جدل تقديم موعد الانتخابات في تركيا.. ما التاريخ المرجّح؟

2023.01.17 | 06:22 دمشق

الانتخابات الرئاسية التركية 2023
+A
حجم الخط
-A

عكف السياسيون الأتراك في الآونة الأخيرة على مناقشة مسألة "تقديم" موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عن موعدها المفترض في 18 من حزيران المقبل، بعد تصريحات واضحة تلت تلميحات من حزب العدالة والتنمية الحاكم، علّلها بسبب "الظروف الموسمية" التي تصادف التاريخ المقرر للانتخابات حتى اللحظة.

منذ كانون الأول المنصرم والنقاشات ما تزال ساخنة حول هذه القضية، لدرجة أنها ركزت بصورة أكبر على مسألة "قانونية" ترشح الرئيس رجب طيب أردوغان لولاية أخرى، حيث ينص القانون التركي على عدم أحقية الترشح لولاية ثانية على اعتبار أن أردوغان اُنتخب لولايتين منذ 2014 إلى الآن.

وفي خضم تلك المناقشات يُلاحظ في كثير من الأحيان وفي كثير من التحليلات عدم وجود ربط بين جميع الشواهد والدلائل التي دفعت أولاً الحزب الحاكم للتوجه نحو تقديم موعد الانتخابات، والتواريخ المحتملة لذلك الموعد، ومسألة ترشح أردوغان لولاية ثالثة وعلاقة ذلك بموافقة أغلبية البرلمان (360 صوتاً من أصل 600) على تقديم موعد الانتخابات، وإمكانية حلّ أردوغان للبرلمان في حل موافقة الأغلبية.

ولذلك نبدأ من: الدوافع وراء رغبة الحزب الحاكم في تقديم موعد الانتخابات

تاريخ 18 من حزيران لن يكون مواتياً لحسابات العدالة والتنمية، حيث يتزامن مع امتحانات الجامعة من جهة، وبدء موسم الحج من جهة أخرى، وأصوات الشريحة المحافظة بطبيعة الحال مهمة بالنسبة للحزب الحاكم، لا سيما أننا نتحدث عن انتخابات مصيرية بالنسبة لجميع الأحزاب، فضلاً بالطبع عن بدء موسم العطل في هذا الشهر.

حرص الحزب الحاكم على كسب الوقت لصالح الإجراءات التي اتخذها مع قرب موعد الانتخابات مثل زيادة الأجور السنوية وخفض سن التقاعد الذي استفاد منه 2.25 مليون مواطن، إلى جانب حملات بناء البيوت بأسعار متدنية مقارنة مع السوق وبأقساط مريحة جداً لمن لا يملك بيتاً وغير ذلك من خطوات لا يريد الحزب أن تتلاشى مع مرور الوقت

ولا يمكن باعتقادي المقارنة بين حزيران 2018 حينما عقدت الانتخابات بالفعل آنذاك، وحزيران 2023، ففي الأخير موسم الحج هو النقطة التي أخذها الحزب الحاكم بعين الاعتبار على الأرجح، لا سيما إن ذهبت الانتخابات لجولة ثانية أي بعد 15 يوماً من الجولة الأولى، إذ يتزامن ذلك مع عطلة عيد الأضحى، ولا شك أن الأحزاب جميعها تأخذ بعين الاعتبار احتمالية الذهاب إلى جولة ثانية وتحسب جميع تدابيرها على هذا الأساس.

نضيف لما سبق، حرص الحزب الحاكم على كسب الوقت لصالح الإجراءات التي اتخذها مع قرب موعد الانتخابات مثل زيادة الأجور السنوية وخفض سن التقاعد الذي استفاد منه 2.25 مليون مواطن، بحسب أردوغان، إلى جانب حملات بناء البيوت بأسعار متدنية مقارنة مع السوق وبأقساط مريحة جداً لمن لا يملك بيتاً وغير ذلك من خطوات لا يريد الحزب أن تتلاشى مع مرور الوقت واستمرار أزمة التضخم في البلاد.

التواريخ المحتملة لموعد الانتخابات

تشير الأوساط المقربة من حزب العدالة والتنمية إلى 3 تواريخ مختلفة، على أنها جميعاً بعد 6 من نيسان 2023، لضمان دخول قانون الانتخابات الجديد حيز التنفيذ؛ وهو قانون مرره تحالف الجمهور: العدالة والتنمية + الحركة القومية، عبر البرلمان التركي في نيسان 2022، ومن أبرز بنوده تخفيض العتبة الانتخابية لدخول البرلمان من 10% إلى 7%، وإمكانية توزيع المقاعد البرلمانية بين التحالفات الانتخابية حتى ولو كان الحزب صغيراً وحديثاً ولم يبلغ العتبة الانتخابية.

ما يعني أن أي تاريخ محتمل للانتخابات يجب أن يكون بعد 6 من نيسان، وبما أن شهر رمضان وعطلة عيد الفطر ستستغرق طوال نيسان تقريباً، فلا يُتوقع أن تنعقد الانتخابات خلال نيسان.

ومع ذلك، فإن الحديث يدور عن 3 تواريخ؛ 30 من نيسان، 7 من أيار، 14 من أيار، لكن لا أعتقد أن تاريخ 30 من نيسان مرجحاً بالنسبة للتحالف الحاكم، لتزامن الحملات الانتخابية مع شهر رمضان، وما يتخلل ذلك من صعوبة في التنقلات والتجمعات في الميادين وما شابه.

