جدوى منصات التعليم الإلكتروني السورية في تركيا

2021.06.19 | 06:00 دمشق

214355.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم يكن وجود منصات التعليم الإلكتروني الخاصة بتعليم اللاجئين السوريين في تركيا ترفاً أو طموحاً مشروعاً للوصول إلى درجة متقدمة في التصنيف العالمي للتعليم على غرار الدول المتقدمة تعليماً مثل فنلندا أو غيرها، إنما  هي الحاجة  الملحة التي فرضها قرار دمج الطلاب السوريين في العملية التعليمية التركية عام 2017م، فهو القرار الذي شكل انعطافة أساسية في ميدان تعليم الطلاب السوريين في تركيا؛ لأن المدراس السورية المؤقتة التي احتضنتهم في مرحلة ما قبل قرار الدمج، لم تخضع للمعايير التعليمية الدولية الخاصة بتعليم اللاجئين، فكانت غير قادرة على تلبية الحاجات التعليمية لمتعلميها؛ نتيجة لمعاناتها من مشكلات إدارية وتعليمية متعددة تمس جوهر العملية التعليمية منها: المعلمون والمناهج الدراسية وغيرها.

أدت فجائية قرار دمج الطلاب السوريين في العملية التعليمية التركية، وعدم وجود خطة تنفيذية واضحة  لهذا القرار إلى مشكلات متعددة، إلى ما يمكن أن نسميه  بـ "الصدمة التعليمية" التي  نقصد بها الصعوبات التي يعانيها الطالب من أجل التكيف مع النظام التعليمي الجديد الذي يختلف عن النظام التعليمي في بلده الأم اختلافاً أساسياً، وهي الحالة التي مثلها  قرار نقل الطلاب السوريين من نظام المدراس المؤقتة الناطقة باللغة العربية بكل مناهجها، إلى النظام التعليمي التركي الناطق باللغة التركية بكل مناهجه وهو ما ولّد عقبات مختلفة تتعلق باستيعاب الطالب السوري للمناهج التركية، فضلاً عن المشاكل المتعلقة بمشكلات الهوية الوطنية السورية للطلاب المُدمجين في العملية التعليمية التركية.

أول عقبة انتصبت في وجه اندماج الطلاب السوريين في نظام التعليم التركي هي اللغة التركية، وخصوصاً لطلاب المرحلة الثانوية والمتوسطة

فقد نشأت ظاهرة منصات التعليم الإلكتروني المأجورة (المواقع الإلكترونية والفيس بوك واليوتيوب والوتساب) تاريخياً بفعل الصدمة التعليمية وما بعدها، كمحاولة لحل المشكلات الناجمة عن دمج الطلاب السورريين، وخاصة مشكلة فهم اللغة التركية في مجال الدراسات الاجتماعية، ليس فقط لارتباط الأخيرة  باللغة التركية، واختلافها عن المواد العلمية: الفيزياء والكيمياء والرياضيات ذات الطبيعة الرمزية، التي لا تختلف كثيراً بين لغة وأخرى، إنما أيضاً  -  وهو الأهم - لارتباط مادة الدراسات الاجتماعية بهوية المتعلمين الوطنية والاجتماعية، وعليه نتساءل: إلى أي حد استطاعت منصات التعليم الإلكتروني نقل المحتوى التعليمي التركي إلى اللغة العربية لتسهيل اندماج الطلاب السوريين في المدارس التركية؟

أول عقبة انتصبت في وجه اندماج الطلاب السوريين في نظام التعليم التركي هي اللغة التركية، وخصوصاً لطلاب المرحلة الثانوية والمتوسطة، لأن طلاب المرحلة الابتدائية يتعلمون اللغة بشكل سريع، والصعوبات التي - تواجهها هذه المنصات في نقل المحتوى التركي إلى اللغة العربية - تتزايد كلما تقدم المستوى الدراسي للطالب السوري في المراحل الدراسية، وخاصة ما يبدو من ضعف ترجمتها للمحتوى التعليمي في مادة الدراسات الاجتماعية، فعدم اتقان هذه اللغة هو المعيق الرئيس لاستيعاب الطلاب السوريين للمناهج الدراسية وفهمها، وهو ما أدى إلى وجود ظاهرة منصات التعليم الإلكتروني التي حاولت تقريب هذه المناهج للطلاب السوريين عن طريق ترجمة هذه المناهج إلى اللغة العربية.

