ثورة السوريين شعلة لا تنطفئ

2019.10.06 | 17:50 دمشق

twsy_alqwad_alrwsyt.jpg
+A
حجم الخط
-A

يحق لبوتين في الذكرى الرابعة لتدخله في سوريا أن يحتفل بالنصر على طريقة نظام الاستبداد، الذي يعقد شبيحته الدبكات كلما أخلت لهم طائرات بوتين منطقة من سكانها المدنيين السوريين وشردتهم. في هذه المناسبة نستذكر خصائص ممارسات روسية رافقت هذا التدخل السافر، دون إعارة ذهن إلى الانحدار الأخلاقي الإنساني. إضافة إلى الأكل والبلع بوحشية، لا يجيد الدب إلا العراك و"التخبيص". حربه أرض محروقة، وسياسته مزيج من غباءِ دبٍ وخبث ِ ثعلبٍ وقح. هكذا كانت روسيا في غروزني؛ وهكذا كانت ولا زالت في سوريا. لن ندخل في تفاصيل تجريب بوتين على السوريين وبلدهم أكثر من مئتي صنف من السلاح، من بينها قنبلة ذرية صغيرة؛ فسياسة الأرض المحروقة تستلزم بعقيدة بوتين ربما أكثر من ذلك؛ ولكن ربما هذا الذي كان مسموحاً به أمريكياً.

وإذا ما انتقلنا إلى السياسة والدبلوماسية، كانت مشكلة الروس في سوريا القرارات الدولية. كان أهم بند في تلك القرارات هو "وقف القتل" أو بالمعنى الدبلوماسي: " وقف إطلاق النار" الذي نصّ عليه كل قرار صدر بخصوص سوريا. روسيا والنظام الذي تحميه ما التزموا بذلك قط؛ لكن الدب الروسي أبدع مسار /أستانا/ ليعنى بمسألة "وقف إطلاق النار" أو "وقف القتل"، فابتدع ما سماه "خفض تصعيد"، ليعود والنظام وإيران ويبتلعوا تلك المناطق. على الصعيد السياسي أيضاً، استمر نظام بوتين باستخدام "الفيتو" لحماية الإجرام. ثم أراد إدخال بعد سياسي إلى أستانا؛ فكان أن حاول تقديم نسخة دستور إلى فصائل الجيش الحر في أستانا؛ وتم رفضها. حاصرته أكثر القرارات الدولية بخصوص سوريا، فعمل على ابتداع مسار

مرت ثمانية عشر شهراً من خلق الأعذار، وابتداع العقبات أمام تشكيل لجنة دستورية؛ وكان كل ذلك برضا الروس؛ وكأنهم يعملون ضد أنفسهم

سياسي جديد، وعقد ما سمّاه بوتين يوماً "مؤتمر "سوتشي للشعوب" السورية"، حسب قوله. وأوقعته الأمم المتحدة بسوء عمله، وربطت حضورها برعايتها للعملية الدستورية، التي طالما سعت روسيا للولوج بها، من أجل تحقيق منجز سياسيٍ من نوع ما. نالت الأمم المتحدة ما أرادت، ولكن نظام الأسد الذي تحميه بدأ مناكفته حتى تجاه روسيا، وكانت أول المناكفات إصدار النظام بياناً مغايراً لبيان الروس بعد سوتشي. 

مرَّ ثمانية عشر شهراً من خلق الأعذار، وابتداع العقبات أمام تشكيل لجنة دستورية؛ وكان كل ذلك برضا الروس؛ وكأنهم يعملون ضد أنفسهم، لأن تلك الخطوة أو النافذة على حل سياسي في سوريا قد تكون فرصتهم الوحيدة لأي جنى سياسي بعد أربع سنين من القتل والتدمير والغباء؛ فقبل ذهاب "بيدرسون" في آخر زيارة له إلى دمشق التي كانت تتمنع عن استقباله، استدرك الروس ورطة ضياع أي جهد؛ فأرسلوا "لافرنتيف"؛ وكان القبول باللجنة الدستورية.

