جامعة الفلول القدامى والجدد والحشد الشعبي

2020.10.03 | 00:15 دمشق

159735495887730800.jpg
+A
حجم الخط
-A

طالب عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات الأسبوع الماضي أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط بالاستقالة الفورية لكونه فقد مصداقيته ولم يعد أميناً عليها.

طلب عريقات جاء بعد دفاع أبو الغيط عن التطبيع - التحالف الإماراتي الإسرائيلي زاعما أنه أدى إلى وقف خطة الضمّ الإسرائيلية لثلث الضفة الغربية، مع الإشارة إلى حزنه تجاه حوار فتح وحماس الذي انعقد في إسطنبول الأسبوع الماضي أيضاً وأمله ألا يكون الغرض من ورائه توجيه رسائل إلى الدول العربية مع شيطنة معتادة منه للثورات العربية وتحميلها المسؤولية عن الواقع الراهن لا الثورات المضادة التي صبغتها بالدم في سياق محاولة يائسة لإعادة إنتاج أنظمة الاستبداد والفساد التي أسقطتها الثورات الأصيلة، والتي كان أبو الغيط جزءاً لا يتجزأ منها.

موقف أبو الغيط هذا يعيدنا إلى ما جرى أثناء الاجتماع الدوري الأخير للجامعة العربية – أيلول/ سبتمبر الماضي - والذي شهد إسقاط مشروع قرار فلسطيني يدين التطبيع الإماراتي، ويؤكد على التمسك بمقررات الجامعة نفسها بما فيها المبادرة العربية طبعاً.

الأمين العام للجامعة كان قد رفض طلب فلسطين عقد اجتماع طارئ بمجرد الإعلان عن التطبيع - التحالف منتصف آب/ أغسطس وأصرّ على عقد الاجتماع العادي في موعده - أوائل أيلول/ سبتمبر - ثم تواطأ مع محور التطبيع الإماراتي السعودي المصري البحريني لإسقاط القرار الفلسطيني.

لا بأس من التذكير أن الجامعة العربية رفضت إدانة التطبيع مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه دانت ما سمّته التدخل التركي في القضايا العربية - سوريا ليبيا والعراق - وقررت وضع تركيا كبند دائم على جدول أعمالها مع تشكيل لجنة مصغرة لمتابعة الملف تضم أبو الغيط ودول المحور التطبيعي نفسه، إضافة إلى العراق للتمويه واستغلال الخلافات المنظمة والمدارة بشكل جيد عموماً بين أنقرة وبغداد حول آليات مكافحة إرهاب بي كا كا وأذرعه لا على فعل المكافحة نفسه.

تصريح أبو الغيط فضحه رغم ادعائه الحياد أثناء الاجتماع الأخير للجامعة، لكونه -أي التصريح- بدا دفاعه صريحاً وواضحاً عما فعلته الإمارات في انتهاك واضح لقرارات الجامعة بما فيها المبادرة العربية، علماً أن اتفاقية التطبيع - التحالف الإماراتي الإسرائيلي استندت أساساً إلى صفقة القرن الأميركية الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية نهائياً، وفرض ما يشبه الاستسلام على الفلسطينيين ما يؤكد تماهي أبو الغيط المباشر مع جهود تصفية القضية ويجعله بالضرورة غير أمين على الجامعة الأمر الذي أشار إليه صائب عريقات صراحة وهو غير مخفي أصلاً ولا تخطئه العين.

أمين عام الجامعة غير الحزين من التطبيع وكسر المبادرة العربية ومقرراتها أبدى حزنه تجاه حوار حماس وفتح الأخير في إسطنبول متمنياً ألا يكون بمثابة رسالة أو ردّ على الدول العربية وكأنه يطلب من الفلسطينيين الاستسلام أمام محور التطبيع وابتزازه، علماً أنهم "الفلسطينيين" فهموا مغزى ما جرى بالاجتماع

أمين عام الجامعة يعتبر من الفلول القدامى، حيث خدم ولسنوات كوزير خارجية في نظام حسني مبارك وفي عهده فقدت مصر هيبتها ووعيها التاريخي والسياسي والجيوسياسي

الأخير للجامعة لجهة أن الدفاع عن التطبيع مرتبط بالعداء لتركيا ما يعني أن مواجهته فلسطينياً تقتضي حتماً التنسيق مع تركيا والاستفادة من مواقفها الداعمة للشعب الفلسطيني.

