعد سنوات قليلة، عندما ترشّح عن الحزب الديمقراطي في مواجهة أحد أعضاء مجلس الشيوخ عن ولاية ديلاور المنتهية ولايته الجمهوري كاليب بوغز، وعلى الرغم من دعم الجمهوريين الواسع له، استطاع بايدن هزيمته مع فريق انتخابي صغير قادته شقيقته الصغرى، دون أن يكون معروفاً لدى الناخبين، ودخل مجلس الشيوخ قبل أسابيع من عيد ميلاده الثلاثين، مطلع العام 1973، وأصبح حينها أصغر سيناتور في تاريخ الولايات المتحدة.
وقبل أسابيع قليلة من أدائه للقسم كسيناتور في مجلس الشيوخ، فُجع بايدن بوفاة زوجته وابنته البالغة من العمر سنة واحدة، إثر حادث سيارة كانت تقلهما مع ابنيه الآخرين الذين أصيبا بشدة، وفكر حينها بالتخلي عن عضويته في المجلس للعناية بطفلية الباقيين على قيد الحياة، ولكن زملاءه الديمقراطيين أقنعوه بالاستمرار، وتزوج بعد ذلك في عام 1977 من جيل جايكوب، وأنجب منها ابنة واحدة.
مسيرة سياسية متمكّنة
بعد مرور فترة من الوقت، استطاع بايدن وضع أسس لأحد أطول المسيرات في مجلس الشيوخ، وأثبت أنه سياسي متمكّن، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، وقادر على إيجاد نقاط تواصل وتسويات بين الديمقراطيين والجمهوريين، لتدرجه مجلة "التايم" الأميركية من بين 200 وجه للمستقبل.
بعد انتهاء ولايته الأولى في مجلس الشيوخ، أعيد انتخاب بايدن ست مرات، وعندما استقال ليتولى منصب نائب الرئيس باراك أوباما في العام 2009، كان رابع أكبر عضو في مجلس الشيوخ.
تولى بايدن لجنة العدل في مجلس الشيوخ من سنة 1987 حتى سنة 1995، ثم لجنة الشؤون الخارجية من سنة 2001 حتى سنة 2003، ثم من 2007 حتى سنة 2009.
بعد مرور 15 سنة على انتخابه في مجلس الشيوخ، قرر بايدن الترشح عن الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية في العام 1988، وعلى الرغم من حظوظه الوافرة، إلا أنه لم يحقق النجاح في استطلاعات الرأي، لينسحب من الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي قبل شهور من موعد الانتخابات.
لم تستطع المحاولة الفاشلة ثني بايدن عن تطلعه للبيت الأبيض، فقرر المحاولة مجدداً بعد 20 سنة، وترشح عن الحزب الديمقراطية للانتخابات الرئاسية في العام 2008، لكن مرة أخرى خذلته استطلاعات الرأي، لينسحب لصالح سيناتور ديلاور، الذي انسحب بدوره لدعم باراك أوباما، الذي نجح بالانتخابات الرئاسية.
خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في العام 2008، تقارب بايدن وأوباما، وتحول التعاون السياسي إلى صداقة عميقة، ليشغل نائب منصب نائب رئيس الولايات المتحدة الأميركية لفترتين متتاليتين، كرّمه أوباما في نهايتها بمنحه وسام "الحرية الرئاسية"، وهو أعلى تكريم مدني في الولايات المتحدة الأميركية.
توافقي ومعتدل ودعا إلى تقسيم العراق
يعتبر جو بايدن من الليبراليين المعتدلين في توجهاته السياسية، لكنه عارض تدخل الولايات المتحدة الأميركية في حرب الخليج الأولى، لكنه صوّت لصالح عمليات الناتو في البوسنة والهرسك وجمهورية يوغسلافيا السابقة، كما صوّت لصالح غزو أفغانستان في سنة 2001 والعراق في سنة 2002، ودعا بعد ذلك لتقسيم العراق إلى ثلاث فيدراليات "كردية، سنية، شيعية".
