جولة انتخابية -تطبيعية لمايك بومبيو

2020.08.29 | 00:09 دمشق

2020-08-26t130534z_1758264648_rc2pli9gscc5_rtrmadp_3_bahrain-usa-pompeo.jpg
+A
حجم الخط
-A

قام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأسبوع الماضي بجولة في المنطقة شملت إسرائيل وثلاث دول عربية هي السودان والبحرين والإمارات، كما سافر بشكل مفاجئ إلى سلطنة عمان في زيارة لم تكن مقررة مسبقاً. الجولة كانت انتخابية وهدفت أساساً لخدمة حملة الرئيس دونالد ترامب وجهوده المحمومة للبقاء في البيت الأبيض لفترة رئاسية ثانية، ولنفس الهدف تضمنت أجندة تطبيعية تتعلق بتسريع مسيرة التطبيع بين إسرائيل والإمارات، ومحاولة جلب دول عربية أخرى منها السودان والبحرين وعمان إليها. علماً أن زيارة أبوظبي بدت دعائية وعامة في انتظار قيام صهر ترامب ومستشاره جاريد كوشنير بالعَرض "الشو" السياسي الإعلامي الكبير الأسبوع القادم من خلال قيامه بجولة مماثلة تشمل رحلة مباشرة من إسرائيل إلى الإمارات على رأس وفد أميركي إسرائيلي كبير في تدشين لخط السفر التجاري المباشر بين البلدين، إضافة لعقد لقاءات ثلاثية من أجل وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق السلام الإماراتي الإسرائيلي الذي سيتم توقيعه في البيت الأبيض أيضاً لخدمة ترامب وحملته الانتخابية.

تعمد بومبيو أن تكون محطته الأولى والمركزية في إسرائيل، حيث خاطب المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الأميركي المنعقد في ولاية كارولاينا الشمالية من مدينة القدس المحتلة باعتبارها عاصمة إسرائيل الأبدية، ومتفاخراً بالإنجاز التاريخي للرئيس ترامب من أجل حشد الناخبين وتجنيد طائفة الإنجيليين الصهاينة التي أيّدت واحتفت بخطوة نقل السفارة الأميركية من تل أبيب للقدس أكثر من اليهود أنفسهم حسب التعبير الحرفي للرئيس الأميركي نفسه.

وزير الخارجية الأميركي ردّد طبعاً الخطاب التقليدي عن دعم أمن إسرائيل واستقرارها وتفوقها الإقليمي في مواجهة المخاطر والتحديات التي تتعرض لها، وهي أمور هدفت إلى إضفاء طابع سياسي على الزيارة والتمويه على الجوهر الانتخابي لها.

ولخدمة الأجندة الانتخابية لترامب سافر بومبيو برحلة مباشرة من تل أبيب إلى الخرطوم في محاولة لفرض التطبيع الإسرائيلي السوداني كحقيقة واقعة مع سعيه لاستدراج السودان إلى الفخ التطبيعي بكل ما يحمل من تاريخ  في دعم الفلسطينيين والعرب بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي وما تحمله مدينة الخرطوم من رمزية عبر لاءاتها الثلاث الشهيرة بعد نكبة حزيران/ يونيو 1967 – لا اعتراف لا صلح لا تفاوض – الوزير الأميركي تحايل كذلك لوضع ملف التطبيع على جدول أعمال الزيارة جنباً إلى جنب مع ملف إزالة السودان من اللائحة الأميركية للدول الداعمة للإرهاب.

رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك طالب الضيف الأميركي "الثقيل" بالفصل بين الملفين، أي التطبيع وملف الإرهاب، مشيراً إلى حقيقة أن الحكومة الحالية لا تملك صلاحيات البت في ملف التطبيع، حيث تقتصر مهامها وفق الوثيقة الدستورية الناظمة للمرحلة الانتقالية على استعادة الأمن والسلام والاستقرار وتنظيم الانتخابات العامة وهو نفس ما أكدت عليه الساحة السياسية بأحزابها وقواها الحية والمركزية والمتعددة الخلفيات والاتجاهات لجهة رفض التطبيع، ودعم الحقوق الفلسطينية المشروعة مع التأكيد على أن حكومة ديموقراطية منتخبة فقط قادرة على الحسم في الملف الشائك، واعتبار إزالة اسم السودان من اللائحة الإرهابية حقا مشروعا لا يستحق تنازلا أو ثمنا مقابله إذا كانت أميركا صادقة فعلاً في مواقفها الداعمة للتجربة الديموقراطية الوليدة.