وعلى الرغم من الأهمية العظمى للمهمة التي انتدبت هذه المنصات لأدائها، فإنها مع ذلك لم تفلح في هذا المجال إلا قليلاً، وذلك راجع إلى القيمة المحدودة للمحتوى العربي الذي قدمته هذه المنصات للمناهج التركية، فهي لم تقصّر في النقل الصحيح لمضمون هذه المناهج فحسب، إنما هي أيضاً قد عرضت هذا المحتوى الضعيف وغير الواضح أو المشوش على نحوٍ مبتور عن سياقه الصحيح؛ لذلك لم تكن هذه المنصات محدودة الفائدة في مساعدة الطلبة السوريين على فهم المحتوى التعليمي بعد عملية الدمج فحسب، وإنما أيضاً هي محدودة الجدوى في تسهيل عملية التكيف النفسي والاجتماعي للطالب السوري  مع زملائه الأتراك، لأن مظاهر التكيف هذه تنبني أساساً على التكافؤ العلمي بين الطرفين، وهو ما لا يتحقق إلا إذا كان الطالب السوري قادراً على فهم المنهج التركي واستيعابه، والدخول من ثم في عملية تنافس نزيه مبنية أساساً على الفهم والإدراك العلميين. وهذا يعني أن عمل هذه المنصات قد يؤدي –  بغير دراية - إلى نتائج عكسية، تزيد من أثر صدمتهم التعليمية الأولى؛ مما قد يؤثر سلباً على حاضر اندماج الطلاب السوريين في المدراس التركية ومستقبلهم.

وقد يظن البعض أن منصات التعليم الإلكتروني تلعب دوراً رئيساً في عملية دمج الطلاب السورريين في التعليم التركي، إذ لا ينحصر دورها في تقديم المحتوى التركي باللغة العربية من أجل التحصيل الدراسي فحسب، إنما أيضاً تخلق علاقة صحيحة بين الطالب السوري ولغته الأم، وما تمثله هذه العلاقة من قيم اجتماعية وفكرية ووطنية وتربوية تشكل أساساً لهوية الطلاب السوريين في تركيا. 

ونحن نذهب إلى خلاف ذلك، لأن هذه المنصات لا تقدم محتوى المناهج التركية باللغة العربية الفصحى السليمة، إنما تقدم ترجمة ناقصة بلهجة عامية لا تعبر بدقة عن المحتوى التعليمي التركي، والأهم من ذلك هو أن هذه المنصات قد قَصَرَتَ مهمتها على مجرد ترجمة المحتوى التعليمي التركي إلى اللغة العربية، فنجم عن ذلك إهمالها تخصيص حيزٍ – مضافاً إلى حيز الترجمة -  مُكرس لزرع  كل ما من شأنه تعزيز الهوية الوطنية السورية.

يقع على عاتق هذه المنصات مهمة وطنية تكمل دورها التعليمي وهي القيام بأنشطة لا صفية ذات محتوى تاريخي وثقافي وحضاري حول الإسهامات السورية في الحضارة الإنسانية

إذا أرادت هذه المنصات أن تخدم السوريين فلا بد  لها من العمل مع وزارة التربية التركية، لإيجاد منصات تعليم الكتروني تُعنى بتعليم اللغة التركية لغير الناطقين بها، تستهدف بها الطلاب السوريين المدمجين في المدراس التركية.  إضافة إلى السعي إلى ترجمة صحيحة ودقيقة للمناهج التركية إلى اللغة العربية؛ لأن اللغة التركية مانع مؤقت-  طويل المدى - لاندماج الطلاب السوريين في المدارس التركية، والعمل على نقل محتوى المناهج الدراسية التركية بشكل دقيق للطلاب السوريين، إضافة إلى أن نقل المحتوى الصحيح الذي يساهم بشكل إيجابي في اندماج الطلاب السوريين في العملية التعليمية التركية. كما يقع على عاتق هذه المنصات مهمة وطنية تكمل دورها التعليمي وهي القيام بأنشطة لا صفية ذات محتوى تاريخي وثقافي وحضاري حول الإسهامات السورية في الحضارة الإنسانية.  فمن شأن ذلك أن يلعب دوراً هاماً في الربط بين الطالب السوري وهويته الوطنية. ما لم تقم هذه المنصات بالانخراط الجدي في أداء ما تقتضيه هذه الوظائف المركبة التي حددنا بعض ملامحها أعلاه، فلن يكون المجتمع السوري في تركيا  بحاجة إليها حال تمكن الطلاب السوريين من اللغة التركية.