معروف بتأييده الشديد لإسرائيل، لكنه في الوقت نفسه من أنصار حل الدولتين، ويؤكد مراقبون أن ولايته ستشهد تعاملاً مختلفاً مع القضية الفلسطينية عن سلفه ترامب، فهو لا يؤيد ضم إسرائيل لأراض فلسطينية.
وفيما يتعلق بإيران، فهو يؤيد الخيار الدبلوماسي مع استخدام أسلوب العقوبات، ومن المرجّح أن يعيد بناء الاتفاق النووي مع إيران مرة أخرى، بعد أن أوقفه ترامب، كما صوّت في مجلس الشيوخ ضد اعتبار "الحرس الثوري الإيراني" منظمة إرهابية.
أما عن آرائه بالقضايا العامة فهو يفضّل البحث عن مصادر طاقة جديدة، ويعارض التنقيب عن النفط في محميات آلاسكا، ويدعم الجهود العالمية لمنع التغير المناخي، ويطمح لعلاقات أكثر دفئاً مع الاتحاد الأوروبي.
وفيما يتعلق بالهجرة واللجوء، فهو يؤيد منح تأشيرات للعمال الزائرين، لكنه يدعم فكرة السور الفاصل على الحدود مع المكسيك، وقال عنه ترامب في أحد الاجتماعات الانتخابية بأنه يريد زيادة عدد المهاجرين في المجتمع الأميركي إلى 700%.
ترتبط صورة بايدن العامة ارتباطاً وثيقاً بسنواته مع أوباما، وتستند سياساته بشكل عام على التوافق والاعتدال في أوقات الانقسام، ويراهن على قدرته على كسب تأييد الأميركيين الذين فاض بهم الكيل من سلف ترامب.
قريب من القلب وصاحب هفوات
يملك جو بايدن القدرة على جذب الناخبين، فهو صاحب لسان فصيح ومتحدث حماسي أمام الحشود، وقادر على الوصول لقلوب الناس، وفي نفس الوقت يرتكب بعض الهفوات التي تتحول إلى عناوين في وسائل الإعلام.
فخلال تجمعاته الانتخابية كرر أكثر من مرة أن أسلافه كانوا يعملون في مناجم الفحم في شمال شرق ولاية بنسلفانيا، وأنه غاضب لأنهم لم يحصلوا على الفرص التي يستحقونها في الحياة.
لكن، لم يكن أي من أسلافه من عمال المناجم، فقد سرق هذه المقولة، والعديد غيرها، من خطابات السياسي البريطاني من حزب "العمال"، نيل كينوك، الذي كان أقاربه عمال مناجم فعلاً.
في العام 2009، أثار الفزع لدى العامة عندما قال إن هناك "احتمالاً بنسبة 30 % أننا سنخطئ في تعاملنا مع المسألة الاقتصادية".
ويحظى بايدن بشعبية كبيرة بين الناخبين السود، إلا أنه وخلال الحملة الانتخابية الحالية، وقع في ورطة على الهواء مباشرة عندما ظهر في ضيافة مذيع أسود في إحدى المحطات، وقال حينها "إذا كانت لديك مشكلة في معرفة فيما إذا كنت ستصوت لي أم لترامب، فأنت لست أسود".
وأثارت هذه الجملة عاصفة إعلامية، أجبرت فريق مستشاريه على محاولة التقليل من فكرة أن حصوله على أصوات الأميركيين من أصل أفريقي أمرٌ مسلم به.
وكتب حينها أحد صحفيي مجلة "نيويورك" أن "الكلام الذي يتحدث به بايدن دون أن يفكر ملياً بما يقوله، بات الشغل الشاغل لفريق حملته، ويركز على تجنبه بأي ثمن".
كما يتهم بايدن من عدة سيدات بالتحرش الجنسي، عن طريق اللمس أو المعانقة أو التقبيل غير اللائق، ونشرت وسائل الإعلام مقاطع عن طريقته الشخصية اللصيقة في تحية النساء في المناسبات العامة، والتي يبدو أنها تتضمن أحياناً شم شعرهن، ورداً على ذلك، تعهّد بايدن أن يكون أكثر حرصاً في تعاملاته مع الآخرين.
