جمود مستمر بالملف السوري

2022.02.18 | 05:40 دمشق

alkarykatyr_althalth_lshhr_shbat_2022.jpg
+A
حجم الخط
-A

مع تصاعد الأحداث بين روسيا وأوكرانيا وقرع طبول الحرب بين البلدين وما يرافق ذلك من مواقف دولية وانقسام بين دول داعمة لروسيا ومعسكر غربي يدعم أوكرانيا، وعلى رأسهم أميركا وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي، وتعقيدات تطول الملف النووي الإيراني، يغيب الاهتمام بالمشهد والوضع السوري بشكل واضح لا يترك مجالا للشك ويضع التطورات الحاصلة في آخر الأجندة، وبدلا من ذلك ربما تشهد الساحة السورية تطورات أخرى للتأثير على سير ما يحصل في الأزمة بين البلدين، خاصة أن الساحة السورية باتت في العرف الدولي وخاصة الروسي، ساحة لتصفية الحسابات مع الدول الغربية، وفي حالة الحرب الروسية مع الغرب ومن دون أدنى شك، ستعمل روسيا على استخدام كافة الأدوات والوسائل المتوفرة بين يديها، لأنها قد تكون مسألة حرب لها تبعاتها المستقبلية في حال فرض عقوبات كبيرة قد تصل إلى حالة العزل المالي لها، ولهذا ليس من المستغرب أن تلجأ روسيا إلى سلاح الطاقة، وسلاح النازحين، وسلاح القوة وخاصة على الساحة السورية.

وتتعامل روسيا خلال سنوات سابقة بمسألة النازحين واللاجئين السوريين في ابتزاز الغرب وتركيا عبر مستويين، الأول عبر الضغط باتجاه تركيا وأوروبا من خلال التصعيد والقصف الذي يستهدف المدنيين في مناطق التماس والعمق، في منطقة خفض التصعيد التي تضم إدلب وريفها وريف حلب، والثاني عبر ادعائه المستمر بعرقلة الدول الغربية عودة النازحين واللاجئين إلى قراهم وبلداتهم، رغم أن السوريين يرفضون العودة إلى مناطق تسيطر عليها قوات النظام بسبب عدم ثقتهم بأي عهود ووعود سواء من روسيا أو من قبل أي طرف داعم للنظام، ويرافق التوتر شبه غياب أي سياسة دولية أو حراك دولي يتعلق بإيجاد الحل السياسي، والحراك الذي يجريه المبعوث الأممي غير بيدرسون وحديثه عن سياسة الخطوة بخطوة واللجنة الدستورية وبظل التطورات الدولية، لا يمكن التعويل على هذه المساعي الأممية شيئا سوى الظهور بالمشهد الذي يحاول تحريك المياه الراكدة.

سياسة الخطوة بخطوة التي يتحدث عنها بيدرسون هي مجرد محاولة من أجل تحريك الجمود الحاصل في الملف السوري نتيجة التطورات الحاصلة

سياسة الخطوة بخطوة التي يتحدث عنها بيدرسون هي مجرد محاولة من أجل تحريك الجمود الحاصل في الملف السوري نتيجة التطورات الحاصلة، فالأزمة الأوكرانية التي تسيطر على العالم، ويرافقها تطورات الملف النووي الإيراني، هي ملفات مهمة ومؤثرة بشكل مباشر في تطورات الملف السوري، فإيران أيضا غير مستعدة لتقديم أي شيء يساهم في حل الموضوع السوري باعتبار أنها أحد أسباب الأزمة، والقصف الإسرائيلي المستمر للمواقع والقواعد الإيرانية يؤدي إلى مزيد من السيطرة الروسية والتعقيد، ونظرا لأن قواعد اللعبة بين روسيا والغرب قد تتغير فإن الورقة السورية ستكون حاضرة، وبناء على ذلك فسياسة خطوة بخطوة غير الواضحة والمتبلورة والتي تؤدي إلى تعويم النظام لن تكون سوى ملء للأجندة الدولية، بأن ثمة جهود أممية تسعى للحل السوري وهذا ما يظهر بوضوح جمود الملف وعدم قابلية حدوث انفراجة يتوق لها السوريون.