يبقى أمامنا 7 و 14 من أيار، وهما إلى حد كبير متساويان لكن الخيار الثالث (14 من أيار) يبدو الأرجح لعدة أسباب؛ أولها ضمان مساحة زمنية كافية للحملات الانتخابية عقب انتهاء عيد الفطر في 23 من نيسان، بحيث تكون 3 أسابيع. ثانياً: رمزية التوقيت، ففي 14 من أيار من عام 1950 جرت أول انتخابات متعددة الأحزاب في تاريخ تركيا وصعد الحزب الديمقراطي بقيادة عدنان مندريس، وانتهت حقبة من 27 سنة من حكم حزب الشعب الجمهوري الذي تفرد بالسلطة طوال تلك المدة، وبالتالي فإن التاريخ وحده دعاية انتخابية رمزية.

أما السبب الثالث، فإن ذلك قد يوافق رغبة المعارضة، ففي تصريحات حديثة (15 من كانون الثاني الجاري) لرئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، قال إنه يعتقد أن الانتخابات ستجري في 14 من أيار، دون أن يُبدي اعتراضاً أو تعليقاً سلبياً ذلك حول التاريخ. كما أن المعارضة لا ترغب كذلك بانتخابات تتزامن مع عطلات وتنقلات قد تؤثر في عدد الأصوات المستهدفة، لكنها بالطبع كانت ترجح انتخابات مبكرة قبل تاريخ 6 من نيسان، وهذا ما لن يحدث على الأرجح، والآن نأتي لنقطة أهم، وهي:

من سيقرر عقد انتخابات مبكرة؟
وهل يحق لأردوغان الترشح لولاية أخرى؟

قانونياً، يمكن ذلك من خلال طريقتين:

الطريقة الأولى، موافقة 360 عضواً من أصل 600 في البرلمان التركي لتمرير قرار انتخابات مبكرة أو سابقة على موعدها المفترض، ما يعني موافقة نحو 60% من أعضاء البرلمان.

الطريقة الثانية، هي أن يتخذ الرئيس بنفسه القرار بعد حلّ البرلمان في حال لم يحصل على النتيجة المحددة لتمرير القرار.

بالنسبة للطريقة الأولى، نلحظ أن أصوات تحالف الجمهور الحاكم مجتمعة تشكل 334، ما يعني أنها تحتاج إلى 26 صوتاً لتمرير القرار، وليس من المحسوم بعد اتفاق المعارضة على التصويت ضد قرار تقديم موعد الانتخابات، لكن قد تقطع الأحزاب الثلاثة الكبرى المعارضة في البرلمان (الشعب الجمهوري - الجيد - الشعوب الديمقراطي) برفض تقديمها، وبالتالي قد يضطر أردوغان لحل البرلمان وإقرار التوجه لانتخابات مبكرة، كما يقول البعض.

ولكن هناك جدل قانوني كبير وغير محسوم في هذه النقطة، لأن أردوغان لو حلّ البرلمان وقرر هو الذهاب لانتخابات مبكرة لن يتمكن من الترشح للانتخابات وستطعن المعارضة في ترشحيه، لأن المادة 116 تنصّ على أن الرئيس لو قرر بنفسه الذهاب لانتخابات مبكرة وكان ضمن ولايته الثانية فلن يكون بمقدوره الترشح، أما لو قرّر البرلمان عقد انتخابات مبكرة فيمكن للرئيس الترشح حتى ولو كان بولايته الثانية.

الحزب الحاكم يدافع عن حجة قانونية، وهي أن أردوغان يعتبر في ولايته الأولى بعد وليس الثانية، بحسب النظام الرئاسي الذي أُقر باستفتاء نيسان 2017، وانتقلت البلاد بموجبه من النظام البرلماني الذي حكم فيه أردوغان بين 2014 و2018، وبالتالي فإن أردوغان بحسب النظام الجديد ما يزال ضمن ولايته الأولى التي بدأت منذ حزيران 2018

ثمّ إن أردوغان لن يرغب بالذهاب إلى انتخابات وبرلمان البلد معطّل، فهي صورة سلبية بالنهاية من الناحية الديمقراطية، وستهاجمه المعارضة بسببها بالتأكيد، كما أن فوزه -إذا فاز- سيكون محل جدل، وستطعن المعارضة بذلك ولن يحسم هذا الجدل إلا الهيئة العليا للانتخابات التي لن يطعن بقرارها أي محكمة داخلية أو خارجية.

مع العلم أن الحزب الحاكم يدافع عن حجة قانونية، وهي أن أردوغان يعتبر في ولايته الأولى بعد وليس الثانية، بحسب النظام الرئاسي الذي أُقر باستفتاء نيسان 2017، وانتقلت البلاد بموجبه من النظام البرلماني الذي حكم فيه أردوغان بين 2014 و2018، وبالتالي فإن أردوغان بحسب النظام الجديد ما يزال ضمن ولايته الأولى التي بدأت منذ حزيران 2018.

ومع ذلك، فإن القانون التركي لا يفصّل بين الولايتين المتاحتين فقط لأي رئيس فيما لو كانت إحداهما ضمن نظام والأخرى ضمن نظام مختلف، وربما بسبب هذه النقطة ترى المعارضة أن أردوغان حكم ولايتين بغض النظر عن تغير النظام الحاصل.

وهناك تفاصيل وتعقيدات أخرى لا نريد الدخول بها، لكن يمكن القول إن الطرفين لديهما حجج قانونية معتبرة، ولن يحسم بها سوى الهيئة العليا للانتخابات، لكن ما أعتقده هو أن أردوغان لن يرجح الذهاب لانتخابات مبكرة عبر حل البرلمان، حتى ولو اضطر لإجراء الانتخابات في موعدها المفترض بحزيران.