من جانب آخر، يبتعد بايدن عن أسلوب السياسيين الآلي، الذين يتكلمون بخطابات أُمليت عليهم، ويصفه مقربون منه بأنه "شخص متواضع وحقيقي، يتكلم بما هو مؤمن به"، كما يوصف بأنه "رجل واجه بشجاعة مآسيَ شخصيةً كبيرة عدة مرات".
ويقول بايدن إن التلعثم الذي كان يعاني منه في مرحلة الطفولة جعله يكره القراءة من جهاز عرض الخطابات المعد سلفاً، وبدلاً من ذلك يفضّل أن يتحدث من القلب.
وبايدن قادر على إثارة مشاعر مؤيديه، ويستطيع أن يختلط بشكل ودود وقوي بحشد من العمال ويصافحهم ويربت على ظهورهم، وكأنه نجم سينمائي.
وقال عنه وزير الخارجية الأميركي السابق، جون ماكين، "إنه يجذبهم ويحتضنهم معنوياً وجسدياً أحياناً"، مؤكداً أنه "سياسي قريب من القلب، وكل ذلك حقيقي وبلا تمثيل أو تصنع".
وماذا عن سوريا؟
لم يكترث بايدن كثيراً بالملف السوري خلال حملته الانتخابية، لكن يؤكد مستشاروه على رؤيته بضرورة إنهاء الحرب في سوريا وتأمين مفهوم الاستقرار الغربي في منطقة الشرق الأوسط، وقد يتضمن ذلك إبقاء نظام الأسد في السلطة.
ويقول الكاتب علي باكير "سجِل بايدن في إدارة الرئيس أوباما لم يكن مشرّفاً فيما يتعلق بموقفه من الأزمة السورية"، موضحاً أنه "ساهم في تفاقم الوضع في سوريا وبقاء نظام الأسد، من خلال رفضه الشديد تسليح المعارضة السورية عندما كانت قاب قوسين أو أدنى من الإطاحة بنظام الأسد".
ولطالما اعتمدت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط بشيء من التسامح والتراضي إزاء انتهاكات طغاة لديهم علاقات وثيقة مع واشنطن، أو لها مصالح أمنية أو اقتصادية معه.
ولربما أبدى ترامب قسوة وحزماً أكبر من سلفه باراك أوباما، تجاه رأس النظام، بشار الأسد، حيث شن المزيد من الغارات، وفرض المزيد من العقوبات عليه، لكن ذلك لم يؤثر سوى بشكل طفيف في بنية النظام، وقدرته على مقاومة ما تبقى من معارضيه.
وترى صحيفة "الفورين بولسي" الأميركية، أن نوايا بايدن "السلمية" تجاه إيران، وإعادة تفعيل الاتفاق النووي الإيراني، سبب في دعم الأسد أكثر وأكثر، بالإضافة إلى أن التوصل لاتفاق مع إيران سيتطلب بالضرورة التغاضي عن تجاوزاتها وأخذ مصالحها في سوريا بعين الاعتبار، ما يعزز فرص الأسد بإعادة تسويقه وترويجه كخيار وحيد لسوريا.
في كل الأحوال، من المبكر قليلاً معرفة ملامح سياسة البيت الأبيض بإدارته الجديدة تجاه القضايا الساخنة في العالم، ومنها المسألة السورية، وقد تخضع هذه السياسة، من وجهة النظر الأميركية، لاعتبارات دول عدة، تراها واشنطن أكثر أهمية لها من بقاء الأسد أو رحيله، ويحتاج الرئيس جو بايدن لبذل كثير من الجهد، واعتماد سياسة مختلفة عما اعتمده أوباما، لفرض الانتقال السلمي في سوريا، والبدء بعملية سياسية تنهي معاناة ملايين السوريين.
اقرأ أيضاً: الانتخابات الأميركية: عائلة بايدن وعائلة ترامب