أبو الغيط أكمل رسم المشهد من زاويته محملاً الثورات العربية وما سماه الإسلام السياسي الذي جلب التدخلات الخارجية المسؤولة عن الأوضاع الراهنة في العالم العربي لا الثورات المضادة التي صبغت  نقيضتها الأصيلة بالدم، ثم استجدت الغزاة لتمرير وإنجاح مشروعها.

عموماً ولفهم المشهد كله لا بد من تذكر الظروف التي أوصلت أبو الغيط إلى منصبه الحالي بالجامعة، كما الواقع الراهن للدول العربية التي تتحكم بها.

أمين عام الجامعة يعتبر من الفلول القدامى، حيث خدم ولسنوات كوزير خارجية في نظام حسني مبارك وفي عهده فقدت مصر هيبتها ووعيها التاريخي والسياسي والجيوسياسي، وتم غزو واحتلال العراق وتشظي الصومال وانفصال جنوب السودان والاقتتال ثم الانقسام الفلسطيني واستفراد إسرائيل بغزة في ثلاث حروب أعادتها عملياً سنوات بل عقود للوراء، كما يتباهى دائماً وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشيه يعلون.

وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فقد أعلنت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي لفني الحرب الأولى على غزة 2008 من على منبر وزارة الخارجية المصرية وفي حضور أبو الغيط نفسه، أمر ما كان ليمر مرور الكرام عند قيادة واعية لنفسها وواجباتها وقيمة بلادها ومسؤولياتها القومية.

بعد اندلاع ثورة يناير 2011 سقط أبو الغيط مع نظام مبارك طبعاً، وخلال الفترة الانتقالية 2011 – 2012 حاول المجلس العسكري الحاكم تعيينه أميناً عاماً للجامعة فانتفض شباب الثورة ضده باعتباره من فلول ورموز النظام الساقط وأجبروا المجلس على التراجع وترشيح النزيه والمحترف نبيل العربي بدلاً منه.

بعد نجاح الانقلاب 2013 أعاد النظام العسكري ترشيح أبو الغيط مرة أخرى في دلالة واضحة لا تخطئها العين وتتمثل بالرغبة في إعادة إنتاج الأنظمة التي أسقطتها الثورات الأصيلة، وفي سياق الكيد لها تماماً كما يفعل أمين الجامعة العربية الآن وفق الدور المرسوم له.

أما الجامعة نفسها فتبدو أسيرة لتحالف الفلول القدامى الذين يمثلهم أبو الغيط والجدد المنقلبين على الثورات الأصيلة والساعين لإعادة إنتاج الأنظمة الساقطة والحشد الشعبي المتماهي معهم بقديمهم وجديدهم، كما نرى في لبنان الخاضع للاحتلال الإيراني والعراق الخاضع للاحتلالين الأميركي والإيراني قبل أن يتغير المشهد نسبياً إثر الانتفاضة الشعبية المستمرة وتولي السيد مصطفى الكاظمي رئاسة الوزراء.  

وفي كل الأحوال لا شيء يعبر عن الواقع الراهن للجامعة مثل الدعوات لإعادة نظام بشار الأسد إليها، والتي يتحمس لها أبو الغيط ويقول دائماً أن ثمة تأييد واسع لها بين الدول العربية.

ولا شك أن شيطنة أمين عام الجامعة للثورات الأصيلة تبرىء نظام الأسد من الجرائم الموصوفة التي ارتكبها بحق الشعب السوري. ومن جهة أخرى تسوغ دعوات إعادته إلى الجامعة  التي طرد منها زمن صعود الثورات وتمكنها.

مع ذلك لا بد من الانتباه دائماً إلى نشأة الجامعة التي أسستها أنظمة مدنية وديموقراطية بعد الاستقلال بغرض تجسيد حلم الوحدة العربية، ثم حكمتها أنظمة الانقلابات العسكرية والاستبداد الساقطة - الفلول القدامى - وتحكمها الآن أنظمة الفلول الجدد -الساقطة حتماً- المعادية للديمقراطية والوحدة والمطبّعة والمتحالفة مع إسرائيل.

وعموماً حسنا فعلت فلسطين بالتنازل عن رئاسة الدورة الحالية للجامعة العربية، وإطلاق حملة سياسية وإعلامية لنزع الشرعية عن قيادتها الفاقدة للمصداقية وغير الأمينة عليها، مع عدم تجاهل حقيقة أن مشكلتنا ليست مع الجامعة بحد ذاتها وإنما مع الأنظمة التي تتحكم بها تماماً مثل حقيقة أن مشكلتنا ليست مع أوطاننا وإنما مع أنظمة الاستبداد الفاسدة والفاقدة للشرعية الحاكمة والمتسلطة فيها.