ثورة إدلب في مدينة حلب الجامعية

2019.10.21 | 17:57 دمشق

yyy.jpg
+A
حجم الخط
-A

اعتاد إعلام النظام السوري بدايات الثورة السورية وصف المتظاهرين بالجهل و"الزّعرنة"، لتأتي المظاهرة الأولى في كلّيّة الآداب في جامعة حلب أواسط نيسان 2011، إعلاناً عن انضمام أحد أكبر صروح العلم في البلاد للثورة السورية، موجِّهة ضربةً كبيرةً لدعاية نظام الأسد، ثم توالت احتجاجات الطلبة في الجامعة التي استحقّت لقبها "جامعة الثورة".

جامعة حلب هي ثاني أكبر جامعة في سوريا نسبةً لعدد الطلاب، والذين جاوزوا الـ 80 ألفاً بعد العام الدراسي 2003–2004، حيث تستقطب الجامعة عدداً كبيراً من أبناء المحافظات القريبة منها للدراسة في كلّيّاتها، كما تمتلك الجامعة مدينةً جامعيةً تضم 20 وحدة سكنية تتّسع لما يقارب الـ 16 ألف طالباً وطالبة من أبناء ريف حلب والمحافظات الأخرى.

مع انطلاق الثورة السورية بدأ (الاتحاد الوطني لطلبة سوريا) وأفرع (حزب البعث) المنتشرة في كل كليات الجامعة أنشطتهما التشبيحيّة، فالمظاهرة الأولى في كلّية الآداب تم تفريقها من قبل أعضاء الهيئة الإدارية وفرع الحزب في الكلّية، إضافةً إلى كتابة التقارير بشكل دوريّ للأجهزة الأمنيّة متضمّنة "الأنشطة المريبة" للطلاب، فضلاً عن إقامة احتفالات التأييد للقائد "المُفدّى" والتي بدأت منذ الخطاب الأول لبشار الأسد أواخر آذار 2011، بتشغيل الأناشيد الوطنية لعلي الديك ووفيق حبيب وإقامة حلقات الدبكة "الوطنية" في عدة نقاط داخل الجامعة "للرفاق والرفيقات" وعشاق الاحتفالات، في الوقت الذي كان فيه أهل درعا يعيشون أسوأ أيام الحصار!
كما انتشرت إشاعة عن تسليح فرع الحزب لبعض منتسبيه الأوفياء من الطلبة تحسباً لأي حراك قد يزعزع الاستقرار في صرح العلم الشامخ!

لكنّ كلّ تلك التدابير لم تكن كافية لثَنيِ عزيمة الطلاب المتحمّسين للثورة والذين حاولوا التظاهر في النصف الثاني من نيسان على أسوار حرم الجامعة في شارع الفرقان، ثم تظاهروا للمرّة الأولى في المدينة الجامعيّة مطلع أيار مُكَبِّرين وهاتفين لدرعا، قبل أن يبدأ عدد من الطّلبة "المؤيِّدين" الهتاف: "الله سوريا بشار وبس.."، وفي مشهد نَدَرَ حدوثه تواجه الفريقان واختلطت الهتافات بين المجموعتين دون أن تتحوّل المواجهة إلى اشتباك، قبل أن يطغى صوت الثوار على صوت المؤيدين..

المظاهرة الأولى في المدينة الجامعية  في حلب بدايات أيار 2011، والتي تمت فيها المواجهة بين الطلاب المتظاهرين والمؤيدين.
 

 

 

ليُكرِّرَ الطّلبة الثائرون في المدينة الجامعية مظاهراتهم الليلية غيرَ مَرّة في شهر أيار، لكن بأعدادٍ محدودة لم تتجاوز الـ 200 طالب في أحسن الأحوال.

يَعتمِد اجتماع الطّلبة في الجامعة على الانتماء المناطقيّ بشكل أساسي، ففي انتخابات الهيئات الإداريّة للكلّيات المشكِّلة للهيكل التنظيمي للاتحاد الوطني لطلبة سوريا، ينتخب الطلبة ممثليهم بناءً على تحالفات مناطقيّة دائماً ما كان قطباها الرئيسيّان (تحالف إدلب وتحالف ديرالزور)، لكن ومنذ افتتاح جامعة الفرات في ديرالزور عام 2006، انحسر عدد أبناء المحافظات الشرقية في جامعة حلب متيحاً المجال لأبناء محافظة إدلب بتشكيل الأكثرية الساحقة في رئاسة الهيئات الإدارية واتحاد الطلبة، كما شكلوا أكثرية أعداد الطلبة القاطنين في المدينة الجامعية بحلب.

ورغم انضمام محافظة إدلب مبكراً إلى الثورة السورية، إلا أن الطلاب من أبناء المحافظة لم يلقوا بثقلهم في احتجاجات المدينة الجامعية في البدايات طوال شهر أيار، لكن كل ذلك كان على وشك أن يتغيّر..