الآن، ومع بارقة الأمل هذه بخطوة تجاه الدخول في عملية سياسية سورية - سورية؛ تماماً كما كانت تصرح موسكو على الدوام؛ ومع إمكانية تحقيق جنى سياسي محتمل، هل يخبص الدب مرة أخرى، ويتصرف بغباء أو وقاحة؟!

ها نحن نسمع ما يشي بالصفات الروسية الأصلية، والتي يبدو أنه من الصعب تغيّرها. آخر تصريحات للسيد لافروف تتحدث عن "تطوير أو تعديل للدستور القائم". وهو لا يرى حاجة لجدول زمني لإنجاز عمل اللجنة؛ ويستمر برمي السهام تجاه الغرب الذي "سعى لعرقلة الاتفاق حول اللجنة الدستورية" حسب قوله؛ والأخطر بين كل "التخبيصات" هو أن "التوافق على اللجنة أو إعلانها لا يعني توقف العمليات العسكرية...". ذلك رغم استدراك "بوتين" مؤخراً بقوله إن

ليس النظام وحده من يعتبر الحرب شريان حياته واستمراره، بل إن روسيا أيضا من الصنف ذاته

الحرب في سوريا وضعت أوزارها. من جانبه نظام الاستبداد يلتقط "التخبيصات"، ويتابع نهج القتل والتدمير الذي اختطه لنفسه، معتبراً تلك التصريحات تراجعاً عن الضغط الذي مارسته موسكو على النظام كي ينصاع للدخول في العملية الدستورية وكرتاً أخضر لاستمرار العمليات الحربية. يبدو أنه ليس النظام وحده من يعتبر الحرب شريان حياته واستمراره، بل إن روسيا أيضا من الصنف ذاته.؛ رغم تصريح بوتين الملتبس.

ربما محقون أولئك السوريون الذين رأوا في اللجنة الدستورية فاصلاً منشطاً جديداً وملهاة لالتقاط الأنفاس الدموية لشركاء القتل، كي يستأنفوا ما درجوا عليه لسنوات.

ليعلم الروس حماة منظومة الاستبداد أنه - إن لم يكن عمل هذه اللجنة لوقت محدد بجدول زمني تحدده الأمم المتحدة؛ و- إن لم يكن منتجها النهائي دستوراً سورياً جديدا يحمل موادَ ناظمة تنهي سيرة الاستبداد؛ و- إن  لم تتوفر البيئة الآمنة السليمة للاستفتاء على منتج اللجنة وتطبيقه؛ والأهم، - إن لم يتم تفعيل إجراءات بناء الثقة، وعلى رأسها إطلاق سراح المعتقلين وإن لم تتوقف الأعمال الإجرامية التي يمارسها الاستبداد والاحتلال؛  لن يحصلوا على أي جنى سياسي؛ وستبدأ رحلة الغرق بالمغطس السوري من جديد؛ وسيساهم السوريون الذي اختاروا الحل السياسي بعملية الإغراق؛ ولن يفوت السيد لافروف أن أمريكا، التي يعتبرها المعرقل لعمله، وكذلك الاتحاد الأوروبي؛ و فوقها خبث الشريك الإيراني؛ إضافة إلى الاختناق الاقتصادي الروسي، كلها ستساهم بإغراق الروس في مغطس "تخبيصاتهم". 

لن يكون هناك إعادة إعمار العسل الذي ينتظره الدب كي يداوي جوعه الاقتصادي؛ ولن يتمكن من استعراض "إنسانيته" كمنقذ للسوريين الذين تشردوا، ولن يكون كما اشتهى خطوة باتجاه حل سياسي. أما ملفات الارتكابات والنقاط السوداء التي سجلها عليه العالم، فسيراها تتراكم، وتتكثف بأسرع مما يتصور؛ فما فتْح ملف الكيماوي مؤخراً، والذي يطال الروس مباشرة، إلا دليل على ذلك.  بوتين ولافروف يعرفان بأن أوراق السوريين وثورتهم لا تنتهي. ثورتهم شعلة لا تنطفئ؛ وستحرق من يسعى لإطفائها.