ثورة لبنان: لعنة بشار على حلفائه

2019.10.23 | 16:48 دمشق

2019-10-23t114805z_1606531130_rc12ebdffeb0_rtrmadp_3_lebanon-protests.jpg
+A
حجم الخط
-A

في العام 2005، وعلى وقع التظاهرات اللبنانية المطالبة بخروج الوصاية السورية وإسقاط النظام الأمني اللبناني السوري. كان التفاعل السوري مع هذه الصرخات كبيراً ولكنه صامت. في حينها تجسّدت مقولة استراتيجية حول حقيقة وحدة المسار والمصير بين الشعبين، خارج سياقات البعث والتي فرضها حافظ الأسد للإمساك بالقرار اللبناني والفلسطيني في إطار لعبه على ساحة الشرق الأوسط، ومفاوضاتها مع الأميركيين والإسرائيليين. تجسّدت حقيقة مقولة وحدة المسار والمصير بين اللبنانيين والسوريين في التطلع إلى طروحات جديدة تغيّر التركيبة السياسية القائمة في البلدين.

اختصرت عبارة "بيروت دمشق.. دمشق بيروت" كل المعاني السياسية والاجتماعية لما شهدته العاصمة اللبنانية من انتفاضة على الوصاية السورية، قبلها كانت قد سبقتها جلسات تنسيق كثيرة بين معارضين سوريين ولبنانيين، تفعلت في "ربيع دمشق" الذي كان

مثّلت سوريا بناسها ومعارضيها عار العالم الذي وقف يتفرج على إبادتهم واجتياحهم

يتحضّر لحركة سياسية ضد النظام السوري. سبقت الأحداث في بيروت كل التحضيرات، وسبقت ثورة سوريا التي اندلعت تأثراً بالربيع العربي من المحيط إلى الخليج.

تعرّض الربيع العربي إلى أكبر مؤامرة عالمية من دول وأنظمة، سحقت الناس في الشوارع، مثّلت سوريا بناسها ومعارضيها عار العالم، الذي وقف يتفرج على إبادتهم واجتياحهم. جاءت الثورات المضادة على أنقاض الشعوب، لكن صرخات السوريين حفرت في أذهان العرب، وها هي تتردد مجدداً في ساحات بيروت، في صور عمق مناطق سيطرة حزب الله وبيئته، كانت بعض شعارات المتظاهرين مستلهمة من الثورة السورية ومن عبارات استخدمها المعارضون السوريون الذين وقفوا ضد تدخل حزب الله في بلادهم.

كانت بيروت تتراقص احتجاجاً بفرح، مستعيدةً مشاهد ساحة الساعة في حمص، وتظاهرات درعا، على لحن إبراهيم القاشوش، الذي دخل التاريخ صارخاً: "يلا ارحل يا بشار"، كانت بيروت تردد "يلا ارحل يا جنرال" و"يلا ارحل يا جبران". الجنرال هو رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي وصف الربيع العربي بأنه خريف مدمر، فعاش لبنان الربيع في خريف عهد عون، وجبران هو وزير الخارجية رئيس التيار الوطني الحرّ، صاحب الشعارات الطائفية والعنصرية تجاه اللاجئين السوريين.

ليس تفصيلاً أن الاحتجاجات في لبنان اندلعت بعد أيام على إعلان باسيل الاستعداد لزيارة بشار الأسد، وقال إنه سيذهب في القريب العاجل إلى سوريا، سبقته بيروت، حاصرته، ونزعت عنه كل ادعاءاته، وسحبت منه كل محاولاته زرع الشقاق بين اللبنانيين طائفياً، وتحقيق الشرخ بين اللبنانيين والسوريين. تحول بشار الأسد إلى لعنة على حلفائه، فالسودانيون ثاروا بعد لقائه بعمر البشير، وها هم اللبنانيون يثورون بعد مساع لتطبيع العلاقات معه والانفتاح عليه.

يتجدد ربيع لبنان، ربيع تأخر منذ العام 2005، وبعد خروج جيش نظام الأسد من أراضيه، وتسلّم مكانه وصاية إيرانية أحكمت قبضتها طوال السنوات الماضية، الصرخة اللبنانية الجديدة ببعدها العميق، هي انتفاضة على هذه الوصاية الجديدة، وعودة لبنان إلى ربيعه ضد التركيبة التي نجح حزب الله بفرضها والسيطرة عليها، واستخدام لبنان الرسمي والشعبي، كساحة تفاوض مع المجتمع الدولي كما كان يفعل حافظ الأسد.

كانت أولاً بيروت، وعادت مجدداً بيروت، بيروت التي صرخت مستلهمة صرخات السوريين، "يا حلب حنّا معاكي للموت" ويا حمص حنّا معاكي للموت، كانت بيروت تتضامن مع صور على وقع هتافات: "يا صور نحن معاكي للموت" وطرابلس

الثورات العربية لم تتوقف، مستمرة وتتجدد، لأن التحدي الأساس ما يزال مطروحاً بالنسبة إلى الشعب العربي

المدينة السنية الأكبر كانت تهتف لصور المدينة الشيعية وعقر دار حزب الله وحلفائه بأنها "معها للموت" في تجسيد معبّر لخروج اللبنانيين من الواقع الذي فرض عليهم طائفياً وحزبياً.

ما يجري يؤكد أن الربيع العربي لم ينته، يتخذ أشكالاً مختلفة. يجدد نفسه بنفسه، وهذه الانتفاضات تتخذ أشكالاً متعددة، بعضها اجتماعي واقتصادي وبعضها سياسي. كل الثورات العربية لم تتوقف، مستمرة وتتجدد، لأن التحدي الأساس ما يزال مطروحاً بالنسبة إلى الشعب العربي. وهذا ما على الثورة السورية أن تنتهجه أو تذهب باتجاهه، من دون الخروج عن الثوابت والمبادئ، ولكن وفق حاجة وضرورة للحفاظ على الحيوية وفق المعطيات المتوافرة أو الوقائع القائم اليوم.

تذهب الناس إلى الخيارات السياسية لتغيير اقتصادي اجتماعي، وتذهب إلى حراك اقتصادي اجتماعي لتحقيق أهداف سياسية. المهم هنا هو عدم الاستسلام للواقع الراهن، والإصرار على التغيير ومواجهة كل محاولات إعادة الاستبداد بطرق جديدة ومختلفة. وكما الأنظمة الاستبدادية تجدد نفسها بثورات مضادة، فإن الثورات أيضاً تجدد نفسها وتتطور. الرهان اليوم هو على أن الشعوب العربية لم تعد مجرد أرقام، وعلى الرغم من كل القتل والتدمير ومحاولات إلغائها، إلا أنها تبقى أقوى من كل الأنظمة، قوة البطش الذي تمارسه الأنظمة، هو ناتج عن الخوف، الذي لا يدفعه إلى التصرف باطمئنان وثقة، وعلى الناس أن تستكمل حراكها وإن تغيّرت الأشكال.