يجب الانتباه طبعاً إلى أن بومبيو يعي هذه الحقائق جيداً، ولكنه ضغط سعياً للحصول على أكبر قدر من المكاسب التطبيعية المتعلقة بحركة الطيران المدني الإسرائيلي في الأجواء السودانية، وربما فتح قنوات أمنية بين تل أبيب والخرطوم، وفي الحد الأدنى ضمان تماهي السودان مع السياسة الأميركية العامة في المنطقة وعدم الانضمام إلى معسكر معارضي ورافضي التطبيع.

لم يكن مفاجئاً أن يزور بومبيو البحرين على قاعدة أن المنامة جاهزة للتطبيع فور توقيع الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، رغم التسريبات عن تردد القيادة البحرينية وتمسكها بالمبادرة العربية أقله إلى حين اتضاح مآلات وآفاق التطبيع بين أبوظبي وتل أبيب.

زيارة سلطنة عمان لم تكن موضوعة على أجندة وزير الخارجية الأميركي، وأعتقد أنه سعى لتحقيق إنجاز سياسي ما والاطمئنان على موقف الحكومة العمانية تجاه مسيرة التطبيع بعد ردود الفعل الشعبية الغاضبة والرافضة وحتى إقالة وزير الخارجية يوسف بن علوي المتحمس للعلاقة مع إسرائيل بعد اتصاله مع وزير الخارجية الإسرائيلي غابي اشكنازي والذي بدا تطبيعا في حد ذاته.

زيارة بومبيو للإمارات بدت دعائية وعامة وهدفت إلى تكريس عملية التطبيع كحقيقة واقعة مع ترك الإنجاز الكبير لصهر الرئيس ومستشاره جاريد كوشنير الذي سيقوم الأسبوع القادم بزيارة أبوظبي على رأس وفد أميركي إسرائيلي كبير لإجراء مفاوضات ثلاثية مع وفد إماراتي من أجل وضع تفاصيل اتفاق السلام الذي سيتم توقيعه في البيت الأبيض خلال أسابيع وتجيير الإنجاز السياسي والدبلوماسي لصالح ترامب وإدارته.

إذاً بدا الترابط واضحاً وجلياً بين الأجندة الانتخابية الداخلية لجولة الوزير الأميركي والأجندة التطبيعية بين الدول العربية وإسرائيل، عبر سعي بومبيو لعقد لقاء تطبيعي عربي إسرائيلي موسّع في إحدى الدول الخليجية بمشاركة دول لا تقيم إقامة علاقات ديبلوماسية رسمية مع إسرائيل، واعتبار ذلك تمهيدا أو توطئة للتطبيع الكامل فيما بعد وطبعاً استغلاله لصالح ترامب وحملته الانتخابية.

لم يحقق وزير الخارجية الأميركي نجاحاً كبيراً في جولته أقلّه فيما يتعلق بتوسيع مسيرة التطبيع بين العرب وإسرائيل، وضمّ دول أخرى إليها، وعموماً وفيما يخص المساعي الأميركية المحمومة للتطبيع لا بد من الإشارة إلى ثلاثة معطيات مهمة تتمثل باستغلال أميركا لإيران وممارساتها الإجرامية والدموية كذريعة لدفع الأنظمة العربية للتطبيع مع إسرائيل بينما المزاج الشعبي العربي رافض ومقاوم بعناد حتى في العواصم المهرولة نحو تل أبيب. أما المعطى الثالث وهو جد جوهري فيتمثل بأهمية الديموقراطية كنظام سياسي يسمح للجماهير بالتعبير عن آرائها وفرض إرادتها بحرية وشفافية. وهنا تتبدى المفارقة أو الازدواجية الإسرائيلية -"والأميركية" - حيث  تفضل الدولة العبرية المدعية والمتشدقة بالديموقراطية التعامل مع أنظمة استبدادية لذلك عادت الثورات العربية ودعمت الثورات المضادة ومحاولات إعادة إنتاج أنظمة الاستبداد والفساد الساقطة التي أسقطتها الثورات الأصيلة ما يمثل في الحقيقة نقطة تقاطع كبرى مع الإمارات في ظل مساعي هذه الأخيرة المحمومة بل المسعورة – والفاشلة حتماً - لتمكين الثورات المضادة عربياً وتحصيل دعم إسرائيلي "وأميركي" أكبر لها ولأدواتها من الفلول الجدد، كما هو الحال مع بشار الأسد في سوريا وخليفة حفتر في ليبيا وعبد الفتاح السيسي في مصر وانفصاليي المجلس الانتقالي في اليمن.