أما موضوع اللجنة الدستورية فهو أيضا مسار لتضييع الوقت ليس إلا فإذا ما كان مسار أستانا الذي ولد اللجنة الدستورية عاجزا عن التقدم إلى الأمام، وتقديم أي جديد بالملفات المختلفة ومنها الملفات الإنسانية والسياسية البديهية، فكيف يمكن للجنة الدستورية أن تسير قدما إلى الأمام، خاصة أن هناك كثيرا من التفاصيل التي يجب الاتفاق عليها وأهمها المنهجية التي تؤدي لإجبار النظام للتوافق على النقاط المشتركة، وبالتالي مسار اللجنة الدستورية هو مسار طويل والنظام وداعموه غير مستعدين للدفع بهذا المسار رغم إيران وروسيا ومن الدول الضامنة لمسار أستانا، وبسبب معرفة بيدرسون الجيدة بأن مسار اللجنة الدستورية لن يؤدي إلى نتيجة في القريب العاجل ورغم حديثه عن إمكانية حصول جولة جديدة الشهر المقبل من مفاوضات اللجنة الدستورية، ورغم حديثه عن توافقات جزئية في الأجندة لن تؤدي للحصول على أي نتيجة، ولإدراكه بهذا الوضع، فإنه يعمل على تسويق مبدأ خطوة بخطوة ويدعي أن الدول المعنية وعلى رأسها الولايات المتحدة مستعدة لهذا الأمر والتطبيع فقط لإعطاء الانطباع بأن ثمة حراك يحصل.

مواقف الدول الفاعلة ستكون مؤثرة وخاصة التي تقف إلى جانب الشعب السوري وتدعم المعارضة من مثل تركيا والدول الأوروبية وأميركا

وسواء فيما يتعلق بسياسة خطوة بخطوة أو مسار اللجنة الدستورية أو جمود الملفات جميعها، فإن مواقف الدول الفاعلة ستكون مؤثرة وخاصة التي تقف إلى جانب الشعب السوري وتدعم المعارضة من مثل تركيا والدول الأوروبية وأميركا، فالواقع وإن ظهر أنه بقيادة دول عربية  كالإمارات والأردن ثمة حراك عربي ودولي يسعى لتعويم النظام، إلا أن عدم تمكن هذه الدول من الدفع باتجاه عودة النظام للجامعة العربية فقط، يدل على وجود خطوط حمراء في هذا الإطار، إضافة لما سبق فإن الموقف التركي ما يزال متشددا حيال حصول أي تقارب مع النظام وتؤكد دائما موقفها من الحل وهو انتقال سياسي حقيقي في البلاد يؤدي إلى كتابة دستور جديد يذهب بسوريا إلى انتخابات نزيهة ديمقراطية حقيقية وظهور نظام حكم جديد في البلاد يساهم في عودة اللاجئين وإعادة الإعمار وبالتالي إعادة التطبيع لاحقا، وهذه النظرة ما زالت تركيا ودول أخرى معنية وخاصة بملف إعادة الإعمار تدفع باتجاهها وهذا أيضا يعتبر من العوامل التي تساهم بعدم تقدم المسارات الموازية التي يعمل عليها المبعوث الأممي.

في ظل الجمود الحاصل على الصعيد السياسي ثمة خشية من ممارسات قد تلجأ روسيا لها من أجل لفت الأنظار في إدلب عبر استفزازات قد تقوم بها من خلال عمليات القصف والتصعيد

وفي ظل الجمود الحاصل على الصعيد السياسي ثمة خشية من ممارسات قد تلجأ روسيا لها من أجل لفت الأنظار في إدلب عبر استفزازات قد تقوم بها من خلال عمليات القصف والتصعيد وهذه الخشية لها ما يعززها من خلال زيارة وزير الدفاع سيرغي شويغو الأخيرة إلى دمشق، ووصول قاذفات فرط الصوت إلى قاعدة حميميم وكأن روسيا ترسل رسالتها للغرب بأنها قادرة على تحريك أكثر من ورقة ردا على تهديدات الغرب بخيارات عديدة، ولهذا قد تلجأ روسيا إلى تصعيد ممنهج ضد المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في محاولة لفرض حالة من النزوح باتجاه الحدود التركية، فمن جهة سيكون هناك ضغط على تركيا التي من الواضح في حالة الحرب ستقف إلى جانب أوكرانيا، وبالتالي التأثير عليها وإزعاجها، ومن ناحية ثانية إعادة مسألة تحريك ملف اللاجئين عبر تركيا والمتوسط إلى أوروبا مجددا، طبعا إضافة إلى ملفات الضغط الأخرى المتمثلة بالغاز والطاقة.

وكل ما سبق لا يعني بالضرورة حصول تقدم ميداني باتجاه إدلب لأن هذا غير ممكن عسكريا بسبب الانتشار العسكري التركي المكثف بالمنطقة واستعدادات المعارضة والتصعيد سيكون محصورا بالقصف الجوي والمدفعي، وستكون الزيارة المرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا ولقاء نظيره التركي رجب طيب أردوغان من المحطات الهامة في إطار توضيح المسار المقبل، فإذا ما انخفضت حدة التوتر بين الغرب وروسيا على الساحة الأوكرانية، فإنه قد تنعكس على الأوضاع بشكل إيجابي على الملفات الثانية ومنها الموضوع السوري، وعندها يمكن الحديث عن عودة تحريك المسار، ولكن أشد المتفائلين لا يتوقع حصول ذلك في الفترة القريبة.