في الرابع من حزيران يوم السبت انطلقت مجموعات من أمن النظام باتجاه بلدة (أورم الجوز) ضمن محافظة إدلب مُعِيثَةً فيها فساداً، ليجتمع أهالي البلدة والقرى المجاورة فيها ضمن مظاهرة كبيرة فرّقها الأمن مخلِّفاً 4 شهداء وعشرات الجرحى، لتنتفض مدينة (جسر الشغور) التي اقتحمها الأمن أيضاً مرتكباً فيها على مدار يومي السبت والأحد مجزرةً راح ضحيّتها 15 شهيداً وما يقارب 50 جريحاً، استخدم فيها النّظام المروحيّات في ضرب المدينة وأهلها، الذين حاصروا عدداً من الشبيحة في مقر البريد تناقلت الصفحات الثورية كون جنسيتهم "إيرانية"، ليُحرِّك نظام الأسد تعزيزات عسكرية وأمنية ضخمة باتجاه المدينة، دافعاً قرى وبلدات ريف إدلب والمحافظات القريبة للانتفاض قاطعةً الطرق أمامها، كما انشقّ عدد من الجنود في مناطق متفرِّقة كان من ضمنها جسر الشغور، ليُجَنّ جنون النظام مطلقاً حملةً عسكريةً شرسة استهلّها بالقصف المدفعيّ على عدد من مدن وبلدات إدلب سقط خلالها شهداء وعشرات الجرحى، ومحاصِراً مدينة جسر الشغور التي باتت شبه مهجورة بعد نزوح غالبية أهلها بأعداد كبيرة غير مسبوقة.

كانت أحداث جسر الشغور "الشّعرة التي قَصَمت ظهر البعير" بالنسبة للطلّاب من أبناء محافظة إدلب في مدينة حلب الجامعية، فبعد التزام أغلبيّتهم الحياد طوال شهر أيار صاروا ينطلقون يومياً في مظاهرات مسائية ضخمة يجولون فيها شوارع المدينة لساعات هاتفين لإدلب ومطالبين بإسقاط النظام، فيما كانت الطالبات يهتِفنَ من نوافذ وحداتِهِنّ السكنية مع المتظاهرين، ثم وفي الجمعة الأولى التي تَلَتِ الأحداث (جمعة العشائر)، انتفضت المدينة الجامعية في واحدة من أكبر مظاهراتها، داقّةً ناقوس الخطر عند الأفرع الأمنيّة بتَحَوُّلِ المدينة الجامعيّة إلى منطقةِ "توتّرٍ دائم" ضمن مدينة حلب التي يصرِفون فيها جُهداً كبيراً لتحييدها عن الثورة السورية.

 

 

 

ورغم كونِ المدينة الجامعية معزولةً عن محيطها بسورٍ التزمَ الطّلاب حدوده فلم يخرجوا بمظاهراتهم خارجه، إلّا أنّ مجاورتها لحَيَّيْنِ من أرقى أحياء المدينة وهما حَيَّا الفرقان والشهباء، وإشرافِ وحداتِها السكنية على ثلاثة شوارع رئيسية حَرَكَتُها كثيفة نسبيّاً، جَعَلتْ استمرار تردُّدِ أصداء الهتافات منها على مسامع الحلبيّين أمراً مرفوضاً بالنسبة لخطة نظام الأسد الأمنية في الشهباء.

فتمّ فرز مجموعات مختلفة من الشبيحة وعناصر الأمن بشكل دائم لقمع مظاهرات المدينة الجامعيّة متمركزين عند مداخلها، وبات مشهد اقتحام الأمن لها مع كلّ مظاهرةٍ وضرب الطّلاب واعتقال أعداد منهم أمراً اعتيادياً، لكن ذلك لم يكن كافياً لردع الطّلبة عن تكرار المحاولات يوميّاً، وحتى عند استحالةِ التظاهُرِ في الشوارع بسبب التواجد الأمني، كانت الهتافات تصدَح من نوافذ الوحداتِ السكنية، التي تحصَّن فِيها الطّلاب مُغلِقِين مَدَاخِلها بالمقاعد الدراسية التي منَعَت الشبيحة من اقتحامها، لكنها لم تمنعهم من التجمهُرِ حولها مهدِّدين ومتوعِّدين.

 

 

 

انتظَرَت السلطات الأمنية في حلب انتهاء العام الدراسي القريبِ للتخلُّص من مشكلة المدينة الجامعية ومظاهراتها، أمَلاً في انتهاء "الأزمة" عند عودة الطلاب في العام الدراسي القادم.

في العام التالي ومع استمرار الثورة السورية وتزايد احتجاجات الطلاب في جامعة حلب (جامعة الثورة)، قام الأمن باقتحام المدينة الجامعية مستخدماً الرصاص الحي وموقعاً شهيداً على الأقل وإصابات عدّة فضلاً عن الاعتقالات، ليتم إغلاق المدينة الجامعية وإجلاء الطلبة عنها بعد عجز النظام عن قمع مظاهرات طلاب الجامعة الثائرين..

لكن تلك قصة أخرى.

كلمات مفتاحية